السنين الضائعة من عمر البشر/ المحامي يوسف علي خان
Sun, 14 Oct 2012 الساعة : 23:16

امنيات وامال هي معيار الفيصل بين الفشل والنجاح فبمقدار ما يحققه المرء من الامال يكون هو المقدار من النجاح والعكس صحيح فبالحجم من الامال والامنيات المتحققة يتضح حجم الفشل وبالطبع فالامال ليست واحدة عند الناس جميعا فهي تتحدد بدرجة الطموح وهذا يتحدد بالضروف.... فبالضروف المواتية لدى الشخص يكبر الطموح وكلما ساءت الضروف لديه تقلصت الامال وانخفض مستوى الطموح.... كما ان الطموح يحدده المستوى الاجتماعي والثقافة العامة للانسان فآمال القروي وطموحاته ليست كطموح ابن المدينة فهي تختلف كما ً ونوعا ً .... وقصة جبر الذى طلب الكتابة على قبره ( هذا جبر من بطن امه للقبر ) لهي دليل على فشل الانسان في تحقيق اماله في الحياة فعندما وجد جبر وقد وصل الى سن الشيخوخة ولم يحقق امنياته فقد احس بان السنين الطويلة التي قضاها من عمره كان ميتا فيها فالانسان الذى لايستطيع ان يحقق مايصبو اليه خلال سني حياته فلا يجب ان تحسب من عمره وطالما هو لم يحصل على اى شيء فكانه مات فور ولادته فان كل تلك السنين لاقيمة لها في نظره ....
فالانسان الذي لايستطيع ان يحقق جميع طموحاته فانه لم يعش الا فترة ما تحقق منها فقط اما السنين التى عاشها في الحرمان فلا يجوز ان تحسب من حياته فبقدر ما يتحقق من طموح الانسان تقاس درجة نجاحه او فشله وبما ان الاماني والطموح تختلف من انسان لاخر ومن مكان لاخر وبما ان طموحات ابن المدينة اضعاف طموحات القروي فبالمعادلة والقياس يكون ابن المدينة لايعش سوى جزء قليل من حياته ولربما سنين قليلة اوربما اشهر فقط حتى لو تجاوز عمره المائة سنة فسنين العذاب والحرمان لايجوز ان تحسب من عمر الانسان... فالمرء الذى قضى في السجن عشرين سنة هل يمكن ان تحسب هذه المدة من عمره ابدا فكيف بالانسان الذي قضى حياته كلها في العذاب والحرمان فهل تحسب له حياة قد عاشها فعلا ... ابدا بل يجب ان يطبق عليه ماكتب على قبر جبر .....
ومن هذا المنطلق يجب ان تحسب الاعمار ليس بعدد السنين بل بقدر ما حصل عليه مما كان يتمناه في قرارة نفسه 00 وحيث ان الاماني تتغير كما ونوعا في نفس الانسان الواحد فاماني الطفل ليست هي نفس اماني الشباب واماني الشيوخ تختلف عن اماني الشباب كذلك فهي تتغير حتى بالنسبة للزمن فما كان يرغب في تحقيقه قبل ثلاثين عام يختلف عن ما يرغب في تحقيقه اليوم او ما يرغب في تحقيقه بعد عشرين اوثلاثين سنة قادمة فالطموح لايتوقف عند حجم معين اونوع معين وعليه فلا نجد في الدنيا من عاش حياته كلها وفق هذا المعيار ... والسعيد المحسود من استطاع ان يعيش نصفها فحاجات الانسان ليس لها حدود وطموحه يرتكز على حاجاته فكلما ظهر شيء واستجد رغب في الحصول عليه والعالم يتسارع بما يقدمه في كل يوم من اشياء يحتاج لها الانسان وهي في تنوع وازدياد مستمر مما غدت فوق قدرات السواد الاعظم من الناس مما يزيد من معاناتهم بسبب عجزهم عن الحصول عليها وهي اسباب مضافة لتقصير اعمارهم الافتراضية ونحن نعلم ان الانسان طماعا ً لايكتفي ولايشبع مهما جمع من مال او حصل على جاه فهو كنار جهنم يقول هل من مزيد وقيل في الامثال ( القناعة كنز لايفنى ) كلمة لاتوجد الا في بطون القواميس وفي عقول السذج من الناس وقالوا قديما ( طمعه قتله) فان لم يقتله فبالقليل سوف يجعله بعذاب دائم فكل الناس هم جبر وكم يتمنون ان يكتب على قبورهم ماكتبه جبر على قبره ......
