المخابرات بين واقع الثقافة والانحراف -قاسم محمد الكفائي
Sun, 26 Jun 2011 الساعة : 11:08

في الحلقةِ الأولى من مقالنا – الدولة وقواعد الحماية والأنهيار-** المَحنا الى مرحلة نظام صدام ثم سقوطهِ ، والى مرحلةِ الأحتلال الأمريكي وصعودِ برايمر كحاكم على بغداد وما تمخَّضَ عن هذا الأحتلال الذي انهارت فيه الدولة العراقية بما لها من مؤسسات وقواعد ترتكز عليها . وقد أشرنا الى آليتين أساسيين ( المخابرات والدبابة ) تحرّكت بهما الولايات المتحدة على العراق من أجل الأطاحة بالنظام ، وانهيار الدولة ، وتثبيت قواعد الأرهاب الذي سعت من خلاله أمريكا الى تصفية الكثير من حساباتها ، وقد نجحت ببعضها .
أما في الحلقةِ الثانية فقد أشرنا الى العناصرالأساسية في صناعة الدولة ، ودورِ القانون في هذه الصناعة ، وألمَحنا سريعا كمقدمة عن دور جهاز المخابرات المساهم في توضيب وتنضيد عمل كل المؤسسات التي تعتبر المكون الرئيسي وما دونه للدولة .
!! نلفت انتباه القارىء أن المقصود من عبارة - جهاز المخابرات - هو الجهاز الامني الذي ينفرد بالكفاءة والمسؤولية عن غيره من الأجهزة الأمنية الأخرى في العراق الجديد ، حتى نبتعد عن المسميات . أيضا ، ما نكتبه هو تعبير عن ثقافة عامة تهتم بالواقع العراقي المُعاصر وقد ندخل فيما بعد عالمَه المتلاطم بالصراعات والأضداد وخفايا الموت !! .
المخابراتُ في قاموس اللغةِ تعني التخابُرَ وما يخرجُ عنها من معانٍ تفيدُ بالتواصل والتحاكي ، وفي القاموس ِ الوطني والمِهني تعني الحماية َ , والمتابعة َ ، والتشخيصَ ، والتقييمَ ، وتحقيقَ الهدف وصولا الى التكامل في قضايا الأمن على مستوى الأنسان والدولة . فكلمة ُ المُخابرات بمعناها المِهني منبوذة ٌ لدى الأنسان العراقي في عهدِ حكم صدام ، فهيَ عنوانٌ يوحي الى حالاتِ الأعتقال والتغييبِ والتعذيبِ الذي يؤدّي الى الموت . فالخوفُ في زمن الخوفِ صارَ ثقافة ُ المواطِن وهاجسُه بسببِ توظيفِ هذا الجهاز لهذهِ المُهمة من أجل ِ حمايةِ وتطمين الحاكم ِ الجائرِ على حسابِ راحةِ ، وعافيةِ الشعبِ المَقهور . لقد أشاع صدام حسين رئيسُ النظام آنذاك ثقافة َ الخوف داخل المجتمع العراقي وفقَ سلوكهِ ومعاييرهِ العدوانية من خلال عنجهية وجهل ووحشية كوادر جهاز مخابراته الذي لا يعرف للأنسان حقوق ولا يدرك قيمَته ولا يتعففُ برحمتهِ . لذا يصعبُ اليوم على جهاز المخابرات والحكومة العراقية ما بعد نهاية ذلك العهد تأمين حالة الثقة والتواصل ما بين المواطن والمخابرات على الوجه الصحيح ما لم تبحث الجهات المعنية عن أسهل وأنجع الخطوات التي تجعل من هذه الظاهرة – العزلة – حالة تعميم الثقافة السمحاء التي تضمن توصيف عمل جهاز المخابرات على أنه أداة تثبيت قواعد الدولة ، وحماية المواطن ، وتقييم سلوكه من خلال التزامهِ بالقانون . لقد تعرّف العراقيون والعرب والعالم عن قرب على الشخصية الحقيقية والثقافة التي كان يتحلى بهما كلّ من رئيسُ جهاز المخابرات العراقي السابق برزان التكريتي ومدير الأمن العام علي حسن المجيد من خلال وقوفهما متهمَين أمام قاضي محكمة الجنايات العليا لدى محاكمتهما ما بعد الأطاحة بهما . كانا بلطجيان ، تافهان ، غيرَ مُنضبطيَن ، لا يصلحان سوى قاطعَي طريق ، ولا أدري بأيّةِ حجةٍ مشروعةٍ أن نجد فيها مثل هذه الشخصية تتمتع بموقع صعبٍ لا تحُول فيه الرذيلة ولا الفضيلة ما بين غضبهِا وحصادِ أرواح الملايين من الناس بشيوخهم ونسائهم وشبابهم وأطفالهم !!
