بركات مخاطبا صدام ؛ نتوضّأ بماء النصر الذي قُدْتُمْ العراق اليه !/مير عقراوي
Mon, 15 Oct 2012 الساعة : 18:45

تُقاس درجة المثقف ومستواه الانساني والثقافي والوعيوي بمواقفه الجريئة في المواقف الحساسة والعصيبة . ففي هذه المواقف ينتظر من المثقف الأصيل غير الزائف الصدع علنا جهارا بكلمة الحق المؤتمن عليها . وذلك بغض النظر عن موقع الحق جغرافيا وتاريخيا ، زمانيا ومكانيا . وإن لم يتمكّن مثقف ما من إتخاذ هكذا موقف شجاع أمام الحق والحقيقة ، أو إنه لم يتمكّن من الإلتزام بأمانة الكلمة عليه – أقلاًّ – السكوت والتخرّس لئلاّ يجعل من نفسه بوقا للسلطان الغاشم والحاكم الجائر ، ولو أن ؛ { الساكت عن الحق شيطان أخرس } بالتعبير الحديثي النبوي الرائع ، لكنه أقل ضررا من إعطاء المثقف المشروعية والتبريرية في شرعنة وتبرير الظلم والجور والطغيان ، أي بمعنى اذا لم يتمكن المثقف ، لأجل ظروف نفسية وذاتية في داخله أن يناصر الحق وأهله ، وأن يقف مع المظلومين والمضطهدين فلا يكن ، على الأقل كما قلنا عونا للظالمين والجائرين بمواقفه المتهافتة وخطاباته اللاإنسانية وكلماته الخورية والجبنية ! .
الذي هو في غاية الأسى هو أن الأديب والشاعر والروائي الكوردي السيد سليم بركات لم يتحلّى بالموقف الانساني والمسؤولياتي الأول في الصدع بكلمة الحق لأجل الحق وأهله ، وإنه لم يتّخذ الموقف السكوتي الثاني حيال الحق وأهله ، بل إنه إختار بإختيار نفسه الموقف الثالث ؛ وما أدراك ما هو الموقف الثالث ! .
إن الموقف الثالث هو موقف لاإنساني بإمتياز ، وهو موقف لاثقافي بإمتياز ، وهو موقف جائر بإمتياز ، وهو قد لا يقلّ جورية عن جور الجائرين الذين يبطشون بالمضطهدين ليلا نهارا ، وبمقامع لا حد لها من الضراوة والوحشية ، لأن المواقف التبريرية والخطابات الحربائية لبعض المثقفين المتخاذلين هي التي تكون سببا ضافيا في ديمومة عمر الحاكم الجائر وجوره وطغيانه وإستبداده في المجتمع .
في عام ( 1985 ) بعث السيد سليم بركات ، مع بعض رفاقه برقية الى الرئيس العراقي السابق صدام حسين . إن الشاعر بركات في برقيته المخجلة حقا لايدافع عن الحقيقة التي يبحث عنها ويعشقها كما زعم في لقائه مع فضائية الجزيرة عام ( 2001 ) ، وإنه لم يدافع عن شعبه المقهور في جنوب كوردستان وما تعرّض له من حملات القمع والإبادة من قِبَل صدام حسين ونظامه القمعي الوحشي ، بل إنه ، ويا لَلْعَار والشنار والخزي أفرط كل الإفراط مدحه وتمادحه ، وفي تبريكه ومباركته ، وفي تبرير مخازيه وطَغاميّاته ، لا بل إنه ذهب الى أبعد من ذلك بمديات خيالية لاحد ولا حصر لها ، إذ قال بدون أيّة وخزة من ضمير بأنه يتوضّأ ؛ [ بماء النصر ] الذي قاده أفتك فاتك بالأمة الكوردية في العصر الحديث بعد الطاغية أتاتورك وهو صدام حسين وحزبه ونظامه الفرعونيين ! .
