استهداف الرئيس محمد مرسي للقضاء المصري وما يدور في المنطقة العربية/عبد الأمير محسن أل مغير

Sun, 25 Nov 2012 الساعة : 18:05

يعتبر النظام القضائي في مصر من اعرق الانظمة القضائية في هذه المنطقة ولا نغالي اذا قلنا يعتبر ذلك القضاء فريدا من نوعه بين تلك الانظمة في دول العالم الثالث وقد حظي بالتقدير ولم يحصل المساس به من قبل جميع انظمة الحكم السياسية التي مرت بمصر الحديثة حتى ان الرئيس عبد الناصر ورغم علو امكاناته السياسية وما حققه من منجزات كان يقدر ذلك القضاء وينفذ ما يصدر عنه وينقل لنا الفقيه في القانون الاداري الدكتور سليمان الطماوي في كتابه (رقابة القضاء على اعمال الادارة) بان ضابط برتبة عميد في الجيش المصري لم يرفع الى رتبة لواء في حين رقي زميلا له رغم عدم استحقاقه لتلك الرتبة فقدم ذلك العميد دعوى للقضاء الاداري المصري وطلبت اضبارتي الضابطين وتمت دراستهما من قبل المحكمة المختصة واقتنعت تلك المحكمة بحق الضابط المدعي في تلك الترقية وعندما اوشكت اصدار قرارها اصدر الرئيس عبد الناصر قرارا بإحالة المدعي بتلك الدعوى على التقاعد بناء على طلب وزير الدفاع فما كان من المحكمة الادارية الا ان ادخلت الرئاسة المصرية شخصا ثالثا في الدعوى الى جانب وزير الدفاع واصدرت قرارا بإعادة ذلك الضابط الى الخدمة وترقيته الى رتبة لواء كونه مستحقا لتلك الرتبة على خلاف زميله وكان تسبيب قرار الحكم الصادر عنها بان قرار رئاسة الجمهورية ليس محصنا امام القضاء لعدم اعتباره من اعمال السيادة كونه يتعلق بعمل اداري محض وقد نفذته الدولة بدقة والنظام القضائي في مصر من نوع القضاء المزدوج أي انه ووفق المدرسة الفرنسية قضاء اداري يتعلق بالدعاوى بين المواطنين والدولة او بين دوائر الدولة نفسها والقضاء العادي الذي ينظر بالمساءل المتعلقة بدعاوي المواطنين العادية وربما يعتبر ذلك القضاء ذو سمو حضاري ممكن ان يفتخر به النظام القضائي العربي بمجمله ويقترب باستقلاليته ونزاهته وجرأته وإمكاناته العلمية في مجال القانون من القضاء الفرنسي وقد تناقلت الانباء يوم 22/11/2012 قيام الرئيس المصري محمد مرسي بإقالة النائب العام وتعيين بديلا له بقرار رئاسي مع ان ذلك القرار يعتبر من صميم اختصاص مجلس القضاء الاعلى مما يجعل ذلك التصرف فاتحة عهد جديد تبتعد فيه مؤسسات الدولة المصرية عن الاستقلال المتبع في ذلك البلد استنادا لمبدأ الفصل بين السلطات وبدء حقبة من التسلط بحكم العقلية التي يتعامل بها جماعة الاخوان المسلمين في ادارة الدولة ومثل هذا القرار كان متوقعا من قبل كثير من رجال القانون والمثقفين العرب وقد هددت الجماهير الليبرالية في مصر بالقيام بمظاهرات وقد لا تهدأ مثل هذه الازمة الا بالتحول نحو امور قد تكون ذات اثر بالغ في الاستقرار الذي عرفته مصر او يتراجع الرئيس عن ذلك القرار كما فعل سابقا ومع ان الاخوان المسلمين دعمتهم الولايات المتحدة بالوصول الى السلطة في بلدان الربيع العربي حيث سرقت تلك الثورات من الجماهير الليبرالية لتصبح لدى اناس لا يؤمنون