أزمة الضمير المهني للفرد العراقي/صفاء رامي
Wed, 21 Nov 2012 الساعة : 2:14

تحية طيبة و احترام
كثيرا من المقالات المعبرة و الهادفة لم ترى النور في المواقع المتميزة بالرغم من حاجتنا اليها .. و كثيرا من الاشخاص المحترمين الذين لم ينحدروا الى المستويات الرخيصة لم تحن الفرصة المناسبة لهم .. انني اعرف السيد سليم رشيد الملا عمران معرفة حقيقية و يحق لنا ان نعتبره مثالا للخلق الكريم و الاصالة و الصدق .. انه ورث الصدق و تربى عليه بسجيته .. انه لايعرف اللف و الدوران وهو كاتب قدير و موسوعة ثقافية .. خصوصا في مجالات علم الاجتماع ... و لكن للاسف حاله كحال الكثير من الاخوة العراقيين .. فانه مغمور و مهمش في الوقت الذي نحن العراقيين بأمس الحاجة اليه و الى افكاره و تطلعاته .. لقد حاول النظام السابق اخراسه حتى وصل الحال الى نفيه حينذاك الى مدينة كركوك .. انني اكتب هذه الكلمات البسيطة عسى ان تجد لها آذانا صاغية .. و املي كبير بالمخلصين ..
أملي كبير ان تقرؤوا المقال التالي بروية و تمعن و ان يصل طريقه للنشر .. و الله و العراق و حب الاخرين من وراء القصد
و دمتم بخير
أزمة الضمير المهني للفرد العراقي
مقالة للكاتب : سليم رشيد الملاّ عمران
( نقلا عن جريدة صوت المعلم الشهرية الصادرة من نقابة المعلمين فرع ذي قار)
من خلال تتبعي لما كُتب عن الشخصية العراقية من أبحاث و مقالات و دراسات .. عثرتُ على بحثٍ للاستاذ الجامعي فارس كمال عمر نظمي حول ( سيكولوجيا الشخصية و المجتمع و السياسة ) و كان موضوعا مهما يتناول به المعايير الاخلاقية و الضبط الاجتماعي و السياسي للمجتمعات و من ضمن هذه المواضيع : موضوع الضمير المهني ، فتعمقت بدراستي لهذا الموضوع و جعلته عنوانا لمقالي فبدأت بتوضيح الاصطلاحات الاكاديمية للموضوع أولا ثم ربطته بأزمة الضمير المهني للفرد العراقي .
الضمير في معناه العام : هو معيار أخلاقي مكتسب يُحدد للفرد ماهية الخطأ و الصواب و المرفوض و المقبول في سلوكه و سلوك الاخرين ضمن ثقافة معينة . اما الضمير المهني فيعني مدى توافق قاعدة معيارية داخلية لدى الفرد تدفعه للالتزام بالمواصفات و الشروط الاخلاقية التي تقتضيها ممارسته لمهنته كتبني الامانة و الصدق و الايفاء بالوعد و تجنب الخداع و الكذب و التسويف . أما المهارة المهنية فتعني الكفاءة و الاحتراف و الابداع و التعمق في الاختصاص ، اذ يمكن لصاحب مهنة ان يكون حاذقا و كفوءا في أدائه المهني من الناحية الحرفية و الابداعية لكنه مفتقرا الى ضمير مهني في الوقت نفسه ... فالمعلم مثلا او المدرس يمكن ان يكون متعمقا في اختصاصه و كانزا لمعرفة واسعة لكنه ليس بالضرورة ان تكون له القابلية او القدرة على تنمية الشخصية العلمية لطلبته او حريصا على ترجمة ذخيرته المعرفية و المعلوماتية الى ثقافة واقعية لها تاثيرها الايجابي في الحياة اليومية للناس و هذا هو ازمة الضمير المهني .