وهذا هو نص البرقية التي بعثها سليم بركات ورفاقه الى الطاغية صدام حسين ؛
[ لقد رأينا يا سيادة الرئيس كيف تقذفون بالحق على الباطل بكلمة < لا > فإذا هو زاهق . وكيف تُشَمِّرون عن سواعدكم بكلمة < نعم > لإضاءة مستقبل موطن المستقبل العربي ... وليس لنا نحن الأباء والشعراء العرب المشاركين في مهرجان مربد السادس إلاّ أن نتوضّأ بماء النصر الذي قُدْتُمْ العراق اليه ، فحملتم به عبئا عنا وقدّمتموه لنا هدية ، هي هديّة التاريخ لِلأجيال القادمة ضوءً وأمثولة وفداء } !!! . ينظر مجلة ( الغاوون ) ، العدد ( 42 ) ، نقلا عن موقع إيلاف .
تكمن في برقية العار هذه للسيد سليم بركات الحقائق والأمور التالية ؛
1-/ تبرير شخص باطل وفاسد غرق في الإجرام والدموية والطغيان والقتل الجماعي للشعب الكوردي في جنوب كوردستان والعراقيين في العراق .
2-/ لم يعتبر سليم بركات كوردستان كوطن له ، وذلك بدليل قوله ؛ [ لإضاءة موطن المستقبل العربي ] ! .
3-/ تَنَكُّرِ سليم بركات عن قوميته الفطرية – الطبيعية الانسانية التي ينتمي اليها بالأصل ، وهي القومية الكوردية ، وذلك بدليل قوله ؛ [ نحن الأدباء والشعراء العرب ] ! .
4-/ لَوّثَ سليم بركات الوضوء الطّيّبِ الطاهر تلويثاً قبيحا ، إذ إنه شبّه الوضوء الصلاتية لله سبحانه [ بماء النصر ] لرجل طاغية ومستبد دموي قلّ مثيله في تاريخ بني الإنسان . بالحقيقة إن سليم بركات لو كان يعلم فلسفة الوضوء ومدلولاتها العميقة لَمَا أتى على لفظ [ الوضوء أصلا ] ، بل لرفض رفضا قاطعا المشاركة في صياغة برقية الخزي والعار هذه ! .
الصواب هو أن سليم بركات قد توضّأ بالدم الكوردي المُراق ظلما وجورا وعدوانا ، وعلى بُحيرة الدماء الكوردية التي سفكها رئيسه وطاغيته صدام حسين ، ثن إنه توضّأ على بُحيرة الدماء العراقية المظلومة التي أراقها الطاغية المذكور ، والى غيرها من الدماء التي سفكها ظلما وعدوانا ! .
ترى في أيّ خانة ومربع من الممكن تصنيف البلعمي الروائي والأديب والشاعر سليم بركات هذا !؟ ، وماذا سيقول أولاده وأحفاده غدا عنه ، وماذا سيكتب التاريخ الآتي حوله ، وبخاصة تاريخ الكورد وكوردستان ! ؟
لقد مضت فترة طويلة نسبيا على برقية الخزي والعار لسليم بركات ورفاقه البلعميين ، وكانت هذه الفترة مناسبة لأن يراجع بركات نفسه وذاته ، وأن يقدم على ما جنته يداه ولسانه ضد الحق والحقيقة ؛ الحقيقة التي يزعم إنها لغته . وكانت الفترة من عام ( 1985 ) من القرن المنصرم لغاية عامنا وقرننا هذا ( 2012 ) أن يُعلن التوبة والندم على ما سطّره وكتبه بشاعات الأقوال ، ومن شناعات المواقف ، لكنه لمزيد من الأسف الشديد لم يفعل ذلك وحسب ، بل إنه تمادى في غَيِّهِ ، وفي مواقفه المتصادمة مع الحق والحقيقة وأهلها . وذلك عبر مقالته الموسومة ب[ سوريا وأكرادها ] ! .
في هذه المقالة بدلا لسليم بركات أن يكون سِلْمَا وسليما وبركاتيا وحَقّانيا وحكيما وعقلانيا لشعبه ووطنه في مختلف أجزاء كوردستان المحتلة ، وبخاصة في شمالها وغربها ، وبدلا أن يتحدّث عن حجم المظالم الكبرى التي ألحقتها الحكومات التركية بشمال كوردستان وشعبه نراه ينزل جام غضبه على القائد الكوردي الأسير السيد عبدالله أوجلان وبثوار الحركة الكوردية لحزب العمال الكوردستاني الذين يتعرّضون لإِبشع الحملات التدميرية والوحشية ، وبمختلف أنواع أسلحة الدمار التركية ! .