في حقيقة الامر بترسيخ الحريات العامة او اتباع النهج الديمقراطي الا انهم على ما يبدو على عجلة من امرهم مما جعل افتضاح خطتهم بالهيمنة على السلطة والتبعية للولايات المتحدة قد اكتشفت وبشكل سريع جدا من قبل الجماهير وكانت احداث غزة الاخيرة والعدوان الصهيوني على ذلك القطاع اظهر وبشكل جلي كيفية قيادة الرئيس محمد مرسي لذلك البلد العربي بمستوى ادنى مما كان يمارسه حسني مبارك نفسه حيث اخذ دور الوسيط بين الصهاينة ومقاتلي غزة بدلا من ان يكون داعما لنضال الشعب الفلسطيني وقد كشف بشكل اكثر مهادنة من حكام السعودية وقطر بممالات وتنفيذ الخطط الغربية وبذلك اصبح منضما الى هذه المجموعة من الحكام المتخاذلين وقد عرضت قناة العربية يوم 22/11/2012 مرددة ودونما حياء قولا للسيد خالد مشعل بان الصواريخ التي دكت مرابض الصهاينة قد جهزت لحماس من قبل ايران وهو امر لا يخفيه الايرانيين انفسهم لا بل ويعتبرونه واجبا وبنفس الوقت كانت تلك القناة تردد اقوال وزير الخارجية الفرنسي بان ايران بعملها المذكور قد اثرت على الاستقرار في المنطقة ومعروف موقف فرنسا الاخير بمناصرته للكيان الصهيوني ومثل ذلك التكرار من قبل تلك القناة والذي يثير السخرية وكأن لسان حالها وآل سعود بانهم يحرضون اسرائيل على ايران وهم وقفوا كأصدقاء للكيان الصهيوني وهذا ليس بالأمر الخفي بالنسبة للصهاينة فهم يعرفون تماما ويرددون بان من يقف ضدهم ويزود مقاتلي غزة بالسلاح هم الايرانيون كما عرضت تلك القناة صورة لعشرة جنود ويقف حولهم مجموعة من المسلحين قالت بانهم منتسبي الفوج (46) في دير الزور بسوريا وان ذلك الفوج محاصر منذ خمسة وخمسين يوما كما تقول مع ان ملاك الفوج الف جندي كما انها عرضت ايضا وبنفس يوم 22/11/2012 صورة لبناية يبدو انها ثكنة متروكة فيها عدد من السيارات ورجلين يحملان قاذفة (ار بي جي) وزعمت بان ذلك هو مقر اللواء (72) وهذا يعكس تفاهة تلك القناة التي امتهنت التهريج البعيد كل البعد عن المهنية والوسيلة الاعلامية الشريفة حيث واضح جدا وخصوصا للعسكريين بان هاتين البنايتان ثكنات متروكة للوحدات الفعالة عند تحركها بمهام قتالية خارج تلك الثكنات وعلى ذكر ما اذاعته قناة العربية من ان ايران قد زودت مقاتلي غزة بالصواريخ فان بعض المحللين يرددون بتفاهة تلك القناة حيث الاصطفافات اصبحت واضحة الان فهناك العملاء والاتباع ويقابل ذلك المناضلين الاشداء المتمسكين بالنهج الاستقلالي وحماية حقوق شعوبهم فأضحى واضحا دفع الولايات المتحدة بقطر والسعودية والاخوان لحماية مصالحها واسرائيل في المنطقة مما اظهر صفة التبعية لأولئك الحكام امام شعوبهم وبانهم ينفذون اوامر اعداء العرب والمسلمين ويتوقع المحللين بان عمر انظمة الاخوان في مصر وتونس وليبيا سوف لن يكون طويلا بحكم عدم امكان استيعابهم لمدى التطور الذي حققته تلك الشعوب سيما الشعب المصري في تبنيه لمناهج تكريس الحريات العامة والنظام الديمقراطي وانه ادرك بان طبخة الولايات المتحدة لتنصيب السيد محمد مرسي كانت معدة سلفا وتصرفه الاخير