عصا موسى وعصا الطلباني/الشيخ عبد الحافظ البغدادي الخزاعي

Mon, 8 Oct 2012 الساعة : 1:04

 

العصا قوة إضافية بكل أشكالها وغاياتها ، فهي بيد الضعيف قوة تعينه للاتكاء ومواصلة المسير وللأعمى تلمس الطريق وتحذره من المطبات التي تعترضه واغلب المتسولين يشيرون من خلالها عدم قدرتهم على تلمس الطريق أو تستجلب العطف من الأصحاء.. وتطورت العصا في بعض الحالات لتأخذ شكلا خاصاَ بالمعارك بعد وضع مشروع كتلة من تبليط نهايتها بالقير ، لتصبح سلاحا كاتما للصوت بيد الحراس الأهليين الذين لا يسمح لهم حمل سلاح ناري، والعصا حين تكون بيد ضابط عسكري تسمى عصا التبختر وهو التباهي المشوب بالتكبر الذي يسنده القانون ، وحين تكون في يد المعلم تؤدي دورا أقوى من القانون ، ولا يوجد طالب عراقي قبل الثورة والتحرير لم يرتجف قلبه من عصا المعلم .وأشهر عصا اشتهرت بيد فنان سينمائي هو الممثل البريطاني شارلي شابلن في النصف الأول من القرن العشرين . والراعي في كل العصور والأماكن وسيلته للسيطرة على دوابه هي العصا ..
وحين نقول فلان شق العصا وفلان قرع العصا وفلان ألقى العصا ؟ هذه معاني لحوادث اجتماعية ، فشق العصا أي رفض الطاعة وخالف الجماعة أو احدث شرخا في قضية كان متفق عليها , وقرع العصا أي هدد وتوعد وأحيانا يهزها في الهواء أو قرعا في الأرض , وألقى العصا أي توقف عن الرحيل وأقام في مكانه .
وللأنبياء عصا لا تختلف عن الآخرين في شكلها غير إن مهامها أكثر وأوسع.. وأشهرها عصا موسى {ع}... يسأله الله تعالى {وَمَا تِلْكَ بِيَمِينِكَ يَا مُوسَى قَالَ هِيَ عَصَايَ أَتَوَكَّأُ عَلَيْهَا وَأَهُشُّ بِهَا عَلَى غَنَمِي وَلِيَ فِيهَا مَآرِبُ أُخْرَى }طه17-18 .. .ويتوالى التأييد في عصاه العجيبة حين تحول جنسها إلى حية حقيقية تمشي بإذن الله وتبتلع الحبال التي أوهم السحرة الحاضرين أنها ثعابين... واشتدت رحى المواجهة بين فرعون وجيشه وبين موسى وعصاه ،تلك العصا فظهرت معجزات أبهرت أعظم طاغية في التاريخ وقواته المسلحة حين فلقت البحر طرقا تستقبل المؤمنين للعبور واستعصت على فرعون وجنوده وتركتهم يغرقون .. {فَأَوْحَيْنَا إِلَى مُوسَى أَنِ اضْرِب بِّعَصَاكَ الْبَحْرَ فَانفَلَقَ فَكَانَ كُلُّ فِرْقٍ كَالطَّوْدِ الْعَظِيمِ }الشعراء63 ثم توالت انتصارات العصا في تقديم الخدمات للمؤمنين يقول تعالى {فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ فَانفَجَرَتْ مِنْهُ اثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً} البقرة 60..
ومن الأنبياء الذين اشتهرت عصيهم سليمان {ع} كان عبداً شكوراًًًًًًًًًًًًًً ، يشكر ربه على ما أفاء عليه من نعم . يمسك بعصا جاء بها من شجرة الخروب ، فـــــخشبها قوي يتوكأ عليها .وكلما جلس في المحراب اتكأ على عــــــصاه طويلا يسبح ويستغفر ربه .
