عندما يُظلم الإنسان عندئذ يكون له الحق في أن يشتكي/سيد صباح بهبهاني
Fri, 5 Oct 2012 الساعة : 12:54

بسم الله الرحمن الرحيم
(لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا* إِن تُبْدُواْ خَيْرًا أَوْ تُخْفُوهُ أَوْ تَعْفُواْ عَن سُوءٍ فَإِنَّ اللَّهَ كَانَ عَفُوًّا قَدِيرًا ) النساء/ 148 ــ 149 .
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَوْمٌ مِّن قَوْمٍ عَسَى أَن يَكُونُوا خَيْرًا مِّنْهُمْ وَلا نِسَاء مِّن نِّسَاء عَسَى أَن يَكُنَّ خَيْرًا مِّنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالأَلْقَابِ بِئْسَ الاِسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإِيمَانِ وَمَن لَّمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ ) الحجرات /11.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اجْتَنِبُوا كَثِيرًا مِّنَ الظَّنِّ إِنَّ بَعْضَ الظَّنِّ إِثْمٌ وَلا تَجَسَّسُوا وَلا يَغْتَب بَّعْضُكُم بَعْضًا) الحجرات /12.
(إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ إِخْوَةٌ فَأَصْلِحُوا بَيْنَ أَخَوَيْكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) الحجرات /10.
(يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ )غافر/19.
ما هي الدروس المستفادة من هذه الآيات المباركة؟..
إن كثرة الشكوى، والتكلم بما لا ينفع، ليست من طبيعة الإنسان المؤمن.. فالله -عز وجل – يقول وقوله الحق : (لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ مِنَ الْقَوْلِ إِلاَّ مَن ظُلِمَ وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ) النساء..؛
أي عندما يُظلم الإنسان عندئذ يكون له الحق في أن يشتكي.. وهذه الشكوى ينبغي أن تكون في موضعها المناسب: فالإنسان يشتكي عند القاضي من أجل التظلم، ومن أجل أخذ الحق، أو عند مؤمن يمكنه أن يأخذ حقه.. أما الشكوى المجردة، من أجل هتك الظالم فقط، فليس معلوم أن هذه الشكوى محبوبة عند الله عز وجل.
فإذن، إن الإنسان إذا لم يُظلم من قبل إنسان، فليس له الحق أن يهتك عيوبه.. وعندما تنهى بعض العوام من الناس عن الغيبة، فإنه يبادر بالقول: إن هذا العيب موجود فيه، وأنا لم أكذب ولم أفترِ.. والحال بأن الغيبة : ( أن تذكر أخاك بما يكره ) ؛ أي أن تذكره بعيب فيه.. فإذا كان العيب غير موجود فيه، معنى ذلك أنك مفترٍ عليه.. فإذن، ! إن كنت صادقاً ، فأنت مغتاب .. و‘ن كنا كاذباً ، فأنت مفترٍ!… وأن اليوم كثير من الناس يفترون على الآخرين ظناً بأن الدنيا هي دار نقد والآخرة نسيه ! وأن هذه هي المشكلة اليوم …
إن ذكر العيوب الأصل فيه أن يكون ممنوعا، ولكن الشارع المقدس جعل استثناء : كالمشورة، والمظلوم، والإنسان ألم تجاهر بعيبه الذي هتك ستر نفسه، وصاحب البدعة في الدين.. هذه المعاني المطروحة في كتب الفقه، هي مستثنيات الغيبة.. فإذا علم الإنسان بأن هذه غيبة، ولكن لا يعلم أنه في القسم المستثنى أم لا : أي لا يعلم أن هذه مشورة أم لا.. ولا يعلم أن هذه غيبة صاحب البدعة أم لا.. أو أنه عيب يتجاهر به الإنسان أم لا.. فإذا سئل يوم القيامة عن ذلك، ماذا سيكون جوابه عند الله عز وجل؟.. فإذن، إن معنى ذلك، هو أن يعيش الإنسان حالة الوسوسة، عندما يريد أن يتكلم على مؤمن.. فالبعض منا يعيش الوسوسة في القراءة، وفي الطهارة، وفي النجاسات، وما شابه ذلك، ولا يعيش الوسوسة القولية.. والحال أن هذه الوسوسة مقدسة، ومثمرة، ويحبها الشارع.. بخلاف الوسوسة في القراءة، والصلاة.
