الاسلام والارهاب الدموي/عبدالمناف عبدالعظيم الوائلي
Fri, 2 Nov 2012 الساعة : 18:17

منّ الله سبحانه وتعالى - على البشرية بالاسلام العظيم وجعله رحمة للعالمين، لينقذ هذه الانسانية المعذبة وليخرجها من ظلمات الجهل الى نور المعرفة والهداية، وليقيلها من عثرتها ولينتشلها من وهاد التخلف والتيه والضياع, الى مدارج الرقي والسمو والرشاد، وليخلص العباد من عبادة العباد الى عبادة رب العباد، وليزيل الظلم وينشر العدل، وليصون الدماء، وليحفظ حرمة النفوس والاموال، ولينصر المظلوم وليأخذ على يد الظالم، وليوقف القتل وسفك الدماء، واستعباد الضعفاء، واكل حقوقهم، وليصون الاعراض، ولينشر الامن والامان والمحبة والاخاء، وليستأصل البغضاء والكراهية، ولتتعارف الشعوب والامم ولتتآخى ولتتعاون على البر والتقوى، ولتنأى عن الاثم والعدوان، ولتعيش البشرية في امن وامان وسلام واخاء ومودة.
وقد صان الاسلام الدماء وحرم قتل النفس بغير حق، ذلك ان الروح البشرية هي ملك لله عز وجل وحده، لا يحق لاحد ازهاقها حتى ولو كان صاحبها، حيث يقول سبحانه وتعالى: «من قتل نفسا بغير نفس او فساد في الارض فكأنما قتل الناس جميعا ومن احياها فكأنما احيا الناس جميعا ولذلك اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم: ان المنتحر قاتل نفسه خالد في النار، لان هذه الروح هي نفخة من روح الله سبحانه: «اذ قال ربك للملائكة اني خالق بشرا من طين فاذا سويته ونفخت فيه من روحي فقعوا له ساجدين، والقاتل خالد في النار وباء بغضب من الله ولعنه قال تقدست اسماؤه: ومن يقتل مؤمنا متعمدا فجزاؤه جهنم خالدا فيها وغضب الله عليه ولعنه واعد له عذابا عظيما»، فلا جريمة اعظم عند الله سبحانه وتعالى من قتل النفس بغير حق، ولذا فان الاسلام العظيم دعا الى صيانة حرمة الدماء، واعتبر هدم الكعبة، وهي اقدس المقدسات، اهون عند الله من قتل نفس مؤمنة بغير حق، واول ما يقضي به الله عزوجل يوم القيامة هو الدماء، وقد اعتبر الرسول صلى الله عليه وسلم ان زوال الدنيا اهون عند الله من قتل امرىء مسلم بغير حق.
لقد نهى الاسلام عن قتل النفس المحرمة: مؤمنة كانت او معاهدة، الا بالحق الذي يوجب قتلها، وقد بين الرسول صلى الله عليه وسلم - متى يكون قتل النفس بالحق في قوله عليه السلام: «لا يحل دم امرىء مسلم الا باحدى ثلاث: «الثيب الزاني والنفس بالنفس والتارك لدينه المفارق للجماعة» فالثلاثة الذين يقتلون بحق، كما ذكر الرسول عليه السلام هم الزاني المحصن والزانية المحصنة.
والقاتل العمد والمرتد عن دينه المفارق للجماعة، ولا ينفذ الحد الا الامام المسلم، اي الحاكم او من يقوم مقامه، ولا يحق لاحد ان ينصب نفسه قاضيا وحاكما ومنفذا للحد، كما ان الاسلام يمنح المرتد فرصة للتوبة والعودة الى حظيرة الاسلام، ولا يجب قتله اذ ان عاد عن ردته ونطق بالشهادتين، حيث قال عليه الصلاة والسلام، امرت ان اقاتل الناس حتى يقولوا لا اله الا الله فمن قال لا اله الا الله فقد عصم ماله ونفسه الا بحق وحسابهم على الله».
