المصالحة واجهة لا يقتنع بها الجميع/المحامي يوسف علي خان

Tue, 16 Oct 2012 الساعة : 0:04

 

طرحت الحكومة الحالية ضمن ماطرحته من برامج وأهداف أعلنتها للشعب العراقي هو شعار المصالحة وشكلت اللجان والهيئات المختلفة للعمل على تحقيق هذا الهدف الذي إعتبرته الباب الواسع والفسيح لنشر الأمن وفرض الاستقرار وقد إختلفت الأطراف الوطنية والأجنبية في تفسير مفهوم المصالحة حيث لم يتفقوا على وضع تفسير أو تعريف موحد له كما وقد أ ُثيرت الكثير من الشكوك حول صدق هذا الطرح وحقيقة مغزاه.فأيده البعض وإنتقدهُ آخرون وقد يكون سبب هذا الإنتقاد والإعتراض بما فهموه عنه أو ماأولوه من معنى لهذا المصطلح أو لهذا الشعار المبهم والفضفاض والغير محدد .والمصالحة كما أفهمها هي طرح يقدمُ لطرفين متخاصمين من أجل إنهاء الخصومة فيما بينهما وقد يقدم من قبل هذين الطرفين أو من قبل طرف ثالث محايد وكوسيط وكما يقول المثل (واسطة خير ) لفض هذا النزاع القائم بين هذه الأطراف . والمصالحة ُ مصطلح قد يمارس حتى على نطاق ضيق وضمن العائلة الواحدة وقد يتوسع ويمتد ليشمل الدول ولكل حالة وضعها الخاص وكيفية التعامل معها ولكن وقبل الخوض في مضمون المصالحة يجب أن أ ُنوه بأن المصالحة من العسير جدا ً إن لم يكن من المستحيل أن تستمر وتعيش الى الابد حتى لو تمت بين أطراف متنازعة وتم الصلح بينها وانتهت تلك الخصومة واختفت جميع آثارها فسوف يستجد النزاع من جديد وبعد شأو من الزمن حتى لوتمت فيها المصالحة وإستمرت خاصة إذا كان فيها (كسر عظم) كما يقال. فانه وبالتأكيد سيبقى كل طرف يحمل في طيات دخيلته الضغائن والأحقاد على الطرف الآخر مع إنتهاء الخصومة وإجراء التصالح الشامل فتجدهُ يحاول تجميع شتاته وإعادة تنظيم نفسه وتجهيز جماعته بما يتيسر له تهيئا ً لجولة قادمة لذا فهي قد لاتستمر لأكثر من سنوات أو أشهر وربما لأيام حتى يعود الصراع من جديد. فلو إستطلعنا الجانب الدولي مثلا ً ورجعنا قليلا ً الى الوراء فقد نجد أن المانيا التي إنهزمت في الحرب العالمية الأولى تجهز نفسها لجولة جديدة وتعلنها حربا ً مرة أخرى بزعامة هتلر ضد إنكلترا وحلفائها في الحرب العالمية الثانية وكذلك نابليون بونابارت عندما إنهزم على يد بريطانيا والمانيا وتم نفيه خارج فرنسا إستطاع العودة مرة أخرى ليشن الحرب من جديد ومع أنه خسر الجولة الأولى فقد عاد ليجرب حظه في جولة ثانيه هناك أمثلة عديدة حدثت في بلادنا لاتسمح لنا الظروف بسردها تدل بما لايقبل الشك على أن من يقبل المصالحة أو المهادنة لسبب أو لآخر سوف لن يرتضيها طويلا ً بل سيجعل من فترة المهادنة أوالمصالحة أو حتى الإستسلام فترة تحضير وتجهيز لجولات أخرى.فالحقد البشري متأصل في نفسية كل إنسان لابل وحتى الحيوان لاينسى أو يغفر لمن يؤذيه. فان رضخ لفترة من الزمن فسوف يتحين الفرص للإنتقام فهذه طبيعة متأصلة في الكائنات الحية يستحيل إجتثاثها وغير قابلة للإندثار مهما تغيرت الظروف وطال عليها الزمن فالحقد باقي في النفوس. والخصومات تنشأ بين البشر على مختلف الصعد والمستويات فهي إرثٌ تاريخي متشعب الأشكال والأنواع فبقدر تعدد الأصول والجذور والمعتقدات والإنتماءات تتنوع الخصومات فقد يكون الدافع قومي أو عقائدي أو طائفي أو غير هذا وذاك.. .فان كانت الصراعات تثور بين الأزواج والزوجات ويصل المتخاصمون الى أبواب المحاكم وهم ضمن العائلات الواحده فكيف يكون الحال بين الجماعات والكتل والقوميات والطوائف. فكل يعتقد بأنه مظلوم ومغبون ولاتدري في الحقيقة أيهم على حق؟؟؟
والسبب أن الجميع يريدون أن يحصلوا على كل شيء ويتركون غيرهم من دون شيء فتشتعل الخصومات وتشن الحروب ومما تجدر الإشارة اليه أن ليس هناك من يعترف بوجود هذا الخلاف وهذه الخصومات وهذه الأحقاد بل على العكس فالكل يدعي أن ليس هناك أي خلاف بينه وبين الطرف الآخر.