بمواجهة القضاء في مصر وهو سلطة مستقلة كما ذكرنا تصرفا غير موفق وسيساهم بعودة اسلوب الحكم في ذلك البلد الى ما قبل ثمانون عاما ولكن شعوب هذه المنطقة ادركت ابعاد هذه اللعبة فبنظر المحللين ان مواجهة محمد مرسي ستكون سببا مباشرا لنهاية حكمه على يد جماهير ناضلت طويلا في ظل نظام حسني مبارك بسبب تفرده اما محمد مرسي فهو في حقيقة الامر يأخذ بأسلوب حكم لويس الرابع عشر في فرنسا الذي يردد بانه يعتبر ظل الله في الارض خلال القرن السابع عشر في حين ان الله سبحانه اورث الارض لعباده الصالحين وليس الذين يظهرون بوجهين وجه يمالئ به حماة اسرائيل واخر يزعم بانه ينصر الحق العربي ومهمة محمد مرسي ليست بالمهمة اليسيرة فهناك شعب لديه مستوى عال من الوعي واعتاد وضمن حقب معينة من تاريخه الحديث على نهج يقترب من النهج الليبرالي اما الان فهو سيواجه على ما يبدو حكما يأخذ بفتاوى القرضاوي التي ينسق من خلالها مع الولايات المتحدة وهذا امر لا يمكن ان يتسامح به الشعب المصري حيث ان مثل هذه الفئة من الناس تروم اعادة المنطقة الى الخلف لما يقارب من قرن تقريبا بحكم خشية من مهدوا لوصولها من تنامي الوعي لدى هذه الشعوب وبدء تصاعد قدراتها التنموية صحيح ان الولايات المتحدة الامريكية لا يهمها ما سيتعرض له الحاكم في بلد ما بقدر ما تريد ان تنفذ بواسطته مخططاتها وضمن صفحات متتالية الا ان اغلب المتتبعين يعتقد بان مرسي وامريكا ليس باستطاعتهما انهاء هذه الحقبة ووفق اسلوب التآمر المكشوف على مستقبل المنطقة حيث قبل اندلاع القصف على قطاع غزة رأينا كيف انتهت مرحلة شعار الدولتين في فلسطين حتى ان امريكا اخذت تهدد الفلسطينيين في حالة مطالبتهم الجمعية العامة للأمم المتحدة بعضوية مراقب وبانها ستقطع التخصيصات المالية عنهم كما هددتهم اسرائيل بانها ستمتنع عن دفع حصتهم الضريبية ولكن على اثر ما حققه مقاتلي غزة عند امطار اسرائيل بالصواريخ اصبحنا اخيرا نسمع (بان كيمون) ودعواته الجديدة لاجتماعات الرباعية الدولية والعودة بإعطاء الفلسطينيين حقهم بإقامة دولتهم وعاصمتها القدس الشريف ووفقا لحدود عام 1967 ثم اخذنا نسمع ايضا تصريحات كلينتون بالدعوى للسلام العادل كما تقول وتصريحات اشتون ايضا بحل الدولتين كل ذلك هو من قبيل النفاق وان هذه الاقوال ستتضح حقيقتها قريبا عندما تضمن اسرائيل سيطرتها على منع دخول السلاح الى غزة واستمرار الحصار ولابد هنا ان نحلل ونضع نقاط معينة على ما ورد بخطاب السيد اسماعيل هنية على اثر ما حققه مناضلي غزة من انتصار حيث قال (بان اوضاع المنطقة العربية قد تغيرت واصبحت الولايات المتحدة مستعدة ان تسمع كلام جديد وبان التهديد بالاجتياح البري لم يعد قائما) ومثل هذا القول عندما يصدر من رجل مناضل وبدا بانه اقتنع وبهذه السرعة بما طرحته كلينتون من اقوال لتصل الى توقيع اتفاق الهدنة مع ان ما ثبت للعرب بان المسؤولين الغربيين سيما الامريكان يعطون الوعد هذا اليوم وينقضونه في اليوم التالي وبهذا فان السيد هنية ومناضلي الشعب الفلسطيني عليهم ان يدركوا بان ما