فمن اباح لهؤلاء الذين يزعمون انهم جهاديون ان يسفكوا دماء الابرياء من مسلمين وغير مسلمين، ومن اطلعهم علي قلوب الناس حتي يعلموا انهم كفرة يجب قتلهم، الم يوبخ الرسول عليه السلام خالد بن الوليد لانه قتل رجلا بعد نطقه بالشهادتين، حيث برر خالد قتله بأنه قالها- اي الشهادتين - خوفا فأجابه الرسول غاضبا: هل شققت عن قلبه؟ ثم من الذي يملك تكفير المسلمين واستحلال دمائهم، كما يفعل هؤلاء الذين يدعون انهمم جهاديون، وهؤلاء لا يكفرون فردا واحدا او افرادا بل جماعات تضم ملايين المسلمين، فهم يكفرون الشيعة، ويزعمون انهم مجوس وانهم صفويون وانهم فرس، الم يكن سلمان الذي قال فيه الرسول عليه السلام، سلمان منا اهل البيت، فارسيا، كما انهم يكفرون الطائفة العلوية جميعها ويبيحون دمائها منا كما اباحوا دماء الشيعة.
ان ما يقوم هؤلاء من قتل للمسلمين بالعشرات وبالمئات احيانا هو ارهاب وانتهاك لحرمة الدماء وعصمتها، والمؤسف ان هناك من يزعمون انهم رجال دين، يصدرون الفتوى اثر الاخرى، يبيحون فيها قتل المسلمين من شيعة وعلويين وغيرهم، بل وحتى من السنة بادعاء انهم يؤيدون النظام السوري، بل ان بعض الفضائيات تستضيف من يدعون انهم رجال دين فيثيرون الفتن بين طوائف المسلمين المخلتفة، بين السنة والشيعة، وبين السنة والعلويين، بل وبين السنة بعضهم بعضا، بل ويكفرون علماء دين يعارضونهم في ارائهم وفي اثارتهم للفتن بين ابناء الامة الاسلامية الواحدة، وقد قال عليه السلام: ان اخوف ما اخاف علي امتي الائمة المضلون».
ان الجهاد الحق انما يكون في سبيل الله، اي في الدفاع عن الاسلام والمسلمين، وفي رد الاعتداء عن بيضة المسلمين وحوزتهم، وهذا مفهوم قوله سبحانه وتعالى: «وجاهد في الله حق جهاده، فالجهاد الحق ليس في قتل المسلمين وسفك دمائهم وارهابهم وترويعهم وانتهاك حرماتهم والاعتداء على اموالهم وممتلكاتهم واعراضهم، كما يفعل هؤلاء الذين يزعمون انهم جهاديون، الذين يروعون الآمنين ويقتلون الابرياء ويدمرون المرافق العامة من شبكات للمياه والكهرباء والجسور والطرق والمدارس والمعاهد والجامعات ومصافي النفط وخطوط السكك الحديدية وشبكات توزيع الغاز المسال، بل حتى دور العبادة من مساجد وكنائس لم تسلم من اعتداءاتهم، مع انه لا يملك حق اعلان الجهاد الا الحاكم المسلم!!.
هل تفجير المساجد وهي مزدحمة بالمصلين في يوم الجمعة، سواء كانت تلك المساجد للسنة او للشيعة، وهل قتل عشرات المصلين داخل المساجد او اثناء خروجهم من تلك المساجد هو جهاد في سبيل الله؟ وهل تفجير حافلات مزدحمة بالركاب من رجال ونساء وشيوخ واطفال في افغانستان وباكستان والصومال هو جهاد، ام هو قتل وارهاب وترويع، وكذلك هل تفجير الكنائس والاعتداء على المسيحيين من ابناء الوطن جهاد؟ وهل طرد المسيحيين من دورهم ومنازلهم واراضيهم وتهجيرهم او قتلهم هو من الجهاد الذي شرعه الاسلام، ألم يقل الرسول عليه السلام في الحديث الذي رواه ابو داود والنسائي عن ابي بكرة، «من قتل معاهداً في غير كنهه حرم الله عليه الجنة»، وجاء في رواية اخرى لأبي داود قال عليه السلام:- «من قتل رجلاً من اهل الذمة لم يجد ريح الجنة، وان ريحها ليوجد من مسيرة سبعين عاماً».
واذا كان الاسلام حرم الاعتداء على المعاهدين، فلماذا يقوم هؤلاء الذين يدعون انهم جهاديون بقتل المسيحيين في العراق وفي سوريا وتدمير كنائسهم ومنازلهم وتهجيرهم من وطنهم! ولماذا يقومون في بتهديد الاقباط في مصر ويهجرون بعضهم من مدينة الى مدينه اخرى؟ بادعاء انهم يقيمون امارة اسلامية!!