وحتى لو اقرالبعض بوجود خلاف فينسب ذلك أنه خلاف بين القادة والزعماء وليس بين الشعوب والطوائف فهي متحابة متآخية وهذا كذبٌ وإفتراء فالعداء متأصل في نفس كل فرد من هذه الطوائف، ولو أجرينا إستفتاء سري لرأيت التعصب واضحا ً وبارزا ً للعيان باسطفاف كل أفراد تلك الفئة ضد كل أفراد الفئة الأخرى وليس فقط ضد زعامات الطرفين، فليس الخلاف مقتصر على الزعماء والقادة فقط بل الخلاف يسري على العشائر والمِلـَل ومايحتوونه من أفراد.
فان أردنا أن نعقد مصالحة حتى لو كانت وقتية ولزمن محدود فعلينا أن نقر ونعترف بأن الرأي العام لهُ دورٌ كبير في دفع تلك الزعامات التي تتبوأ عليهم فقد تلعب دوراٌ مهم في عقد تلك المصالحة، ومن هذا المنطلق نبدأ بالتفاوض والحوار فحجب الشمس باليد أو إغماض العين عنها لايلغي وجودها.
فعلينا أن نعترف بوجود الخلافات بين الشعوب والطوائف والكتل الأخرى وأن نتعامل معها وفق هذا المفهوم لا أن نحاول إنكار كل الحقائق ونضع الرماد على الجمر المشتعل ونقول بان لم يبقى نارٌمشتعلة.
فاذا هبت ريح وأزالت الرماد ظهر الجمر متأججا ً مشتعلا ً من جديد. وأن لانحاول أن نضع نماذج غير مناسبة على الطاولة حيث أن شعبنا هو ليس الشعب البريطاني الذي يعيش بديمقراطية منقطعة النظير. فبريطانيا لم تصبح كما هي اليوم بين ليلة وضحاها فقد مرت بنفس الظروف التي نمر بها قبل أكثر من قرنين حتى وصلت على ماهي عليه اليوم بعد أن فهم وأدرك الشعب البريطاني بأن لامحال من التعايش مع بعضه وتقديم التنازلات من قبل جميع الأطراف فتكونت الحكومات بتداول سلمي وجرت الإنتخابات بكل سلاسة وبدون سفك دماء . والمصالحة كما قلنا ظاهرة متحركة وغير مستقرة فهي وليدة ظروف معينة فنراها تنتهي حال انتهاء تلك الظروف فهي تجري خاصة في الأزمات والشدائد والمآزق .
فقد تجد أطرافا ً تعرض هذه المصالحة على كيانات أخرى داخل الدولة الواحدة أو بين دول اخرىٍ عندما تشعر واحدة من الدول بوجود خطر يهدد وجودها أو عدوان وشيك الوقوع فتلجأ الى عرض المصالحة مع دولةٍ قدتكون هي في خصومة ٍ معها ولكنها قوية ً ويمكن أن تسندها وتدافع عنها ،وقد يكون موافقة تلك الدولة على ما تستطيع أن تقدمه الدولة الأولى من تنازلات وتستمر هذه المصالحة حتى ينتهي الخطر عنها ويزول التهديد فتعود الخصومة من جديد وتتوقف التنازلات وهذا ما يحدث أيضا ً على النطاق الداخلي بين الكتل والأحزاب أو الطوائف وغير ذلك.
فالمصالحة ُ أيّ كان شكلها وأطرافها فلا يمكن أن تحدث مجانا ً وبدون ثمن فان كانت المصالحة بين الدول فعلى الدولة الضعيفة ا ن تقدم التنازلات على حساب سيادتها أوتتخلى على ما تمتلكه من موارد وكذلك وعلى النطاق الداخلي والتي تتم بين الكتل والأحزاب والطوائف أو حتى بين الحكومة والأحزاب والفصائل السياسية والمسلحة فهي أيضا ً لاتتم بشكل مجاني بل بتنازلاتٍ وشروطٍ ومغرياتٍ مختلفة الأنواع والصعد وكلها تنهار بعد أن ينتفي الغرض الذي عقدت أو أجريت بسببه ويعود الصراع والخصام فلم نجد مصالحة استمرت الى أمد طويل فهي تستمر باستمرار المصالح أو الغرض الذي أجريت من أجله والتي كثيرا ً ماتكون تلك الأطراف مضطرة ورغم أنفها لعقدها وتنتهي بانتهاء تلك المصالح أو الأخطار أو الأزمات.وعلى أية حال فالمصالحة مطلوبة بل تكون في بعض الأحيان ضرورية وقسرية ، تلزم طرفين أو أكثر على عقدها فيما بينهم فهي اذا ً ليست ترفٌ أو رغبة ٌ عابرة أو شعور انساني كما يعلن البعض ويشيع وأنما كما قلنا لتمرير مصلحةٍ ما أو غرض سياسي كان أم اجتماعي وتنتهي بانتهاء تلك المصالح ، وقد ينقلب أولئك الأطراف المتصالحون على بعضهم بعد انتهاء المصالح ويثور الصراع والنزاع الذي قد يؤدي في بعض الأحيان الى حرو طاحنة ،فهي في حقيقتها تحالفات وتوافقات هشة سريعا ًما تنهار وتزول وشواهد التاريخ كثيرة ٌ لاتعد ولاتحصى على ما آلت اليه المصالحات من صراعاتٍ وانقلابات عسكرية وتآمرا بأعذار ٍ واهيةكلٌ يتهم صاحبهٌ بانه المقصر .ومع كل ما تقدم فالمصالحة أمرٌ لابد منه لتحقيق أغراض وطنية أو انسانية أو اجتماعية أو اقتصادية ولولاها لعاشت البشرية في كل مكان من أنحاء العالم في نزاعات وصراعات لانهاية لها..
Share |