وكم من الناس من كان موضع غيرة وحسد من الاخرين ولكنه تجده في قرارة نفسه غير مرتاح لانه لم يحقق كل طموحه فان تزوج بامراة حسناء وصغيرة السن فسوف يبحث هنا وهناك عن غيرها في الوقت الذى لايستطيع غيره من التزوج باي كان .. لعدم توفر المال له وان استطاع ان يمتلك قصرا منيفا فسوف يبحث عن قصور اخرى يقتنيها وهكذا هو الانسان في طموح مستمر لايقتنع بما لديه وما يتمناه غيره فلا يصل الى يديه فالنجاح هو شعور داخلي قبل ان يكون تقييما اجتماعيا... فالناس تقيم غيرها بما تراه ولكن لاتستطيع ان تدخل عقولهم وتعرف كيف يفكرون وبماذا يشعرون فقد تكون هناك نقاط سوداء في حياتهم تؤرقهم وتقظ مضاجعهم وتجرح مشاعرهم واحاسيسهم وتجعلهم يعيشون في عذاب مستمر 00فقبل عدة سنوات اقدم شاب على الانتحار مع ماكان يملك من اطيان وعقارات وجاه واسع وثروة محترمة فحار الناس بسبب انتحاره فهل كان السبب هو شعور بالفشل والاحباط ام خوف من تهديد وملاحقة مستمرة من عدو او اكتشاف تفاهة الحياة ام كانت نقطة سوداء في حياته لم يستطع تجاوزها كل تلك الاحتمالات كانت واردة لدى الجميع ولكن بالتاكيد كان هو وحده يعرف السبب 00فالنجاح اذا لايقاس دائما بظواهرالامور....ولكن العجز عن تحقيق الطموح والفشل الذريع او الخسارة الكبيرة المفاجئة قد تدفع الانسان وهو في قمة ازمته الى الانتحار او على الاقل سيكتب على قبره ما كتبه جبر ...... فالشعور بالاحباط عبىء ثقيل ليس بمقدور كل انسان تحمله ولكن مع ذلك فقوة التحمل تختلف بين الاشخاص فهناك من تكون له القدرة العالية على تحمل الازمات مهما كانت درجة صعوبتها او خطورتها فلديهم الارادة القوية على اعادة المحاولة وقد تمكن البعض من تجاوز محنهم واستعادة اوضاعهم وتجاوزوا فشلهم وارتقوا الى نجاحات اكبر فقد يجدوا سعادتهم في الصراع مع الزمن والتغلب على الصعاب ومستعدين ان يبداوا من الصفر.... فالاختلاف في قوة الاحتمال قد تكون عوامل وراثية تجعل من البعض ضعاف امام الازمات ينهارون باول فشل واخرون يقفون صامدين امام الازمات ولا يعترفون بالهزيمة ويؤمنون بان الحياة اخذ وعطاء فيوم لك ويوم عليك، وتلعب عوامل الوراثة في بناء الشخصية كما قلنا فتدخل في جينات دمه فتخلق انا س لهم قدرة التحمل على الازمات أو لهم القدرة على الاقتحام والمناو رة والمثابرة وقد يكون للبيئة والتربية العائلية تأثيرها الكبير في بناء شخصية الفرد في نجاحه أو فشله فقد يكون فشله في ذاته وداخل كيانه وليس بسبب عوامل خارجية فقد نجد شخصا ً يشكو ويتذمر لانه لايجد له عملا ً ويعزو ذلك لعدم توفر الفرص أو انه لايملك المال لإقامة مشروع يدر عليه الربح الذي يؤدي الى نجاحه وتحقيق آماله ولكنه في الحقيقة انسان عاجز ،فالعمل موجود والفرص متاحة ولكن يجب على المرء أن يبحث عنها ويطرق الابواب فالعمل لايأتي للمرء بل عليه أن يذهب اليه ويفتش عنه بجهد دون كلل ثم ان المال ليس مشكلة فكثيرون من بدأو من الصفر بعمل بسيط أو أجر متواضع لكنهم إستطاعوا أن ينجحوا بجمع أموال كثيرة والحصول على أعمال جيدة والتدرج فيها خطوة بعد خطوة ، فالنجاح والفشل إذن يعتمد كما أسلفنا على شخصية الفرد والعوامل النفسية والوراثية قبل أن يكون للعوامل الخارجية تأثيرً في إضاعة أماله فيصبح حاله كحال جبر ......
والامال الضائعة قد لاتقتصر على النشاط العام كالتجارة والتعاملات الاجتماعية فقد تضيع الامال حتى في الامور الشخصية للانسان وفي حياته العائلية وهو امر لايقل اهمية عن حياته العامة بل قد يكون اهم منها ومرتكزها فكثيرا ما يؤدي فشل المرء في حياته العائلية الى فشله الذريع في حياته داخل مجتمعه ففشله في اختيار زوجة مناسبة له تنسجم معه وتشجعه في اعماله وانشطته قد تكون كارثة عليه فاعتماده على اهله في البحث عن زوجة له كثيرا مايسبب له احباطا وذلك اذا اختاروا له فتاة لاتتفق وميوله ولاتنسجم وطباعه وعقليته او ثقافته فتبدا المشاكل والمشاحنات وتظهر الخلافات بشكل واضح وجلي فتجعل حياته جحيما.. فتبدا العثرات في عمله ويصيبه الارتباك وتلازمه الانتكاسات فتتبخر احلامه واماله فطبيعة حياة الفرد داخل عائلته تلعب دورا مهما في جميع مجالات حياته فمن ولد ونشا على الانزواء والانطواء والعزلة وعدم الاختلاط معتمدا في قضاء حاجاته على اهله سوف ينشا ضعيف الشخصية لايستطيع ان يشق طريقه خلال زحمة الحياة ومتاعبها ويعيش عبئا ثقيلا على مجتمعه واهله وسوف يركبه الفشل لامحال وسوف لن يستطيع ان يحقق طموحه واماله فعلى الانسان ان يكون شجاعا وقويا ومغامرامعتمدا على المثل القائل( مافاز باللذات الا من كان جسورا ) وبعكسه فتضيع حياته هباءا وينطبق عليه قول جبر .....!!!