ان من يقتل الابرياء من شيوخ ونسوة واطفال في تفجيرات انتحارية ليس جهادياً بل هو قاتل وسافك للدماء ومعتد على الاعراض والحرمات، وهو بعمله هذا مشوه للاسلام الحنيف؟ لأن الاسلام دين رحمة ورأفة، لا دين قتل وعنف وترويع وارهاب وتدمير للممتلكات الخاصة والعامة، فرسولنا الاكرم هو الرحمة المهداة للاانسانية جمعاء، «وما ارسلناك الا رحمة للعالمين» والله سبحانه كتب على نفسه الرحمة، ورحمته وسعت كل شيء، واذا كانت امرأة دخلت النار في هرة حبستها وقتلتها ولم تتركها لتأكل من خشاش الارض، كما اخبر الصادق المصدوق عليه السلام فكيف بمن يزهق ارواحاً بشرية بريئة بالعشرات وبالمئات في الصومال وسوريا والعراق وافغانستان واليمن؟.
- ان الرسول عليه السلام كان ارأف وأرحم بالانسان، من رأفة المرضع برضيعها، بل انه عليه السلام حين عاداه قومه وألحقوا به كل صنوف الأذى وكل الوان الاعتداء، جاءه جبريل عليه السلام قائلاً له: «يا محمد، ان شئت جمعت عليهم الاخشبين - جبلي مكة المكرمة - فقال النبي: «دعني انذر قومي - صلى الله عليه وسلم، وجزاه خير الجزاء عن رفقه بأمته ورحمته بها واشفاقه عليها ونصحه لها، بل انه ايضاً كاد يهلك نفسه اسفاً وحزناً وألماً، لأن قومه لم يؤمنوا ولم يدخلوا حظيرة الاسلام، فيجنوا سعادة الدارين، حيث قال له ربه سبحانه وتعالى: - «فلعلك باخع نفسك على آثارهم ان لم يؤمنوا بهذا الحديث اسفاً».
ان هؤلاء الذين يزعمون انهم جهاديون، ويقتلون الابرياء من مسلمين، وغيرهم ويدعون انهم يريدون من وراء ذلك الجنة وحورها العين، انما هم في الواقع ضالون، ضلوا عن سواء السبيل، وسلكوا طريق الغواية، جراء خلل في تفكيرهم، لقد جروا وراء سراب الفتاوى الضالة المضلة، التي تزين لهم سوء اعمالهم، فالله سبحانه وتعالى امر رسوله الاكرم صلى الله عليه وسلم ان يخفض جناحه للمؤمنين لا ان يقتلهم ويردعهم ويسفك دماءهم، حيث قال سبحانه: «واخفض جناحك لمن اتبعك من المؤمنين»، كما انه عز وجل قال في حق رسوله الاكرم: لقد جاءكم رسول من انفسكم عزيز عليه ما عنتم حريص عليكم بالمؤمنين رؤوف رحيم»، فالرسول الاكرم يعز عليه شقاء المسلمين وعذابهم وهو حريص عليهم، وهو بهم رؤوف رحيم.
ان الاسلام بريء من هؤلاء القتلة براءة الذئب من دم يوسف عليه السلام، انهم خوارج العصر الحديث، وهم على دربهم يسيرون، وفي غبارهم يمشون، وهم لا يفقهون من الاسلام شيئآً، ولا يعرفون للجهاد مفهوماً ولا هدفاً، ولو كان سلفنا الصالح، الذين يزعمون انهم يسيرون على خطاهم، وينهجون نهجهم ويقتفون اثرهم، مثلهم لما انتشر الاسلام ولما فشا وشاع بين امم الارض وشعوبها، ولما دخل الناس في دين الله افواجاً، انهم بعيدون عن الاسلام بعد الثرى عن الثريا.
ان ما يحدث اليوم بين المسلمين من فتن، وشرور وآثام عائد الى بعدهم عن دينهم الحنيف، وعن اتخاذهم القرآن الكريم مهجوراً، وعن اعراضهم عن ذكر الله، ولذلك ضنكت معيشتهم، وفشا الفساد والقتل والبغضاء بينهم، وأين هم من القرون الاسلامية الثلاثة الاولى، التي كانت فيها هذه الامة، في غاية الاستقامة والقيام بطاعة الله تعالى، فكانت الفتوحات الاسلامية الكثيرة، ثم وقعت الفتن والاهواء، وضل كثير من المسلمين سواء السبيل، ولا حول ولا قوة الا بالله العلي العظيم.