سلوني قبل أن تفقدوني!/غفار عفراوي
Wed, 24 Oct 2012 الساعة : 1:39

هذه الجملة الشهيرة التي لم يذكرها شخص إلا وافتضح أمام الناس مهما بلغ من علم ورفعة ومنزلة وفكر، فقد اختصت بأمير المؤمنين علي بن أبي طالب عليه السلام، سيد الحكمة، ومنبع الفكر، وشلال العلم.
وقد روي أن أمير المؤمنين كان يردد هذه الكلمة حين كان يخطب في مسجد الكوفة ويقول: سلوني قبل أن تفقدوني، فانا لا أسأل عن شيء دون العرش إلا أجبت فيه، لا يقولها بعدي إلا مدّع أو كذاب مفتر.
فقام إليه رجل من جنب مجلسه، وفي عنقه كتاب كالمصحف، كأنه من يهود العرب، فقال رافعاً صوته لعي عليه السلام: يا أيها المدعي لما لا يعلم والمتقدم لما لا يفهم أنا سائلك فاجب.
هنا وثب إليه أصحاب الإمام عليه السلام من كل ناحية وهمّوا به، فنهرهم علي عليه السلام وقال: "دعوه ولا تعجلوه، فان العجل والطيش لا يقوم به حجج الله، ولا باعجال السائل تظهر براهين الله تعالى".
ثم التفت إلى السائل فقال: " سل بكل لسانك ومبلغ علمك اجب كان شاء الله تعالى بعلم لا تختلج فيه الشكوك، ولا تهيجه دنس ريب الزيغ، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم".
ثم قال الرجل: كم بين المشرق والمغرب؟
قال علي عليه السلام: "مسافة الهواء"
قال الرجل: وما مسافة الهواء؟
قال علي عليه السلام: "دوران الفلك"، قال الرجل: وما دوران الفلك؟
قال عليه السلام: " مسير يوم للشمس"، قال: صدقت فمتى القيامة؟
قال عليه السلام:" عند حضور المنية وبلوغ الأجل".
قال الرجل:"صدقت فكم عمر الدنيا؟
قال عليه السلام: "يقال:سبعة آلاف ثم لا تحديد".
قال الرجل: "صدقت فأين بكة من مكة؟
قال علي عليه السلام: "مكة أكناف الحرم، وبكة موضع البيت"
قال الرجل: صدقت فلم سميت مكة؟
قال عليه السلام: "لان الله تعالى ملك الأرض من تحتها"، قال: فلم سميت بكة؟
قال علي عليه السلام: "لأنها بكت رقاب الجبارين وأعناق المذنبين".
قال: صدقت، فأين كان الله قبل أن يخلق عرشه؟
فقال عليه السلام: "سبحان من لا تدرك كنه صفته حملة العرش على قرب ربواتهم من كرسي كرامته، ولا الملائكة المقربون من أنوار سبحات جلاله، ويحك لا يقال: الله أين، ولا فيم، ولا أي، ولا كيف".
قال الرجل: صدقت، فما مقدار ما لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الأرض السّماء؟
قال علي عليه السلام: " أتحسن أن تحسب؟".
قال الرجل: نعم
قال للرجل: " لعلك لا تحسن أن تحسب؟".
قال الرجل بلا إني أحسن ان احسب.
قال علي عليه السلام: " أرأيت إن صبّ خردلٌ في الأرض حتى يسد الهواء وما بين الأرض والسماء ثم إذن لك على ضعفك أن تنقله حبة حبة من مقدار المشرق إلى المغرب ومدّ في عمرك وأعطيت القوة على ذلك حتى نقلته وأحصيته لكان ذلك أيسر من إحصاء عدد أعوام ما لبث عرشه على الماء من قبل أن يخلق الله الأرض السمّاء، وإنما وصفت لك عشر عشر العشير من جزء من مائة ألف جزء، واستغفر الله عن التقليل والتحديد".
فحرك الرجل رأسه وانشأ يقول:
أنت أهل العلم يا هادي الهدى
******************