و لنرجع الان الى عنوان المقال الذي هو ازمة الضمير المهني للفرد العراقي و الذي هو نتاج لتصدع بنيان الدولة بعد عام 2003 و افتقادها لاسس و مفاهيم تحقيق الضبط الاجتماعي كما ان الازمة هي افراز منطقي لبنية السلطة الجديدة التي نشأت على نحو فوقي و مستعجل و مصطنع من الناحية السوسيولوجية فظلت مرهونة بفوبيا الوقتية او الزوال و هذا مما دفع أغلب رجالاتها لانتهاج سلوكية طفيلية تضمن لهم جني اكبر و منافع ذاتية ممكنة في اقصر وقت زمني على حساب كل ماهو قانوني و عرفي و اخلاقي و انساني و كذلك بسبب الاخصاء التاريخي للمجتمع العراقي الذي مُورس بحقه إبتداءا من الدكتاتورية السابقة و انتهاءا بالعنف السياسي من احتلال و ارهاب و طائفية و محاصصة ، مما سبب لهذا المجتمع ميكانزمة نفسية فقدَ بها فاعلية الفعل الجمعي و السياسة الايجابية له ، اذ اصبح سلوكه الانتخابي موجه بـ (ريموت الطائفية السياسية) بديلا عن الدستور من خلال مشاركته الغير واعية في صنع الحدث السياسي الذي يحقق مصالحه الواضحة في الرفاهية و السلم الاجتماعي . اذا تبين لنا ان معنى ازمة الضمير المهني هو الفساد بانواعه المالية و الادارية و السياسية كما ان تآكل الضمير المهني يخص المواطن العادي و فئات الموظفين و التكنوقراط و رجال الامن و السياسيين عامة بدون استثناء لان الفرد عندما لايحترم الوقت و لا القيمة الوظيفية و اتصاف سلوكه بالكذب و الخداع و الاحتيال و التضليل فلذلك ان اغلب الناس بدت تثار لديها مشاعر الريبة و الشك و التهكم خاصة في الامور التي تتصل مباشرة بالجانب الاخلاقي لمهنة رجل السياسة او رجل الدين او رجل الامن . و لهذا نلاحظ تفشي اللامعيارية في الحياة العراقية و يُقصد بها حالة الفوضى المجتمعية التي انتزعت من الناس ثقتهم بوجود معايير مؤكدة او سلم قيمي راسخ يمكن الاعتماد او الركون اليه لفرز الخطأ من الصواب او الرذيلة من الفضيلة ، فمعيار النزاهة مثلا بات لا يوفر لصاحبه الهيبة او النجاح الاجتماعي او الاكتفاء المالي بل بالعكس من ذلك ان فساد الذمة صار ممرا لتحقيق تلك المكاسب لاسيما عند كبار موظفي الدولة الاداريين منهم و السياسيين .
المشكلة نحن كنا نتصور بان الحكم الديني يوفر مناخا اكثر ملائمة لاستقرار المعايير و القيم و الاخلاق و الحقوق الشرعية بما انزل الله في القرآن ، و لكن المفارقة ان بعضهم و ليس الكل يسعى الى التهميش لبعض الاتجاهات و الجماعات السياسية بمجرد الاختلاف معهم في الرؤية و استحواذهم على كل المناصب الاساسية و المهمة و منحها الى ناس غير كفوئين علميا و اجتماعيا و لو اننا لا نعزي هذه المفارقة الى الدين بحد ذاته لكن هذه النزعة خلقت صراعا نفسيا حادا في الشخصية العراقية بين حاجاتها الداخلية الاصيلة للتحرر و حب الحياة و التسامح الاجتماعي و قبول الاخر و عدم تهميشه و بين حاجات مصطنعة مفروضة عليه من الخارج تمثلت بوجود ميليشيات و جماعات ارهابية و التفرد و الاستحواذ .
ان هذه اللامعيارية أثرت على الشخصية العراقية في اطار سلوكه المهني مثل الجشع و اللاابالية و اللاجدّية و النظرة العدمية الى الحياة و السلوكيات المرتجلة بعيدا عن التخطيط و عدم أحترام الوقت و التكاسل و الاعتداء اليومي على هوية المدينة و جماليتها و التنكيل العبثي بالملكية العامة و اللجوء الى خداع الاخرين ما دامت النزاهة ليس لها اعتبار في المجتمع كل ذلك أدى الى اضطراب و أزمة بالضمير المهني للفرد العراقي .