كل حال يزول (1)-زاحم جهاد مطر

Sun, 26 Jun 2011 الساعة : 10:14

ياسادة ياكرام... لكم مني تحيه وسلام...
يحدثنا الثقة الجليل, الصادق بن خليل, عن أحوال الولاية, بكل دقة ودراية... في العهد الغابر والماضي العابر... وعن ذلك الوالي وجبروته, وعن أسماءه ونعوته, وعن استبداده وطغيانه, وظلمه وعصيانه... ويقول هذا الراوي في كتابه الحاوي بأن الله تعالى خلق الإنسان وعلمه البيان، ووهبه شيئان مهمان، هما العقل والنسيان... فبالعقل يدبر الأمور ويبعد الشرور ، وبالنسيان ينسى مصائب الزمان وفقد الإباء والولدان، ولولا النسيان في الإنسان، لكانت هناك مناحة بلا فاصل أو استراحة، ولطم على الخدود, والصدور على مر الأزمان والدهور، في كل زمان ومكان، وفي كل بيت وإيوان، لكن النسيان أيها الإنسان، له وجه شرير وموقف حقير، ننسى فيها الفضائل والإحسان، والعبرة من عاديات الزمان، تجعلنا ياسادة ياكرام... نصدق الأوهام، كالعميان في البلدان، لانرى الدرس والعبر، ولا نقرأ التاريخ والسير، ولا نقرأ الأمثال ولا نسمع، ولا نتعظ من التجارب ونردع، فلو دامت لغيرك، ما وصلت إليك، فأين الملوك والزعماء، وأين الأمراء والوزراء، وأين الحرامية والسُراق، كل ينتظر دوره إلى المساق، وأين الذين أكلوا ولم يشبعوا، ولم يتغوطوا حتى لايجوعوا، تركوا كل شي للحوادث والورثة، وللنائمين للضحى حصة من التركة، يأكلون ما اورث في الولائم، ويرسلون إليه السباب والشتائم... ولنعد إلى حديثنا الحالي عن الولاية والوالي... هذا الوالي اهلك الحرث والنسل وأضاع الأصل والفصل, قتل وأجرم, حكم فظلم... وضع لنفسه الأسماء والألقاب... وأكثر من بناء القصور والقباب... شبه نفسه بالعظام... وربط أصله بالكرام... حرق الأخضر واليابس... وغزا الخليج وفارس... كان يتوهم بالانتصار... ولا يرعوي عند الانكسار... وما عاناه الناس من مختلف الأجناس... من قهر وإذلال وضياع للأنفس والأموال... وقطع للأعناق والأرزاق وقتل في الشوارع والأسواق... والتضحية بالالاف والعيش على الكفاف... شيء لا يصدق وعلم لايدقق... وانتشرت القبور واختفت معالم السرور... واختلط الحابل بالنابل... وتساوي العالم بالجاهل... وفر من فر وفي الغربة استقر... وهرب من هرب... في ارض الله تغرب... وضاع أصحاب العقول... واختفى من هم عدول... وانتشر لبس السواد في معظم ارض السواد... لكثرة الموتى والضحايا من كثرة الحروب والبلايا... وساد الهرج والمرج كما هو الحال في سوق الهرج... وصاحت الناس... قام الداس ياعباس والفأس وقع على الرأس... لكن النقد ممنوع لأن السيف مرفوع ...والقانون لدى الوالي اسم لم يبق منه سوى الرسم... ويأس الناس من الخلاص... وتلاشت معاني الحب والاخلاص... ومع مرور الأيام والشهور... شدد الوالي قبضته على الأمور... واتبع سياسة الترغيب والتهديد... والوعد والوعيد... وضرب الناس بالناس... وجعل من الحرامية حراس... وحتى يتخلص من معارضيه و يرعب مخالفيه قضى على الأعداء والخصوم... وقطع النخل والكروم... وجعل من قصر قديم... سجنا للرجال والحريم... ومنع هذا الوالي المتغطرس المتعال... كل شئ ضد تفكيره واخضع كل شيء لتفسيره... ونشر عيونه في البلدان... وجواسيسه في كل مكان... حتى صار الجار يخاف الجار... وأهل الدار يخشى من هم في الدار... ضرب الأقربين حتى يخشاه الأبعدون... وضرب الأبعدين حتى يخشاه الأقربون... تمهيدا لفرديته... وإعلانا لدكتاتوريته... ظن انه لن يزول... لكن كل حال يزول... والى قادم المقال تفصيل كل حال... ولكل مقام مقال... ولكل زمان دولة ورجال... وفي نهاية الكلام لكم مني أجمل السلام.

 

Share |