ماذا خسر العالم من اسلام القوميين والاصولين العرب/انس محمود الشيخ مظهر

Fri, 16 Nov 2012 الساعة : 17:58

 

كثيرا ما يدعي القوميون العرب بان للعروبة فضل على الإسلام كما إن للإسلام فضل على العرب سواء بسواء مدعمين قولهم هذا بأنه لولا العرب لما وصل الإسلام إلى أقاصي الأرض شرقا وغربا.
ولكي نثبت للإخوة( القومجيين) العرب بان واقع الحال هو عكس ما يدعونه سوف نبحث في النقاط السلبية التي أضافها المزاج العربي على الدين الإسلامي والتي أصبحت تعتبر أفات في الدين الإسلامي من الصعب التخلص منه . ولا نقصد هنا الانتقاد لمجرد النقد ولكن من المهم أحيانا التعرف على الذات من وجهة نظر الآخرين باعتبار أن الشعب العربي لا يعرف ما يعانيه من مشاكل حضارية فكرية خطيرة .
تحويل الجهاد إلى إرهاب
أي فكرة دنيوية أو دينية تتأثر بالمجتمع الذي تنشا فيه سلبا أو إيجابا لتأخذ من عادات وتقاليد المجتمع هذا الشيء الكثير للحد الذي يكون من الصعب فيه التميز بين ما هو من صميم الفكرة نفسها وبين ما هو متأثر بعادات وتقاليد تلك المجتمعات . ولو دققنا في المجتمع العربي والكيفية التي يتداول بها الأفكار الموجودة فيه لنرى أن طبيعة الإنسان العربي أثرت على هذه الأفكار بشكل كبير سواء كان الفكر قوميا أو إسلاميا أو حتى ماركسيا في السابق .
فالملاحظ أن الأحزاب القومية العربية كانت من أكثر الأحزاب القومية تطرفا على الصعيد الدولي وتعاملت مع شعوبها والشعوب الأخرى بالكثير من البطش والدموية , وما يحصل في سوريا أو ما حصل في ليبيا والعراق دليل على ما نقول , وكذلك الحال بالنسبة للأحزاب الماركسية فعلت نفس وهناك الكثير من الأدلة على الممارسات الدموية للأحزاب الماركسية العربية سواء ما حصل في العراق أو ما حصل في بعض دول الشام في عقود سابقة .
أما بالنسبة للإسلام فمن الملاحظ أن ما يسمى اليوم في المفهوم الإسلامي بالجماعات الجهادية وما يسمى دوليا بالجماعات الإرهابية كان منشأها الأصلي في المجتمعات العربية , لذلك يجب علينا أن نتساءل ... هل إن تداول الإسلام بالشكل الذي تفهمه هذه الجماعات يعتمد على العقائد الإسلامية أم هي نتاج تأثير المزاج الشعبي للمجتمع العربي وطريقة تفكيره وطبائعه ؟
في تصوري فان اختيار المجتمع العربي لحمل راية الإسلام كان له أسبابه ودواعيه من قبل الله عز وجل , فلقد امتازت الطبيعة العربية في شبه الجزيرة بالقسوة والشدة نظرا للحياة القاسية التي كان يعيشها العربي في تلك الرقعة الشاسعة من جزيرة العرب والتي كانت تتلخص بالمجمل بغزوات وغارات تشنها هذه القبيلة على القبيلة الأخرى بحيث انتفى عندهم أي قيمة حقيقة للحياة إلا ما ترطبه نتف من الشعر والقصائد من هذا الشاعر أو ذاك . ولذلك فان مجيء الإسلام بهذه المبادئ السامية وبهذا الثواب الكبير الذي يعد المؤمنين به بعد الممات والذي لا ينتهي عند جنة عرضها السماوات والأرض ولا بالحور العين ولا بأنهار من خمر وعسل تكون كفيلة بان يضحي هذا العربي بحياته الصحراوية تلك من اجل نصرة هذه الفكرة ونيل احد الحسنيين ( أما النصر أو الشهادة) , وهذا كان من إحدى ألنقاط الأساسية لانتشار الإسلام خارج شبه الجزيرة العربية إلى باقي شعوب المنطقة في الفتوحات الإسلامية . ولكن هذا الفكر اختلط مع المزاج العربي القديم والذي أدى إلى آن تتجسد فكرة الإسلام عنده مع أكثر فكرة متقاربة مع طبائعه وطبقها على هذا الأساس فأصبح الجهاد هو الشغل الشاغل له حتى وان لم تتوفر ظروف الجهاد هذا وتنوعت عنده الأطراف التي يجاهد ضدها حتى أصبح الجهاد ممكنا ضد المسلمين أنفسهم وحتى ضد الإسلاميين ( بالمصطلح الحديث ) وهذا ما أعطى الإسلام صورة حمراء قاتمة وصبغها بصبغه الإرهاب وهو منها براء .