يطرح في اجتماعات ملحة ومستعجلة لوقف اطلاق النار غير الذي ينفذ ضمن خطط موضوعة في الخفاء فالمواجهة بين العرب والمسلمين والقوى الغربية مواجهة مصيرية الان والولايات المتحدة ورهطها ينفذون مخططهم بمراحل فهم يتراجعون خطوة احيانا ليتقدموا خطوتين في المستقبل عندما تحين الفرص الملائمة صحيح كانت صواريخ ابطال غزة ولأول مرة اجبرت الصهاينة ان يغيروا مقراتهم وان تهتز اسرائيل امام هكذا صمود ولكن ما لم يؤمن مناضلي غزة استقلالية قرارهم وتأمين تسليحهم وتوحيد الضفة الغربية مع القطاع وان يعوا بان ما يخطط لهم يأتي ضمن مخطط كبير من قبل الغرب وتعتبر فلسطين حلقة هامة ضمن ذلك المخطط وان القضية الفلسطينية وصلت الى مراحل خطرة جدا وربما احدى سمات تلك المخاطر هو نتائج المواجهة الاخيرة بين غزة واسرائيل وانعدام الخيارات السابقة التي كان يتمتع بها الصهاينة في مواجهة تلك المخاطر فانكشاف عمالة بعض الحكام العرب وكيف ظهروا واهنين في مسألة دعم المقاتلين في غزة وكما قال احدهم بان القصف الاسرائيلي ينهمر على النساء والاطفال ونحن ننتظر كالنعاج وهذا القول يعكس اقرارا بالعجز امام ما يمليه الغرب وبالتالي يجعل المثقفين العرب يتفحصون الامور بدقة وكيف يحددون المسالك التي تؤمن الوصول الى اهدافهم وبشكل يقوض ابعاد المخطط الغربي صحيح ان المقاتلين الفلسطينيين يعانون من وضع خاص سواء من خلال الدول التي تحيط بهم او حاجتهم للإمداد وهم محصورين من قبل الكيان الصهيوني وجيران عرب يظهرون بمظهرين كما ذكرنا بسبب رغبتهم بحماية انفسهم ومراكزهم بممالات الغرب ومن جهة اخرى محاولة خداع الشعوب وبالتالي يكون لزاما على المقاتلين الفلسطينيين ان يحددوا الجهة التي تكون مستعدة لدعمهم دون خشية من احد ونحن نعرف تماما بان شيخ قطر وآل سعود يتحكمون بالمال ويستطيعون ان يدعموا الفلسطينيين بشيء منه الا ان اوضاعهم من خلال الهيمنة الغربية على مقدراتهم تجعل مزاعمهم بدعم الثورة الفلسطينية امرا يثير السخرية فهؤلاء الناس ارتباطاتهم ليست بأمريكا والاتحاد الاوروبي فحسب وانما بإسرائيل نفسها وهذه مسألة غير خافية على احد فبالأصل ان هؤلاء العرب اتى بهم النفوذ الغربي لمراكزهم هذه وهم دقيقين كل الدقة باتباع تعليماته وربما هؤلاء هم الذين اوصلوا القضية الفلسطينية الى وضعها الراهن من خلال تخاذلهم حيث تم التوسع الاستيطاني ومحاصرة غزة وتكريس التقسيم بين الضفة الغربية وغزة وتكرار قصف الصهاينة للقطاع ونكرر بان من تربى على النضال لابد ان يستطيع ان يفرق بين الغث والسمين واخيرا بان من يكون الحق معه ومؤمن بعدالة قضيته فهو يهز مضاجع الظالمين ودخلت الان القضية الفلسطينية مرحلة مواجهة مكشوفة بعد ان تكشفت جميع الاوراق وظهر الفرق بين الحقيقة والنفاق فضمور مهمة اللجنة الرباعية الدولية وحل الدولتين الذي ذوى قبيل المواجهة الجريئة والشجاعة التي ابداها ابطال غزة بوجه الكيان الصهيوني مما دفع حماتهم ان يعيدوا تقولهم بالشعارات السابقة بغية ان يوصلهم ذلك الى توقيع هدنة وقف اطلاق النار .

Share |