اين نحن من ثقافة التظاهر/محمدواحد الساعدي
Tue, 6 Nov 2012 الساعة : 22:15

تعد التظاهرات واحدة من اهم مظاهر حرية التعبير في عالمنا المعاصر كفلتها الدساتير ووضعت لها مختلف الانظمة الديمقراطية آليات معلومة تبعدها عن الفوضى وممارسات خرق النظام العام والقانون.
ولطول العمر الديمقراطي في البلدان المتمدنة ترسخ لدى الشعوب تقاليد لهذه الممارسة واصبحت ثقافة عامة للناس المتظاهرين الذين يعرفون كيفية الحصول على اجازة من السلطات لتنظيم التظاهرات والاصغاء للمحتجين وايصال مطاليبهم للجهات ذات العلاقة وتوفير مستلزمات متعددة لضمان حرية التعبير بطريقة حضارية لاتسىء للاخرين ولا تعطل الحياة العامة ولا تؤخر الاعمال والواجبات ولاتعرقل حرية السير وتبتعد عن العنف او انتهاك حقوق الانسان، فالتظاهر يختلف عن الاعتصام او الاضراب العام وعن الاحتجاج او الانتفاضة والانقلاب وهنالك فوارق جوهرية ما بين اصلاح النظام او الانقلاب عليه فلكل ممارسة شروطها واصولها وتوقيتاتها ومبرراتها وحدود وقيود في المطالبة ببعض الحقوق التي يجب ان لا تتعارض مع القانون وان تمثل رأي الاغلبية وليست اقلية تريد ان تتزعم او تبتز الاخرين وتحصل لنفسها او الجهة التي تحرضها على مكاسب وامتيازات غير شرعية.
لم يكن العراق عبر تاريخه القديم والمعاصر بعيدا عن هذه الممارسة لكن الذي كان يميزها في القرون او العقود السابقة انها كانت تتسم بالعنف بسبب دكتاتورية الانظمة واعتمادها للقمع كوسيلة رادعة لتكميم افواه الناس، لاسيما ان الطرف الاخر يستخدمها وسيلة لاسقاط النظام، ويفترض اننا وبعد تسع سنوات من اسقاط النظام وخروج المئات من التظاهرات المحلية و العربية التي دشنت ربيع الغضب العربي فضلا عن الانفتاح الاعلامي والاتصالي الذي ينقل لنا كل يوم من الشرق والغرب اخبار التظاهرات في العالم ان نتعلم كيف نتظاهر وكيف نحدد شعاراتنا ونحدد مطالبنا التي لا تتقاطع مع القانون والانظمة التي تسير عليها الدولة.
وبالمقابل المطلوب من الاجهزة الامنية والحكومية ان تعرف هي الاخرى كيف تنظم التظاهرات وكيف تتعامل مع المتظاهرين واعتمادها الشفافية في ايصال مطالبهم مباشرة او من خلال عرضها عبر وسائل الاعلام الاخرى التي يجب ان تكون محايدة ومنصفة في وصف الاحداث لا تهولها او تأولها فتظاهر عشرة اشخاص يجب ان لايوصف بعشرات الالاف والعكس غير صحيح ايضا. فالجمهور يريد الحقيقة ليفسرها ويحكم عليها بنفسه.
اننا وبعد ان دخلنا في عصرنا الذي يستوجب تفعيل الدستور خاصة اطلاق حرية التعبير وتزايد المطالب الشعبية واللجوء لتظاهرات متكررة لابد لنا ان نفكر جديا باقامة هايد بارك عراقي ونقترحه في حدائق ابي نؤاس ونوفر فيه العديد من مستلزمات الخطابة وكل ما يسهل عمل وسائل الاعلام في التغطية الاخبارية فضلا عن الخدمات الاخرى لتكون هذه الساحة معلما ديمقراطيا في العاصمة بغداد وبقية المحافظات وبديلا عن ساحتي التحرير والفردوس رغم رمزيتهما الكبيرتين لكنهما لا تتسعان لحجم التظاهرات واستخدامها يعرقل الحياة العامة وسط العاصمة ويقطع ارزاق الاخرين ويتقاطع مع حريتهم في الحركة والتنقل، فهل ستدرس امانة بغداد او امانة مجلس الوزراء هذه الفكرة وترد علينا ام انها ستتجاهلها وتعدها ترفا ديمقراطيا لايستحق الاهتمام...؟