تأثير القنوات الفضائية في سلوك الطفل/حيدر محسن الشويلي
Tue, 30 Oct 2012 الساعة : 23:47

لا يزال اثر المشاهد العنيفة في التلفزيون على السلوك العدواني للطفل مثار جدل على الرغم من توافر دراسات كثيرة تؤيد هذا الرأي. إذ توصل بعض الدارسين إلى أن نسبة العنف على شاشات التلفزيون الأمريكية هي 80 % من كل البرامج المعروضة. وبسبب استخدام المسدسات في الدراما الأمريكية فقد ذكرت وزارة العدل الأمريكية أن 59 % من جرائم الأطفال والشباب استخدم فيها المسدس كأداة جرمية وذلك سنة 1976.
وفي الواقع يمكن معالجة الأمر من زاويتين (الأثر والتأثير): الأولى هي الانطباع والثانية هي الاستجابة. وهي تعتمد بدرجة كبيرة على نوعية الطفل من جهة ودرجة تربيته من جهة ثانية.
فمن الناحية الأولى (أي الأثر): عند مشاهدة الطفل لمشاهد عنيفة في التلفزيون تكون مثيرة له فإنها تطبع في ذهنه ونفسه وذلك أولا لوجود الصراع في الحياة، وثانيا في إمكانية سحق الآخر (الطفل الآخر) والرد عليه بقسوة.
فمن الطبيعي أن هذه المشاهد توضح للطفل والمتلقي بصورة عامة إن طابع الحياة هو طابع صراع يتمثل بين طرفين هما الخير والشر. وهناك بالتأكيد غالب ومغلوب. ومهما كان البطل في المشهد ضعيفاً فان الطفل سينحاز إليه وفي الوقت نفسه يأخذ شيئاً من لبوس الطرف المعتدي على البطل في حالة قوته.
ادوار البطولة هذه واستمرارية وجود الغلبة وحالة الصراع الدائمة ربما لا يتمثلها الطفل شعورياً، لكنها قد تنساب لا شعوريا وتترسب في العقل الباطن وتبقى بشكل اثر أو انطباع سطحي يتمظهر احياناً في شكل بريء كالإعجاب بالبطل، أو التغني باسمه.
ولكن الشيء المهم في الأمر هو إمكانية الطفل لتمثل دور البطل وتقليده في مواقف اللعب والشجار مع الأطفال. فمن منا لم يشاهد طفلا يحمل لوحاً خشبياً يرمز إلى السيف أو قوساً لرمي السهام أو مسدساً بلاستيكياً... يحارب به أعداءه الذين يتخيلهم في حالة بطولية طفولية. والشيء الأهم من ذلك أن هذه التمثلات قد تتحول إلى أذى فعلي بقصد أو غير قصد على الأطفال.
هذا التأثير للمشاهد التلفزيونية قد يمتد سعة في حال تكرار المشاهد نفسها على مددٍ متناوبة. عندئذ تترسخ في ذهنية الطفل صورة لا تمحى بسهولة من أدوات الاعتداء ونتائجه ربما تؤثر على سلوكياته في المستقبل.
ولكن كيف ولماذا تؤثر مشاهد التلفزيون في السلوك العدواني للطفل؟
إن الطفل من اشهر المقلدين وخاصة للمواقف والمشاهد غير المألوفة والمثيرة. إذ إنها تضع في حياته اليومية شيئاً جديداً يرغب به أو يجد فيه المتعة. فالسكونية وعدم التجدد تؤديان بالطفل إلى الضجر والكسل. لذا فان الطفل دائم الصياح والتذمر عند انعدام المثير في حياته. ومن هنا فإنه يبتدع أي موقف أو حركة في سبيل اللهو وتجديد الأحداث.
ولا يقتصر الأمر على المشاهد التلفزيونية بل يتعداه إلى مشاهد المباريات الرياضية ككرة القدم والألعاب العنيفة كالملاكمة والكاراتيه والمصارعة. فقد عرفت اطفالا تمثلوا في ذواتهم ومن ثم في لعبهم شخصيات رياضية عالمية. وحالما يبدأ اللعب يرغب الطفل مقدماً في الفوز بناء على شهرة تلك الشخصية التي اشتهرت بانتصاراتها في المباريات. وخسارة الطفل تعني انتكاساً لتلك الشخصية بالشكل الذي لا يقبله لذاته.
نظير ذلك الطفل الذي أحب اللاعب الارجنتيني (ميسي) فقد لاحظته يعلق صوره في البيت ويشتري القميص الازرق والاحمر (برشلونة) ويردد اسمه دائماً. وفي اللعب يزاحم بقية الأطفال على الكرة ويستحوذ عليها دونهم كونه الأقوى والأكبر.
إن الاعتياد على (التعملق) يؤدي بالطفل إلى أن يكون عدائياً ومستأسداً ويرفضه أو يخاف منه الصغار ويتهيبون كثيراً من الاقتراب منه أو مداعبته والتحرش به أو ملامسة حاجاته. مثل هذا الطفل لم يصل بسهولة إلى هذا المطاف. فقد يكون الأب مثلا ذو هيبة داخل أسرته ومحلته ويتحسب منه الآخرون ويتوقعون منه الأذى في مواقف لا تسره. والولد على سر أبيه كما يقال. فمن المحتمل جدا أن هيبة الأب وصرامته تجاه الآخرين قد نقلت إلى الابن عبر وسائل التربية داخل الأسرة والتنشئة الاجتماعية في القرية والمحلة السكنية. لذا يعتاد الطفل على نقل هذه القيمة من الأسرة إلى أقرانه فيكون متسلطا واستبداديا.