يوم الهجرة النبوي وأبعاده السياسية والاجتماعية !!/عبدالامير الخرسان
Fri, 16 Nov 2012 الساعة : 15:55

بمناسبة عيد رأس السنة الهجرية أبارك العالم الاسلامي وكل المثقفين والأدباء والشعراء والعلماء الأعلام والمراجع العظام وبالأخص سيدنا صاحب الزمان الامام الحجة المنتظر ( أرواحنا فداه ) وأسأل الله أن يمن على الأمة الاسلامية بالوحدة والاتحاد والرحمة والخير والبركة انه قريب مجيب ..
ان يوم رأس السنة الهجرية هو يوم هجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مكة المكرمة الى المدينة المنورة بعد أن تعرّض هو والمسلمون الى أنواع الاضطهاد والأذى من رجال قريش وقالوا فيه الأقاويل التي تسخط الله ورسوله ولا تقترب من واقعه المثالي الواقع القدسي الرباني واقع الرحمة المطلقة والخلق العظيم والادب السامي والحياء الكبير والايمان الخالص بالله سبحانه والرسالة الاسلامية الخالده وتحقيق طموح الفرد والمجتمع وبناء الدولة المؤسّساتية الدستورية القائمة على العدل والمساواة والانسانية .. هذه الدولة الاسلامية العظمى التي لا يأتيها الباطل من بين يديها ولا من خلفها .. واكبت كل العصور في الزمان والمكان .. انها رسالة المبدع الحكيم والخالق العظيم .. انها الرسالة الانسانية الخالدة التي جاءت من العدل المطلق والفيض المطلق والنور المطلق فهي بحق رسالة كاملة شاملة وعادلة توافق فطرة الانسان وتتماشى مع طموحه وارتقائه وازدهاره ..
عندما بعث الله سبحانه رسوله الكريم بالرسالة الاسلامية اراد أن يعرضها للعالم كله بأمر الله تعالى .. لكنه اصطدم بواقع مرير وبيئة متحجرة ومتصلبة بواقعها الجاهلي الأثني والقبلي , اصطدم بتماسيح ذلك العصر الكبار أمثال أبو جهل وأبو سفيان وآل المعيط وأمية بن خلف والكثير من هؤلاء الجهلة والمتعصبين وأصحاب العقول المتحجرة فهي كالحجارة بل أشد قسوة .. لأن عقولهم كانت صماء بكماء عمياء .. فهم لا يعقلون .. وهذه شهادة القرآن الكريم والسنة النبوية الشريفة بحقهم . لقد آذوه كثيرا حتى قال (ص) "ما أوذي نبي بمثل ما أوذيت" .. كذلك عرّضوا أصحابه للتعذيب والقتل والابادة مثل عائلة ياسر وزوجته سمية وولدهم عمار بن ياسرالذي نجى منهم برحمة الله "رحمهم الله جميعا" حتى قال فيهم رسول الله ( صبرا آل ياسر فان موعدكم الجنة ) . لقد أمر رسول الله (ص) أصحابه بالهجرة الى الحبشة حيث الأمان والحرية وسعة المجال للعمل الرسالي كذلك ليحفظ رجال الاسلام وحماته والمدافعين عنه بأنفسهم المقدسة ومهجهم الشريفة .. وفعلا هاجروا الى الحبشة .. ولما آمن به أهل المدينة المنورة وضمنوا حماية المسلمين والرسالة السمحاء أمر أصحابه بالهجرة الى المدينة المنورة .. ثم التحق بهم رسول الله (صلى الله عليه وآله) بعد أن ضمن له الله سلامته وانتصاره وعودته منتصرا محرّرا كما قال تعالى ( ان الذي فرض عليك القرآن لرادّك الى معاد ) اي بعد هجرتك ستعود بالنصر المؤزّر والفتح المبين ..
لقد اعتبر المسلمون هذا اليوم هو بداية التاريخ الاسلامي الهجري الذي يعتمد على السنة القمرية .. وهو أول يوم من أيام محرم الحرام وسمي بمحرم الحرام مع ثلاثة أشهرهي رجب وذي القعدة وذي الحجة لأن الله حرّم فيها القتال.. لأنها أشهر موسم الحج ورجب موسم العمرة الشريفة فأراد الله أن يحج الناس الى بيته الحرام بأمان واطمئنان وحرية .. اضافة الى انها أشهر العبادة والطاعة والثقافة والعلم ومسئولية نشر العلوم الاسلامية ورفع راية الاسلام فوق الارض بالحكمة والموعظة الحسنة ..
