غريبة الروح .. يا ابن داخل حسن!/منذر عبد الحر

Fri, 16 Nov 2012 الساعة : 0:02

 

سابدأ إشارتي الجديدة من رسالة طافحة بالشجن بعثها لي الكاتب والقاص المبدع الصديق عباس داخل حسن الذي يطل عليّ دائما بحرارة أحاسيسه التي تذيب ثلوج فنلندا وتزيح ستار الغربة بدفء الكلمات , يقول عباس في رسالته الأخيرة : "توأمي في الروح ....لدي رغبة مكبوتة في البكاء والصراخ نتيجة لسماعي اغاني حسين نعمة وقحطان ورزمة من اغاني العراق التي لاتشبهها اي اغان في العالم مهما تسفطط المتسفططون منذ الصباح الباكر عرجت على مقابلة لسميح القاسم هذا الدرزي العصي رغم كل الاخطاء فهو نسر فوق جبل شاهق وتوأم محمود درويش الخالد فيختلط في الروح الحابل بالنابل ويمتليء القلب بجنون الحنين لكل شيء ويسيل الاشتياق رعافا للناصرية والبصرة وبغداد والحلة والكاظمية والنجف وكل الاحبة ولانك متصل بي بهذا الافتراضي سارعت للكتابة اليك وتلاشت كل الطاقة المكبوتة لاستريح في ظل تام غريب ".هكذا إذن , هي غربة الروح التي جعلت ناظم حكمت يصرخ "لو وضعوا الشاعر في الجنة لصرخ آه ٍ وطني " وهي التي جعلتنا ندور في بقاع الأرض لنعود بحنين ٍ جارف إلى مراتع طفولاتنا ونسغ شبابنا ومضيّ خطواتنا في مسارب اللهفة والدهشة واحتشاد الأسئلة وانكسارات الحياة الشائكة .غربة الروح التي جعلت عباس داخل حسن يلوّح من بعيد منسابا ً مع أغنيات الشجن والوجع واللوعة , تلك الأغنيات التي لا تشبهها أغنيات , ولا يضاهيها تعبيرا في الحزن , إلا نشيج الأمهات على أبنائهن المتوارين في الحروب أو الأنهار أو التيه عشقا ً ..."مثل أم ولد غرقان وابره الشرايع ...كلمن وليفه وياه بس ولفي ضايع " ومعذرة هنا للغة , فالتعبير لا يأتي إلا بهذا الشكل وهذه الصورة التي جعلت شاعرا ً مجددا مثل بدر شاكر السياب يستعين بآلامه التي امتزجت مع وجع الغربة ليقول " خطيه....الموت أهون من خطيّه" فلا تعبير يعوّض أو يرصد دقة التعبير عن ما يعانيه الشاعر وهو يتوجّع , وكذلك الوجع المتماهي في أعلى صور التعبير التي تأتي غرائبية مفعمة بالأسى " البيه بيه ..في أغنية وين يا المحبوب لفؤاد سالم " أو ملحمة البنفسج التي قال فيها الشاعر الكبير مظفر النواب " يشنهي وأحبك" وهكذا عبارات لا تعني شيئا محددا ولكنها تعني كل شيء بتعبير صارخ بالبوح .ولذلك , نردد أغنياتنا التي نرتبط بها وترتبط بنا , ونحيي من خلالها كلّ العالم الذي تشظينا فيه بحثا ً عن عشبة جلجامش , التي تناسلت فينا , نحن أبناء الحنين والدمعة , شاءت الأقدار أن ننتزع أنفسنا من أحضان أمنا الكبيرة " أرض الوطن" لنطوف العالم متشبثين بكل ما يعبر عن ارتباطنا بالتراب والماء والسماء , إحاسيس ورؤى وتعابير مختلفة تجتاحنا في كل نأمة صمت أو نافذة تأمّل .
ونقول ...متى يعيدنا الوطن إلى أحضانه ؟
متى ننعم براحة فيه , ونحن المشغولون عنه بضجيج الحياة وحمى السعي في زحامها وصراعنا اليوميّ فيها ؟
متى نغني جميعا أغنيات الفرح واللقاء والاحتفاء ببعضنا البعض دون وجع أو أنين أو فقدان ؟
لا أظنّ , فعربات الأيّام تمضي , والألم يتضاعف , والغربة تأخذ منا كل ما نريد , حتى نحن الذين قدّر لنا أن نبقى على أرض الوطن ,. ترانا غرباء , وفق رؤية أبلغ العرب وباب مدينة علم الرسول الكريم "ص" وصاحب نهج البلاغة علي بن أبي طالب عليه السلام الذي قال "الفقر في الوطن غربة " ...ويا لقسوة غربتنا في الوطن يا صديقنا عباس ...ويا لوجع غربتك في المنفى .
 
جريدة الدستور العراقية- 2655
الشاعر منذر عبد الحر
Share |