حوادث السير في الناصرية .. ارواح تزهق ، وصمت مطبق !!/صلاح غني الحصيني
Fri, 5 Oct 2012 الساعة : 15:47

امرأة تلتفت يسارآ ويمينآ ، مربكة تحاول عبور الشارع ، تنقل خطواتها بعجل عسى ان تعير ذالك الشارع ، لكن الحلم يأبى ان يتحقق فالسيارات تسير بسرعة البرق ، لتعود خائفة تقف جنب الرصيف تجمع انفاسها لتعيد الكره مرة اخرى ، وسط هذا الخوف والتردد قررت الخروج من تلك الدوامة وعبور الشارع فهناك بيت وأسرة بانتظارها ، فما كان منها ألا ان توسع الخطأ وتجهد نفسها رغم كبر سنها حتى تجتاز تلك الامتار، لكن !! الموت كان اقرب لها من الجانب الاخر ينتظرها وسط الطريق جاء مسرعآ بواسطة سيارة عصفت بها وجعلت منها جثه هامدة على نعش خشبي ترفعه ايدي المشيعين وسط صراخ نساء يصدح بالافق وبكاء اطفال كانت ينتابهم الذعر ،، فقد رحلت وقبلها رحل كثيرون وبعدها سوف يرحل اخرون في حوادث من هذا النوع ، يعصف بهم الموت من كل حدب وصوب ، يرميهم اشلاء مبعثرة على قارعة الرصيف ، تحيط بهم المنايا دون ذنب وهم يسعون فى مناكب الارض ، يشدهم الامل بالعودة الى منازلهم سالمين غانمين ، لكن يد القدر تحيل عودتهم احياء بسبب حوادث السير وأهوال الطريق لنعيش كل يوم فاجعة وبين مكان وأخر نائحة دون ردت فعل توازي قيمة الانسان او اجراء يحد من هذا الخطر ، حتى اصبحت حوادث المرور وبشكل كبير هاجساً وقلقاً لكافة أفراد المجتمع ، وأصبحت واحدة من أهم المشكلات التي تستنزف الموارد المادية والطاقات البشرية وتستهدف المجتمع في أهم مقومات الحياة ، ألا هو الانسان إضافة إلى ما تخلفه من مشاكل اجتماعية ونفسية ، وخسائر مادية ضخمة مما أصبح لزاماً العمل على إيجاد الحلول والاقتراحات ووضعها موضع التنفيذ للحد من هذه الحوادث أو على أقل تقدير معالجة أسبابها والتخفيف من آثارها السلبية ..
أننا نعيش في مدينة الناصرية حرب شوارع ، ولكن ليست كحرب الشوارع التى حدثت في لبنان بل ما يحدث في الطرق الخارجية والداخلية ، انها حرب من نوع آخر فوهات بنادقها السرعة وغفلة المسوول وغياب المتابعة من قبل دوائر الدولة ذات العلاقة ، توجه اطلاقاتها نحو ابناء تلك المدينه ، فجلبت لها الشقاء ، ولغوائلها التعاسة ، ولمجتمعها العبء الاجتماعي والاقتصادي فكم من شخص احتضنته المنية بسبب سرعة قاتلة ، أو إهمال أو تصادم ، إنها عمليات انتحارية تهز مجتمع الناصرية بين الحين والأخر ، ناتجة عن حوادث المرور في تلك المدينة لتكن من أسوأ المشاكل التي تواجهها ، فكم من ابتسامة نزعت بالقوة من أفواه صغارنا وكبارنا...؟ وكم من وردة في بداية نضوجها وتألقها قطفت وذبلت ؟ إن من يعيش واقع الناصرية ويرى مأساة حوادث المرور ليس كمن يسمع أو يقرأ عنها ، وبذلك تجعله يطلق عليها "عملية انتحارية " ، لأنه ليس هناك عدو أتاه من الخارج ليحاربه وينال منه ، وليس هناك عبوة ناسفة زرعت على حافة الطريق ، بل ان السيارة التي صنعت لخدمة الانسان تحولت الى اداة قتل حادة ، فكل يوم نتفاجآ بسيارة محطمه بأسرها ، ودماء تسيل على أرصفة الطريق ، وأرواح أزهقت بلا رحمة ، وأشلاء مبعثرة بين حطام السيارات ، وقد تحولت بذالك الى كارثة اجتماعية واقتصادية ، لما تسببه من وفيات وإصابات وإهدار في الممتلكات العامة والخاصة فخلال اسبوع واحد قتل اكثر من 26 شخص ، وقد كشفت ادارة مستشفى الحسين التعليمي في الناصرية موخرآ عن استقبال قسم الطوارئ اكثر من 400 مصاب نتيجة حوادث السير خلال اب اغسطس الماضي بالإضافة الى ان ادارة المستشفى سجلت اصابة 333 شخصآ من الذكور فيما سجلت 78 حالة بين الاناث ، تضافرت اسباب عده في احداث هذه النتيجة منها خلو الشوارع العامة من العلامات المرورية وغياب المفارز والسيطرات المرورية في الطرق الخارجية ، وكذلك السماح بدخول اعداد هائلة من السيارات اغلبها غير خاضعة للتفتيش والسيطرة النوعية وخالية من شروط المتانة والأمان وبيعها بالأقساط لمن هب ودب دون مراعاة ضيق الشارع ومحدوديته على استيعاب هذه الكم الهائل من السيارات لتقع المسؤولية بالدرجة الاولى على عاتق المسوول وجميع اجهزة الدولة ذات العلاقة لعدم اتخاذها الاجراءات والحلول المناسبة للحد من تلك الحوادث وردع المقصر فى هذا الجانب
فلا عجب أن نرى شيخاً كبيراً يحنُّ إلى عصره ، يوم كانت الجمال والحمير هي وسائل النقل عندما يعتصر قلبه من الألم والأسى على فلذة كبده الذي ينام في سرير المستشفى لا حركة ولا ابتسامة تنير وجهه ومستقبله ، أو على كرسي متحرك بسبب إعاقة مستديمة ألقت به جراء حادث سير ، أو نرى عجوزاً يذرف دموعه على حفيده الذي اغتالته السرعة القاتلة ، فأزهقت روحه على جنبات الطريق ، ومن المؤسف أن نرى امرأة في زهرة شبابها تلتحف بسواد لفقدانها زوجها ، ذنبه أنه كان متحمساً للوصول إلى مكان العمل فكانت السرعة قد رمت به في ثنايا المنايا ، أو أن ترى أسرة ملامح الحزن ترتسم على وجهها بسبب ابنائها التي قطفت بلا رحمة ، ذنبها سرعة قصوى وطرق مزدحمة خاليه من الارشادات والعلامات المرورية لترمي بهم الى ساحة الموت والهلاك ..