حتى لم يكن لسليم بركات – للأسى البالغ - معشار الغيرة والرحمة والعطف والحنان والموقف والانسانية للفنانة المصرية الفاضلة السيدة ليلى علوي . بعد أسر السيد عبدالله أوجلان في كينيا بأفريقيا من قِبَلِ الديناصورات العالمية عام ( 1999 ) من القرن الماضي أجرت جريدة الشرق الأوسط الدولية مقابلة صحفية مع السيدة ليلى علوي ، فقال لها مراسل الجريدة متسائلا ؛ < ما هو الحدث الأسوء لعام لهذا العام ( أي عام 1999 ) !؟ > ، فردت السيدة علوي بكل شهامة وجرأة وإنسانية ؛ [ إن الحدث الأسوء لهذا العام هو إعتقال عبدالله أوجلان ] !!! ، ثم بعدها آسترسلت السيدة ليلى علوي في الدفاع عن مظلومية الشعب الكوردي ومدى ظلم الدول المحتلة لكوردستان له ! .
لقد عنون السيد سليم بركات مقالته بعنوان مَنْ لا يعتقد بوجود جزء من كوردستان وهو غربها الذي يتحله النظام السوري ، حيث جاء العنوان لمقالته [ أكراد سوريا ] . حتى إنه تماشيا مع الأعراب العنصريين كتب [ الأكراد ] بدلا من التسمية الصحيحة والصائبة وهي [ الكورد أو الكرد ] ! .
يقول سليم بركات في مقالته المذكورة ؛ ( نحن الكورد السوريين لا نريد أصناما على مداخل الشمال السوري ومخارجه ) ينظر موقع وجريدة ( القدس العربي ) لرئيس تحريرها عبدالباري عطوان ، تاريخ 2012 / 10 / 05 ، مقالة [ أكراد سوريا ] لكاتبها سليم بركات .
يبدو واضحا إن بركات لايعترف حتى بأن الملايين من الكورد في غرب كوردستان بأنهم شعب ، كما قال جنابه في نفي ونزع صفة ال[ شعب ]ية والقومية عنه ، لأنه يعتقد إن الشعب السوري هو شعبه ، والشعب السوري هو شعب عربي ، وبالتالي فهو < عربي سوري > كما أقر بعروبته وأعرابيته في برقيته العارية والشنارية الى رئيسه وطاغيته المعدوم صدام حسين ، وذلك بقوله وبعظمة لسانه ؛ ( نحن الشعراء والأدباء العرب ) ! .
لقد بارك وآعترف بركات بالبعثيين العراقيين والسوريين ، لكنه – للأسف – غير مستعد للإعتراف والقبول بحكم إخوانه الكورد من تنظيم حزب الاتحاد الديمقراطي الكوردستاني ، وذلك بسبب ان هذا الحزب هو قريب من حزب العمال الكوردستاني . ثم يضيف بعدها ؛ ( أكراد سوريا موكلون بحقوقهم من داخل البيت السوري . بيتهم ؛ من داخل بيت سوريا . ثورتهم ) . ينظر نفس المصدر السابق والمقالة والكاتب .
وأضاف أيضا بدون أيّ إعتبار وآعتراف بشعبه الكوردي في غرب كوردستان ؛ ( كل فراغ من سلطة الأسد ، في ديار الكرد السوريين ، لن يملأه إلاّ السوريون بجيشهم الحر ) ينظر نفس المصدر السابق والمقالة والكاتب .
لا أعتقد بأن هذا الكلام للكاتب المارق عن شعبه ووطنه والمتنكِّر لهما ، بل المارق عن الحق والحقيقة بحاجة الى إضافة أخرى من الرد والشرح والتعليق ، لأن مقولاته الباطلة من جانب ، والمناوءة لحقوق ومظلومية الكورد وكوردستان واضحة كوضوح وسطوع الشمس في رابعة النهار .