جعلونا نلعن الديمقراطية في العراق/سمير القريشي
Tue, 6 Nov 2012 الساعة : 23:37

قد يظن البعض أن روح الديمقراطية في أتاحت الحريات أمام الجماهير على أن تأتي باقي سمات الديمقراطية الأخرى في الدرجة الثانية بعد الحرية. لكن التجربة الطويلة والنواميس السماوية تدل على غير هذا الظن .بل حتى النظم الوضعية لم تقم على أساس الحرية ,لأنها أي الحرية تكمن في عدالة التوزيع فهي روح الحرية وعمودها الفقري, ومتى فقدت فان كل ألوان الحريات الأخرى تصبح هراء لا معنى لها ..
لقد نشأت الرأسمالية على أساس الملكية الخاصة لكل شيء وهي وأن منحت الإنسان الحريات العامة فان ذلك لا يعدو أن يكون ثمرة من ثمار الملكية الخاصة من اجل استمرارها واتساعها والسيطرة على مقدرات الشعوب وليس من اجل الحرية وحق العيش الكريم .. الرأسمالية خبئت عوامل انهيارها في داخلها فظاهرها جميل وباطنها قبيح وبشع ..بينما ذهبت الاشتراكية إلى النقيض من ذلك فمنعت كل ألوان الملكية الخاصة على أساس أن الاشتراكية وذوبان الروح الفردية وترسيخ الروح الجماعية السبيل الذي يضمن للإنسان سعادته في هذه الحياة.ولقد أصبحت من التاريخ لأنها اتجهت بعكس الفطرة الإنسانية .وإذا ما عرجنا إلى الإسلام وكيفية معالجته لمبدأ الحرية فأنه وان اختلف مع الأنظمة الوضعية في الطرح والمضمون .فالإسلام يؤكد على مضمونها الذاتي القائم على تحرر الإنسان من القيود التي تكبله عن الوصول إلى إنسانيته .لكنه وضع للعدل الاجتماعي كل التشريعات والضمانات التي تضمن عدالة التوزيع فلا ملكية خاصة بكل شيء ولا استئثار للدولة بكل شيء..
الإسلام يعتقد بان عدالة التوزيع السبيل الأساس لإشاعة الحرية الواقعية فضلا عن احترامه الكبير والعظيم للإنسان وحقه في حياة سعيدة لا تدنسها لوث الظلم والجور والتمييز ..وبعد
يطرح سؤال مهم بخصوص الديمقراطية في العراق ..
فهل تعني الديمقراطية في هذا البلد أتاحت الحريات فقط ؟؟
أم أنها تعني عدالة التوزيع ؟..
وعلى أي شيء تقوم الديمقراطية فيه ,هل هي مقتبسة من تجربة شخصية أو تنظير سماوي أو أنها من سنخ فريد لا جود له لا في الأرض ولا في السماء ؟؟
العراق بلد يمتلك ثروات وطنية هائلة ومن حق كل مواطن عراقي أن يحصل على حقه من هذه الثروات كما جاء في الدستور ..وإذا وجد ترجيح لمواطن على آخر فان هذا الترجيح نابع من مقدار ما يقدمه المواطن المرجح من عطاء لوطنه وشعبه يستحق عليه التمييز عن غيره الذي لا يقدم شيء على أن تكون درجة الترجيح بمستوى تقره الأنظمة والتشريعات المستنبطة من العقل والعدل أذا كان نظام التوزيع وضعيا أما أذا كان سماويا فالحكم في ذلك للشرائع السماوية .لكن توزيع الثروات في العراق اقتصر على طبقات معينة وكأنها هي وحدها في هذا البلد بينما لم يحصل الكثير الكثير من العراقيون على أدنى مستوى من الحقوق ..باستثناء الخدمات العامة من ماء صالح للشرب وكهرباء وبنى تحتية وخدمات صحية ومدارس حديثة ومفردات بطاقة تموينية عالية الجودة كثيرة المواد !!!! العراق يأتي في قمة هرم الفساد المالي والإداري لدول العالم وهذا يعني أن مقدار الظلم والجور كبير جدا ..لأن الفساد المالي لا يعني أكثر من سرقة المال العام ,ولا يعني أكثر من حرمان أبناء الشعب من حقوقهم التي تسرق عبر العصابات المنظمة داخل مؤسسات الدولة..
أن عدالة التوزيع هي روح الديمقراطية التي تلزم السلطات بتوزيعها على مشاريع تهم مصلحة الوطن والمواطن بصورة مباشرة على المدى الطويل أو المتوسط أو القصير..