التسنن والتشيع
وهو الاختراع الوحيد للقومية العربية والذي يعتبر من اشد التهديدات خطورة على الشعوب الإسلامية , وللأسف فان البعد الزمني الذي يفرق بين نشوء المذهبين ( أو بالأحرى انشقاق المذهب الشيعي عن باقي المسلمين ) يعتبر عامل ضعف يجعل الفجوة اكبر بين الطرفين , حيث أن البعد الزمني يساعد في إدخال الكثير من الأفكار التي تدعم الطرفين والتي تبنى عليها مواقف أخرى تجعل البون شاسع بينهما حتى بدا الطرفين يرون الإسلام من زاويتين مختلفتين وأصبح كل طرف يكفر الطرف الآخر حتى أصبح التقارب بينهما شيئا أشبه بالمستحيل . ولا أتصور القارئ العزيز بغافل عن خطورة هذا التوجه خصوصا في الظروف الحالية التي تمر بها المنطقة.
تعريب الإسلام ونشوء الفكر القومي العربي في العصر الإسلامي الأول
الشعور القومي العربي عند البعض لم يكن وليد العصر الحديث بل انه وجد بمجرد خروج الفتوحات الإسلامية خارج الجزيرة العربية , وبعد توسع رقعة العالم الإسلامي تعمدت الأسرة الأموية وكذلك العباسية للحفاظ على سلطانهم وذلك بإضفاء روح القداسة على العنصر العربي وبأساليب مختلفة منها وضع أحاديث وروايات عن الرسول تشجع بل وتلزم المسلمين بحب العرب مثل الحديث الذي يقول ( أحبوا العرب لثلاث ... إلى آخر الحديث ) والأحاديث التي تلزم المسلمين على اتخاذ أمراء لهم وترشيح الحلقة الأقرب نسبا للرسول ثم إلا بعد و الأبعد وكل هذه الأحاديث والروايات كانت تشكل درعا واقيا للأسر الحاكمة سواء كانت أموية أو عباسية للتشبث بالحكم مما تسبب في ردود أفعال قوية لدى القوميات المسلمة الأخرى التي دخلت الإسلام , وظهرت على أساسها حركات عرفت في التاريخ الإسلامي بالحركات الشعوبية وكانت عبارة عن حركات قومية وقفت ضد التوجهات العروبية للسلطة الحاكمة آنذاك وساهم هذا الوضع بضعف الدولة الإسلامية آنذاك .
وهذا يدل بان الشعور القومي عند الشعب العربي ليس وليد اليوم بل له جذوره التاريخية منذ العهد الإسلامي الأول , وتبلورت في العصر الحديث بتحالف الهاشميين في الحجاز بقيادة الشريف حسين مع الاستعمار البريطاني لإخراج الدولة العثمانية والتي كانت تعتبر آخر حكم إسلامي في التاريخ القديم وبذلك ضحى القوميون العرب بالدين الإسلامي في سبيل مصالحهم القومية وادخلوا المنطقة في عصر جديد وهو عصر القوميات فنشأت دول عربية قومية نتيجة عمالتهم للاستعمار البريطاني .
تعريب الإسلام وتحويل الحضارة الإسلامية كونها حضارة عربية في العصر الحديث .
كما قلنا في النقطة السابقة وبعد فقدان العرب سيطرتهم على الدولة الإسلامية وتنامي الفكر القومي عند الترك في العهد العثماني بدا رد الفعل العربي أقوى من الفعل الطوراني , فقد تحالفوا مع الدولة البريطانية للتخلص من الدولة العثمانية , ونشأت دول قومية عديدة لهم في المنطقة اعتمدت على الفكر القومي الموغل في الادلجة كما هو الحال في الماركسية وقد حاولت الأحزاب القومية العربية من تحويل الفكر الإسلامي إلى فكر عروبي مستندة على شواهد غير مؤكدة من التاريخ الإسلامي وتعريب كل علماء المسلمين بل وتعريب الحضارة الإسلامية كلها , ليس هذا فحسب بل تحويل الرسالة السماوية للإسلام إلى ثورة عربية حاول فيها الرسول محمد ( ص) العربي ( حسب زعمهم) من توحيد العرب تحت راية الدين وبعث الأمة العربية لتتصدر الحضارة الإنسانية وتحويل الحضارة الإسلامية من حضارية دينية إلى حضارة عربية يقودها العنصر العربي في كافة نواحي الحياة , فبدأت ردود الأفعال عند الشعوب المسلمة المجاورة لهم تكون اكبر وتتخذ من قومياتهم أيضا واقيا يحميهم من المد العروبي على حضارتهم الإسلامية. وبهذا يكون القوميون العرب هم الوحيدون الذين استغلوا دينا سماويا لصالح انتمائهم القومي وقوميتهم .
