الق العلم/الدكتوره منى جابر
Thu, 25 Oct 2012 الساعة : 0:11

الى السيد مهند مصطفى جمال الدين بمناسبة تألقه بتميز باذخ في حصوله على تقدير امتياز عن شهادة الدكتوراه التي نالها باستحقاق
بسم الله الرحمن الرحيم
نقل في المأثور : ((من أراد الدنيا فعليه بالعلم ، ومن أراد الاخرة فعليه بالعلم ، ومن ارادهما فعليه بالعلم )) ونقل كذلك : ((اكتسبوا العلم يكسبكم الحياة )) .
إن نجاح التجارب البحثية والابداعية مرتبط بقدرات مبدعيها وكيفيات تجلياتها وتمظهراتها في البنية المعرفية الانسانية ولا ترتبط بآلية الانتشار التي قد تكون على المستوى الظاهري فحسب من دون امتلاك آليات البحث العلمي وطرائقه وهو ما طبع اغلب الدراسات الاكاديمية لاسيما بعد سيادة مفاهيم الاستسهال المعرفي والتقليد الاجوف لمناهج قسرية بعيدة عن الرؤية المنبثقة من واقع التأمل والتدبر حتى اضحى التراكم المعرفي سمة للنتاجات الاكاديمية.
غير ان سماء الابداع البحثي تنث علينا بين حين وآخر بغيث هطل تعشوشب به بقاع عقولنا وافكارنا حين تعتمد الدراسات الاسس العلمية والوعي النظري والتطبيقي ، وهو ما جادت به اطروحة للدكتوراه في كلية الفقه / جامعة الكوفة للسيد مهند مصطفى جمال الدين حين استطاع ان يتلبس النتاج العلمي والمقدرة البحثية كما تلبس الابداع الادبي ، ويقدم لنا دراسة فاعلة ومؤثرة بأسسها المنهجية المحددة التي تجعل من منجزه البحثي نظاما في التفكير والاستنباط والاستدلال .
كما انني وجدت فيها مصداقا لمقولة (الغذامي) حين اشار الى ان الموضوع المبحوث لا يحدد هوية الكاتب وخطابه بل ان الموضوع يكون خاضعا لزوايا نظر الباحث ، إذ أرى أن المقدرة البحثية للسيد انتجت مشروعا قرائيا أفاد من مادة اتسعت لها مساحات البحث الاصولي ، لكنه اسس لفضاءات قرائية من خلال المزاوجة الفاعلة بين الدرس الاكاديمي والدرس الديني ( الحوزوي ) مبتعدا عن الافتراق الذي اتسق في بنيتيهما ، بمعنى ان الدرس الحوزوي يتهم الاكاديمي بافتقاده للمعلومة العلمية الرصينة ، قبالة اتهام الاكاديمي له بافتقاده لمحددات منهجية تضبط البعد المعرفي وتؤطر مدياته ، فحمل مشروع السيد البحثي مسؤولية الجمع بينهما تحت مظلة الفهم الواعي غير الخاطئ لتتكامل زوايا النظر المتعددة والمتنوعة تبعا لمسارب التفكير والبحث.
واظهر الفاعلية والجدوى من البحث العلمي حين قدم عرضا موسعا لموضوعات اطروحته فاستوفى البحث في اركان الدلالة والوضع والاستعمال شارحا بتفصيل عالم قادر على صياغة مفهوماته .
وحين توقف بصورة خاصة عند المعنى والمعنى الظاهر والمراد الجدي لم يتعكز بحثه او يرتبط آليا بالرؤى المسبقة والمناهج القسرية ـ كما فعل كثير من الدارسين ـ بل انه كلما سار في بحثه يعمق افكاره وتحليلاته وتزداد افكاره وتصوراته ثراء وغنى ، لا سيما وانه يحرث في ارض مزروعة قبله لتكمن صعوبة الاضافة المعرفية ، لكن المتأمل بعمق فكري والمتبني نظرة للمعرفة بكونها سلسلة مترابطة يحكمها تتابع بنيوي واحد يتلمس بوضوح تميز اضافاته ورؤاه والتي استطاعت ان تضيء جوانب معتمة في البحث وتشذب ما علق في البحوث السابقة من التشابك والتعقيد .
واكتمل التوهج العلمي بتأكيده على اهمية الوعي الناقد الذي يمتلكه بامتياز حين حاور وناقش ودافع عن آرائه في المناقشة العلنية لأطروحته ، مما اضاف بعدا اخر لتمظهرات التميز ولتلغي التراتبية التي اضحت سمة مميزة للبحث العلمي فكان بحق قامة سامقة تساوق من يحاورها ويناقشها ، إذ ظل يقظا الى النهاية في رد محاولات التنميط للأسئلة ولينتزع وباستحقاق شرعية التميز في البحث والمناقشة .
ولعلنا ونحن نعيش وهم الوجود الفاعل في البنية المعرفية والعلمية الانسانية لابد لنا من التواصل الفاعل والقراءة الواعية مع النتاجات الابداعية الحقيقية لتنغرس في وعينا وعقلنا ولتسهم في ايقاد جذوة التأثير في الاخر لا البقاء منفعلين ومتأثرين ومستهلكين للمعرفة المنتجة في بقاع غيرنا ، وأحسب ان الذهن المنفتح والواعي سيجد طريقه للبحث عن الاطروحة ومبدعها ـ وهو ليس بالبعيد ـ لتتكامل عنده صورة التميز وتتفتح افاق التداول العلمي والمعرفي والحضاري