الصعوبة ُ إذن في تجاوز محنة ذلك الأرث القذر للانتقال الى فضاء ٍ رحِبٍ ، سهلٍ تتأسّسُ قواعده بموجب علاقة حميمية ما بين مؤسسةِ الأمن والمواطن بضوابط القانون والمصلحة العامة ، فتكون تلك العلاقة هي الواقع المشهود الذي فيه يجد المواطن موقعه لتلقي المعلومة ودفعها الى المؤسسة التي تهتم بصياغتها وتحليلها ومتابعتها والتحفظ على الوسائل الكفيلة بالوصول الى النتائج . فالثقافة التي يجب أن يتحلى بها جهاز الأمن أو المخابرات كمؤسسة ، ويتحلى بها المنتسب كعنصر أمن هي الوسيلة في إشاعت الطمأنينة وتعميقها في فكر ونفوس المجتمع العراقي . تعزيزا لهذه المهمة يتعين على المؤسسات المعنية تأسيس مكتب يختص برفد هذه الثقافة وتعميمها في المجتمع العراقي وله فروع في كل مدينة من مدن العراق ، حتى الصغيرة منها .
قد يتصور آخر أن تعميم حالة الثقافة تلك ، وتعميق أواصر العلاقة في المجتمع ، أو مع الأفراد ينجم عنهما حالة استرخاء وإنفلات ، وهو تصوُر يعبر عن حقيقة ذلك الأرث المغلوط ، لأن رجل الأمن الذي يتسلح بثقافة القانون ، والوطنية ، وحقوق الأنسان ، وحرية الفكر والممارسة على الوجه الديمقراطي السليم سيكون قادرا على توظيف هذا العمق الثقافي في خدمة وازدهار وسلامة الوطن والمجتمع وهو يغوص عالمَ السرية والأنضباط والأبداع ضمن حدود فهمه الأكاديمي المُقنَّن ، أو خارجه أحيانا ( ..... ) . فليس من بديل عن عنصر الثقافة بحدود المسؤولية والنزاهة عندما يكون حاجزا منيعا في كلِّ موقع أمام الأنحراف المهني ومظاهر الرشوة والأبتزاز والفساد والتسيُّب بدوافع المحسوبية .
إن الرسالة التي يحملها جهاز المخابرات ( الأمن ) بكل كوادره ، والمسؤولية التي يتحملها ليس من السهل على المؤسسات الأخرى في الدولة تحملها والغوص فيها . بهذا الفهم يتعين على الدولة أن تجعلَ رجل الأمن يعيش وضعا مستقرا في حياته وفق امتيازاتٍ مناسبةٍ وصحيحةٍ تبُعدُه عن الحاجة وضنك العيش . لنا وقفة أخرى قادمة نتعرف من خلالها على حقيقة رسالة هذه المؤسسة ومسؤوليتها والتي سنخرج فيها عن الطور التقليدي لعملها كمؤسسة أمنية لا تعرف غير لغة المتهم والجريمة . الى لقاء .
قاسم محمد الكفائي
كندا JUN 25-2011
**مقال ذات علاقة !!!
http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=5...
http://www.almothaqaf.com/index.php?option=com_content&view=article&id=5...