تحويل الإسلام إلى ممارسات أكثر من كونها إيمانا حقيقيا
بعد وفاة الرسول ( ص ) مباشرة ارتدت أكثر القبائل العربية عن الإسلام وكفرت بالرسول إلى أن جيش عليهم الخليفة الأول أبو بكر الصديق جيوشا ورجعوا للإسلام عنوة مرة أخرى فيما يسمى تاريخيا بحروب الردة , وقد شاركت نفس القبائل تلك في الفتوحات الإسلامية بعد ذلك مما يدل على أنهم فهموا الإسلام كونه ممارسات وليس إيمانا يوقر في القلب وهذا النوع من الإيمان سرى على الكثير في الأمة الإسلامية ومازال , حيث أن التركيز يكون على المظاهر وليس على الإيمان الحقيقي . فبدا الإسلام حاليا دينا جامدا يعتمد على بعض الأحاديث والآيات بشكل مادي أكثر ما يكون روحي وأصبح التعامل مع روحية الإسلام أشبه بالشرك عند بعض اسلاميوا العرب فاتخذ الإسلام شكلا جافا بعيدا عن أي رطوبة فكرية يحتاجها أي فكر للديمومة . وأصبح الإسلام غير قادر على مجاراة تطورات العصور ولم يعد ينطبق على الإسلام مقولة انه دين لكل زمان ومكان . قد يقول قائل ليس لزاما على الدين أن يجاري التطورات بل على الحياة أن تجاري الدين ولكن الكلام في هذه النقطة لا يكون هكذا بالعموميات حيث إننا نعرف جميعا أن الإسلام فقد دوره الريادي منذ بداية القرن الماضي وكانت بدايات القرن الماضي بداية لتطور هائل في كافة مجالات الحياة وحدث هذا التطور في غياب الدين الإسلامي لذلك فيجب علينا معاملة الوضع هذا مثلما كان الرسول يتعامل مع الوضع الجاهلي قبل نزول الرسالة . وبذلك فلا يمكن أن نأتي بقوانين الإسلام كقوانين جامدة ونطبقها على الحاضر خصوصا وان هناك مرونة كبيرة في الشريعة الإسلامية تستطيع مجاراة الكثير من التغيرات , ولكن عندما يؤخذ الإسلام بهذا الجفاف فان المحصلة تكون كما نشاهدها الآن حيث هناك الكثير من التناقضات بين الحياة والدين حاليا وهذا ما لا ينبغي أن يكون عليه . وقد وضع بعض إسلاميي العرب أنفسهم وكأنهم قيمين على هذا الدين وعلى كل الشعوب الإسلامية بجمودهم الفكري الانف الذكر هذا .
أنانية الفكر العروبي بعكس الشعوب الإسلامية الأخرى .
لقد انزل الله رسالات كثيرة على بني البشر ولا تكاد تخلو قومية من رسول أو نبي بعث فيهم , لكن لم نرى شعبا وخصوصا القوميين منهم قد استغلوا الدين مثلما استغل الدين الإسلامي من قبل القوميين العرب , وامتاز توجههم هذا بالكثير من الأنانية الفكرية مستغلين النظرة التقديسية لباقي الشعوب الإسلامية إليهم , ففي الوقت الحالي كثيرا ما نرى أن الشعوب الإسلامية من الصين ولحد البوسنة تتفاعل مع اقل حدث سياسي يحدث في العالم العربي .
ولا تكاد مناسبة تمر حتى نجد المظاهرات والمسيرات الاحتجاجية تعم العالم الإسلامي في كل قضية سياسية تعصف بالدول العربية , في المقابل لم نشهد ( إلا نادرا ) أي تفاعل للشارع العربي تجاه أي قضية تتعلق بالشعوب الإسلامية الغير عربية . والأمثلة كثيرة في هذا الصدد وآخرها مشكلة مسلمي ( ميانمار) مثلا والتي قوبلت بصمت مدقع من قبل الشارع العربي , في الوقت الذي يتفاعل الشارع الإسلامي الغير عربي وبشكل متحمس جدا مثلا إزاء الثورات العربية التي تحصل في الدول العربية حاليا , ناهيك عن موقف الشعوب الإسلامية الغير عربية تجاه القضية الفلسطينية ... تلك القضية التي شغلت الشعوب الإسلامية لعقود من الزمن في الوقت الذي حاولت الأحزاب القومية العربية تحويل الصراع في فلسطين من صراع إسلامي إسرائيلي إلى إسرائيلي عربي لم يستطيعوا من خلاله تقديم أي دعم حقيقي للشعب الفلسطيني .
من خلال النقاط سالفة الذكر والتي لا مجال هنا للتفصيل فيها أكثر و نقاط كثيرة أخرى نتوصل لنتيجة مفادها أن الفكر القومي وحتى الإسلامي المتطرف عند الشعب العربي كانت له آثار سلبية كثيرة على الحضارة الإسلامية قديما وحديثا الشيء الذي ينفي تماما الفكر المؤمن بان للعرب فضل على الشعوب المسلمة الأخرى وكل الذي حصل أن الشعب العربي أوصل الإسلام إلى الشعوب الإسلامية لتتلقفه هذه الشعوب مشعل الحضارة الإسلامية وتوصلها إلى الشعوب الأخرى وتصنع حضارة إسلامية ستبقى حضارة إنسانية للبشرية جمعاء.
انس محمود الشيخ مظهر
كردستان العراق – دهوك
Share |