في هذا اليوم الكريم هاجر رسول الله (صلى الله عليه وآله) من مدينته ومرابعه وسلوته وذكرياته .. هاجر وعيناه يملؤها الدمع هاجر وقلبه مثقل بالهموم والأحزان هاجر وروحه ناضرة الى بيت الله الحرام هاجر وعينه ترمق الأهل والأحبة والديار المقدسة التي نشأ فيها وعشقها .. وصدق الشاعر عندما قال : مررت على الديار ديار ليلى أقبّل ذا الجدار وذا الجدارا ما حب الديار شغفن قلبي ولكن حب من سكن الديارا .. ولكني أقول "حب الديار شغفن قلبي وحب من سكن الديارا" .. لأن الديار تذكرنا بماضينا وملاعبنا وأصحابنا وأحبتنا ودراستنا وأحزاننا وأفراحنا .. لكن الانسان الغيور يبذل نفسه وماله ويريق دمه في سبيل وطنه وشعبه يجاهد عنه الطغاة والمجرمين وكل أشكال الدكتاتورية والاستبداد ..
لقد دافع رسول الله (ص) عن الانسانية وتحرير البشرية من عوامل التسلّط والجبروت والظلم ليحقق العدل والسلام والحرية لأمته وشعبه , لكن مع الأسف لم يسمح له أهل مكة باتمام تبليغ الرساله الالهية المقدسة . فغادر مكة المكرمة مهاجرا الى الله ليعيد تنظيم المسلمين ونظام الحياة .. ويؤسس دولة اسلامية كبيرة يحكمها القانون الاسلامي ويقودها رسول الانسانية نبينا محمد (صلى الله عليه وآله) الذي اختاره الله لقيادة الأمة الاسلامية والعالم بأسره الذي بعث فيهم الأمل والطمأنينة والعدالة والمساواة , لم يفرّق بين أحد من المسلمين أبدا ولم يقرّب نسيبا مطلقا بل حرّم المحسوبية والمنسوبية في الحكم وحرّم الخلافة على أحد من بعده الاّ من اختاره الله لهذا المنصب الالهي المقدس وهم الأئمة الاثنى عشر (عليهم السلام ) .
ان الهجرة هي هجرة الظلم والاستبداد والدكتاتورية والفوضى والتسلط بغير الحق .
ان الهجرة هي هجرة العذاب والمعاناة وهجرة عبودية الانسان للانسان لتبقى العبودية خالصة لله وحده لا شريك له .
لقد كانت هجرة الرسول الأعظم (ص) الى الله والى الانسانية والعدالة والحرية وا لرحمة .. الى الاصلاح والخير والمعروف .. الى النظام والقانون والتعاون والمحبة والوحدة والتماسك .. الهجرة الى حيث الأمن والطمأنينة في ضل نظام الله الكامل وحكمه العادل ورحمته الواسعه .. الهجرة الى الاصلاح السياسي والنظام الاقتصادي والاجتماعي ليخرج الناس من ظلمات الجهل والجور الى نور العلم والمعرفة الى نور القانون الالهي المقدس والشريعة السماوية السمحاء التي جاءت نور مبين ورحمة للعالمين وسعادة للانسانية كلها .
لقد كانت هجرة رسول الله (صلى الله عليه وآله) تحدي كبير للكفر والكافرين والاطاحة بهم وبعقائدهم الفاسدة الضالّة وتغيير كبير نحو سلّم التكامل الاجتماعي والارتقاء العلمي والثقافي والوفرة الاقتصادية .. لقد استطاع رسول الله (ص) أن يؤسس منظومة علمية واسعة من خلال فتح المدارس التعليمية وابتدأها بتعلين أبناء المهاجرين والانصار القراءة والكتابة ثم تطورت الدراسة بشكل سريع لتأخذ شكلها الراقي بدراسة الفقه والعقيدة ودراسة علوم التربية والأخلاق ودراسة علوم الرياضيات والفيزياء والكيمياء حتى صارت الدولة الاسلامية هي أساس العلوم التكنولوجية والفسلجية والايديولوجية اضافة الى دراسة العلوم المختلفة وأشاد بهذا الكثير من المستشرقين الذين درسوا الاسلام حق دراسته ودخل الكثير منهم في الاسلام لثقافته وعلومه ومؤسساته العلمية والسياسية والاقتصادية والاجتماعية وأمانة قيادته في زمن رسول الله (ص) وأمير المؤمنين علي (ع) .
لقد أخذت الهجرة النبوية الأبعاد السياسية من حيث سياسة البشرية من خلال المؤسسات المنظمة القائمة على المبادئ والقيم الاخلاقية والمثل الانسانية .. والأبعاد الاقتصادية المبنية على المساواة والعمل والانتاج وتوزيع الثروات بالعدل والحق ليأخذ كل فرد ومواطن حقه من الميزانية العامة ويسمونها سابقا "بيت مال المسلمين" .. كذلك أخذت الأبعاد الاجتماعية الصحيحة القائمة على الوحدة والتعاون والتلاحم ووحدة العمل والكلمة والحرية في الرأي والتعبير والتملّك والسفر والدراسة والتعليم واقامة المناسبات الوطنية والدينية والتعبير عنها بالأسلوب الثقافي والعلمي والرسالي والانساني .
نحن مطالبين بالعودة الى المبادئ الاسلامية الرسالية .. المبادئ الانسانية الخلقية الكريمة .. مبادئ العدل والحق والمساواة بين الجميع في العطاء والرفاه والسعادة .. والحمدلله رب العالمين والصلاة والسلام على نبينا محمد وآله الطاهرين ..