وقد بنا له الجن محرابه الذي دخل يوماً يصلي فيه ، وكان عفريت من الجن يمر عليه بين الحين والآخر ، فيجده متكئاً على عصاه فيظنه يصلي ، وجاءت دابة الأرض فجعلت تأكل العصا من أسفلها حتى وقع... قال تعالى :{فَلَمَّا قَضَيْنَا عَلَيْهِ الْمَوْتَ مَا دَلَّهُمْ عَلَى مَوْتِهِ إِلَّا دَابَّةُ الْأَرْضِ تَأْكُلُ مِنسَأَتَهُ فَلَمَّا خَرَّ تَبَيَّنَتِ الْجِنُّ أَن لَّوْ كَانُوا يَعْلَمُونَ الْغَيْبَ مَا لَبِثُوا فِي الْعَذَابِ الْمُهِينِ }سبأ14...ويقال إن فترة وقوفه ميتا على العصا بقية يومه وليلته حتى سقط صباحا ، وهذه الآية تشير إلى عدم معرفة الجن بالغيب .كشفت كذبهم عصا سليمان ....
اغلب مراجعنا الماضين رحمهم الله والأحياء دام عزهم يستخدمون العصا يستعينون بها على القيام والمسير ، وقلما نجد عالما كبيرا لا يستعين بعصا ، وعصا المرجع الشهيد محمد صادق الصدر {قدسره} ذات نكهة خاصة حين وجه ضربة إلى ذنب من أذناب الطاغية صدام يشغل منصب رئيس وزراء وعضو مجلس قيادة الثورة " محمد حمزة الزبيدي " في صحن أمير المؤمنين {ع} على مشهد من الناس .!! والإمام الخامنئي من الملازمين للعصا يتوكأ عليها في مسيره ويسندها إلى صدره حين يجلس في كل اجتماعاته، فهي ملازمة له في حله وترحاله ....ورؤساء الدول والحكومات عُرف منهم ممن يستخدمون العصا . كالرئيس السوداني عمر حسن البشير يستخدمها أثناء خطاباته يلوح بها لتهديد خصومه ، وكثيرا ما يتوعد ويقسم بأغلظ الأيمان... ويهزها بعصبية واضحة ليخيف معارضيه الذين اقتطعوا نصف السودان رغما على انفه .وهناك مقولة سياسية إعلامية بحته تستخدمها إسرائيل ضد منتقديها تسمى {عصا اللا سامية } وهو الأسلوب الإعلامي الذي تنتهجه إسرائيل تلوح بأسلوب التشهير والتسقيط في الرد على من ينتقد سياستها النووية والإرهابية في فلسطين وغزة والمنطقة العربية، أو يبين حقيقتها العدوانية ...
أما الرئيس العراقي جلال الطلباني الذي شارف عمره على ثمانين سنة فهو من الذين يستخدمون العصا لتعينه في مسيرته وأثناء وقوفه لاستقبال الزائرين ، ولكن الرجل لم يلوح بها يوما بوجه مواطن عراقي أبدا ، وينحني عليها كثيرا للوفود الأجنبية مستعينا عليها بيده اليسرى مادا اليمنى لتحية ضيفه أو ضيفته .." ضيفة العراق " وحين سافر للعلاج كما تقول الجهات الرسمية في وقت اشتداد الأزمة بين الكتل المتخندقة ضد رئيس الوزراء لسحب الثقة عنه وصلت الصراعات السياسية ذروتها أثناء غيابه ، كل طرف يتهم الآخر ضمن الصلاحيات القانونية ، بات الجميع ينتظرون عودة مام جلال وكأنهم يرون بيده عصا سحرية في وطن لا يؤثر فيه حتى عصا موسى ولا سليمان ......فالأكراد يزعلون من كل فقرة قانونية لا تقتطع لهم ريعا من وارد العراق النفطي ،ومواقفهم الوطنية تحددها المصالح الخاصة للكرد على حساب العرب متخندقين في دولة كردستان الفدرالية وقيادة تعمل على تطبيع الشعب على دولة داخل دولة .....
والكتل الشيعية تتنازع فيما بينها بالوسائل التي تؤدي إلى الزعامة وكسب تأييد الطائفة على حساب الكتلة الأخرى ، فلا ترى فيهم إلا اتهامات وشحن الشارع ضد الآخر ، الإعلام المعادي للديمقراطية صار يلعب دورا كبيرا في تأجيج الصراع وشحن أبناء العراق ضد بعضهم لتتسع الهوة والتخندق ، وتناسوا الخدمات والبناء ، وسقطت كل الشعارات التي رفعوها قبل وبعد سقوط نظام صدام بوحدة الشعب وخدمة المواطن ورعاية الفقراء ..