ودعونا بعد ذلك نقيم وبصورة سريعة الديمقراطية في العراق بعد عام 2003لنرى إلى أي مدى نجحت أو أخفقت .وبغض النظر عن الإرهاب والفساد المالي والإداري والمحاصصة لأن كل هذه الأشياء وغيرها طارئة تزول بزوال المؤثرات ..المهم هو التشريعات التي صدرت عن مجلس النواب العراقي والذي انبثقت عنه الحكومات المتتابعة بعد التغير .فالتشريعات التي تنظم عدالة التوزيع لا دخل لها بالإرهاب والفساد والصراع السياسي ووو..وبمطالعة بسيطة جدا يتضح وبوضح مقزز كم أن الديمقراطية في العراق ظالمة ومستهترة بحقوق هذا الشعب ..سيتضح بأنها لا تعدو أن تكون تبديل في مواقع الاستغلال.. فكل ما في المعادلة التي قدمتها الولايات المتحدة بعد الاحتلال هي رحيل صدام إلى مزابل التاريخ يساوي الإتيان بغيره في ذات موقع الاستغلال . كل الذي اختلف هو العنوان والشكل وتقسيم الثروات على طبقة سياسية معينة بعد أن كانت بيد القائد الضرورة!!! ..بينما استمر كل شيء في العراق على حاله بعد سقوط الصنم ..الإرهاب والقتل وفقدان الأمان والفوضى والفساد والدمار والتخلف والضياع .. بعد 11 سنة من الديمقراطية ما زال الحرمان والدمار والتخلف والضياع والقتل الجماعي الصفات البارزة في الواقع العراقي وان اختلفت وسائلها المنفذة ..
نعم هناك حرية فكرية ودينية لكن النظام القائم يعتقد بأنه هو الذي منحها للشعب العراقي .والحقيقة انه لم يقدم شيء على الرغم من انه يأخذ ثمن باهظا لهذه الحريات التي منحها الله الخالق للإنسان ولم يمنحها أي النظام فكل الذي يفعله الظالمون هو المنع لا أنهم يمنحون الحرية ..
على كل حال عضو مجلس النواب العراقي مواطن يستحق كغيره من مواطني العراق حقوقا بزيادة مقدارها ما يقدمه من عطاء على فرض أن عطائه خير وبركة بغض النظر عن النواب الإرهابيون والمحرضون والمؤججون للفتنة. وعضو مجلس المحافظة أيضاء مواطن يستحق آجرا مقابل خدماته والقاضي مواطن والمهندس ووكلاء الوزارات والمدراء العامون وغيرهم يتقاضون عن واجباتهم حقوقا. لكن هل هذه الحقوق تتناسب مع ما يقدمون ؟؟ هل تتناسب هذه الحقوق مع وضع الموازنة العامة التي ترزخ تحت عبا ثقيل؟..هل تتناسب مع الوضع المعيشي للشعب ؟.. هل تتناسب مع إقرانهم في دول العالم المتحضر والمتخلف ؟هل المواطن البسيط حصل على حقوقه من الثروات الوطنية بمقدار يتناسب مع طبقة الموظفين الكبار آو أنها لطبقة معينة استأثرت بالسلطة والمال العام ؟..هل المشاريع التي تقدم تمس حياة المواطن أو أنها مشاريع تخبطية عشوائية فوضوية نفعية انتهازية لم يوظف فيها المال العام بمكانه الصحيح ..
الأصل في توزيع الثروات التساوي بين الجميع وبين كل مواطن والترجيح هو الاستثناء آلا أن الذي حصل في العراق على مدى تاريخه الطويل هو العكس لتأتي ديمقراطية أمريكيا في العقد الواحد والعشرون لتكرس هذا المفهوم البالي الظالم المستبد ..
وإذا أردنا أن نقيم التشريعات والقوانين التي نظمت منح الحقوق المادية للمواطنين فإننا سنجد أنها قوانين شاركت بصناعة طبقية اجتماعية واقتصادية مخيفة والإحصائيات المحلية والخارجية تؤكد على هذه الحقيقة فهي تظهر مستوى الفقر الذي منيت فيه طبقة من الشعب العراقي بينما اتخمت أخرى إلى حد كبير ..
لا أريد الحديث عن نتائج سوء التوزيع للثروات الوطنية والذي يعبر بوجه الآخر عن أقبح أنواع الظلم , كالفساد الاجتماعي الأخلاقي والسياسي.. لكني أقول كيف يقيم رعاة الديمقراطية الجديدة في العراق نجاح تجربتهم الرائدة وبماذا يفتخرون به على الغير من مجتمعات الشرق الأدنى والأوسط ؟؟ أذا كانت كل تشريعاتهم ظالمة وجائرة بمستوى حول العراق إلى طبقات بين الواحدة والأخرى هوة كبيرة.. ولو أن سياسيو العراق الديمقراطي كانوا ديمقراطيون كما يدعون فعليهم أن يتلفتوا إلى أحوال أوربا والولايات المتحدة في الأعوام الثلاثة الماضية والتي تهدد وبالمستقبل القريب انهيار الرأسمالية جراء احتكارها لطاقات شعوبها وثرواتهم واستئثار أصحاب رؤؤس المال بها.. أما أذا كانوا إسلاميون وكما يدعون أيضا فان الإسلام يلزم بعدالة التوزيع قبل أن يلزم بالحريات العامة والخاصة. لان روح العدل تكمن في عدالة التوزيع.. فأين انتم من عدالة الإسلام ؟؟ لقد كفرنا بديمقراطيتيكم القبيحة ..
سمير القريشي