والقوائم السنية لا يختلفون عن أخوتهم الشيعة بالشعارات والتفرقة والاتهام ، بل يحسد قاعدتهم على الموقف السيئ الذي وقع فيه بعض قياداتهم حين انزلقوا نحو التطرف والإجرام الذي لا يليق أن تنسب بأبناء الطائفة السنية , كالمجرم الهارب طارق الهاشمي الذي ارتكب بحكم وظيفته جرائم إرهابية بحق أبناء شعبه سنة وشيعة ..
وظهرت اغتيالات الكواتم ، وسرقت البنوك والمصارف وتعطلت الحياة وفقد الناس الثقة بكل شي ، فلا صناعة في العراق مطلقا ولا زراعة تدعم الاقتصاد ، ولا مشاريع صغيرة تنقذ الخريجين والبؤساء من محنة الفقر ...أصبح قوت الشعب من دول الجوار ، فالعراق يستورد البيض والطماطة والخضر والاجبان والألبان واللحوم والسموم من الخارج ... السياسيون يبدعون بتفوق تراشق الكلام وشعارات أكل الدهر عليها وشرب ، وصل العراق إلى مرحلة يقارنه العالم بالحبشة وبروناي ، السياسيون لا يطالهم القضاء فهم فوق القوانين دائما.. ,...القضاء العراقي أعرج لا يمتد جناحه سوى على المستضعفين الذين لا ارض تقلهم ولا وطن يظلهم .. سبب التردي والضياع رجال العراق الجديد ... ضياع الوطن ومال الوطن وضياع الزمن .!! ضاع العراق ولا يمكن أن يصلح العطار ما أحدثته الحوادث بعد السقوط ، وتغيرت نفسية المواطن ويتحمل اغلب السلبيات التي حلت بالعراق ....وتلونت الأرض بالدماء سنة وشيعة ونصارى وايزيدين ، دفع الناس ضريبة باهظة، غالية الثمن من فلذات كبد العراق بسبب الصراع السياسي ، صراع {كيف نبني العراق} وهل هكذا يبنى العراق ..؟؟؟؟؟ ..أصبحت السجون غير مستعصية عن هروب تنظيم القاعدة ، والحق يستجلب بالرشوة والقوة ، والفقراء لا مكان لهم تحت شمس العراق ، لا ولي لهم ولا معين ،نهبت كرامة الشعب فهان دم الوطن تحت شعارات مذهبية ...
هذا غيض من فيض العراق اليوم ، القلوب أوغرها الحقد وتترس آخرون بالمصالح يدافعون عنها كجزء من استحقاقات وامتيازات دون الشعب الغلبان . {سَأَصْرِفُ عَنْ آيَاتِيَ الَّذِينَ يَتَكَبَّرُونَ فِي الأَرْضِ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَإِن يَرَوْاْ كُلَّ آيَةٍ لاَّ يُؤْمِنُواْ بِهَا وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الرُّشْدِ لاَ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً وَإِن يَرَوْاْ سَبِيلَ الْغَيِّ يَتَّخِذُوهُ سَبِيلاً ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ كَذَّبُواْ بِآيَاتِنَا وَكَانُواْ عَنْهَا غَافِلِينَ }الأعراف146..ا
. فهل يمكن لعصا مام جلال ان تلقف عصيهم وتبطل سحر كتلهم , أو ان تضرب بحر طلباتهم فتنفجر مليون طريقٍ يمكن للمتحايل على القانون أن يهرب منه بسهولة.. وهل تبقى عصا مام جلال تضرب الأرض النفطية لصالح الكتل السياسية كرواتب وامتيازات في البرلمان والحكومة .. فالتصدير من مائة بئر تدر ربحا يشرب كل فريق منهم هنيئا مريئا بما كسبتم من أصوات فنعم المنصب ونعم الامتياز وليتذكر مام جلال انه سيقف يوما أمام الله بدون عصا ليرد على أسئلة رب العالمين عن كل خطيئة تقاضى عنها وهو يحمل عصا وصولجان العراق .. {إِنَّا أَنذَرْنَاكُمْ عَذَاباً قَرِيباً يَوْمَ يَنظُرُ الْمَرْءُ مَا قَدَّمَتْ يَدَاهُ وَيَقُولُ الْكَافِرُ يَا لَيْتَنِي كُنتُ تُرَاباً }النبأ40
Share |