وعليه، فإنه يكفي للمؤمن أن يقول الله عز وجل : (لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ الْجَهْرَ بِالسُّوءِ)؛ أي لا يحب هذا العمل، وبعد ذلك لا يحتاج إلى ذكر العقوبات يوم القيامة.. فالمؤمن العارف، والمريد، والمحب للمولى، يكفي أن يعلم بأن الله -عز وجل- لا يحب هذا العمل، وهنا قمة الإيمان.. نعم، فالقرآن الكريم في آيه أخرى ذكر (أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَن يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا …) !.. فهذه لعامة الناس.. أما الخواص فلا يحتاجون إلى تخويف، وإنما يحتاجون إلى أن يعلموا بأن الله – عز وجل – لا يحب هذا العمل، سواء في قالب الحرام، أو قالب المكروه!.. أو يعلموا بأن هذا الأمر يحبه الله – عز وجل – في قالب الواجب، أو في قالب المستحب.. فإذا تحول الإنسان إلى محب لله – عز وجل – فإنه لا يبحث عن الحيل الشرعية، ولا يبحث عن الرخص.. صحيح أن كل مكروه جائز، ولكنه لا يفرق بين المكروه والحرام؛ لأن كليهما لا يحبهما الله عز وجل.. وعليه، فإن الآية تبدأ ببداية مؤثرة ومعبرة : (لاَّ يُحِبُّ اللَّهُ) .. فما دام المولى لا يحب، عليَّ إذاً أن أتوقف.. سواء علمت عقاب ذاك الأمر، أو لم أعلم حجم العقاب في هذا المجال. ونعم ماقيل في هذا الصدد :
فإن أكلوا لحمي وفرت لحومهم * وإن هدموا مجدي بنيت لهم مجدا.
وقال أخر:
فإذا لاقيته عظمني * وإذا يخلو له لحمي رتع.
وقال صلى الله عليه وآله : (( ولا يغتب بعضكم بعضاً)).
وهذا كله من أجل اجتناب الغيبة لما فيها من مضار وهدم وندم وفي الآخرة عذاب لا يغتفر.
(وَكَانَ اللَّهُ سَمِيعًا عَلِيمًا ).. سميع؛ مبالغة من السمع، وعليما؛ مبالغة من العلم.. فالإنسان قد يسمع، ولكن قد لا يعلم الأمر ببواطنه.. إن الله – عز وجل – سميع عليم؛ أي يسمع ما تقول، ويعلم ما في باطنك.. وهناك فرق بين إنسان يسمع ولا يعلم، وبين من يسمع ويعلم.. ولهذا فإن الله – عز وجل – يصف نفسه قائلا : (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ ) غافر.. فالناس يرون حركات العين، ولا يرون خيانة العين..
كأن ينظر إنسان في جهة مستقيمة، وهو ينظر بطرف خفي يمينا وشمالا إلى ما حرّم الله عز وجل.. فالناس يرون ظاهر البصر، هو ينظر أمامه، ولكن ينظر إلى زاوية خفية.. فالناس يرون ظاهره، ولا يرون ما يخفي صدره.. فإذن، إن الذي يعيش هذه الحقيقة، أي حقيقة أن الله سميع عليم؛ فإنه يتحول إلى إنسان مراقب أشد المراقبة لكل حركة وسكنة في وجوده.. ولهذا فإن هذا الإنسان لا يختلف نهاره عن ليله، ولا تختلف معاملته مع زوجته أو مع الآخرين.. (قَدْ سَمِعَ اللَّهُ قَوْلَ الَّتِي تُجَادِلُكَ فِي زَوْجِهَا وَتَشْتَكِي إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ يَسْمَعُ تَحَاوُرَكُمَا إِنَّ اللَّهَ سَمِيعٌ بَصِيرٌ ) المجادلة..
في جوف الليل، وفي خلوة مع زوجة مستضعفة مسكينة، فإن هذا الرجل الذي يعيش هذه الرقابة الإلهية، من الطبيعي أنه لا يمكن أن يتكلم بكلمه واحدة، مما لا يرضي الله سبحانه وتعالى.
وعليه، فإن ملخص ما تقدم هو: أن قوام المراقبة والمحاسبة، هو الالتفات إلى هذه الحقيقة، أي حقيقة السمع وحقيقة العلم الإلهي لأفعال المؤمن.. وإلا فإن روايات المراقبة والمحاسبة والعقاب يوم القيامة، فإنها لا تكفي لإيجاد الدواعي الذاتية في قلب الإنسان المؤمن.. وإنما التفاته إلى هذه الحقيقة، كافٍ لأن يتحول إلى إنسان مراقب لكل ما يقول.. (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلاَّ لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ) ق.
قال رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم :
((لا تكثروا الكلام بغير ذكر الله فإن كثرة الكلام بغير ذكر الله قسوة للقلب، وإن أبعد الناس من الله القلب القاسي )).
أعلموا أن
الناس لابد لهم من مجالس يجتمعون ويتحدثون فيها، وخير هذه المجالس هي المجالس التي يكون فيها ذكر الله عز وجل، أمل مجالس التي لا يذكر فيها الله تعالى، ولا يصلى فيها على نبيه صلى الله عليه وآله وسلم فإنها مذمومة وحذر منها
، الرسول صلى الله عليه وسلم وأخبر أنها يوم القيامة تكون نقصاً على أصحابها
حيث أضاعوا أوقاتهم فيما لا ينفعهم، وأخبر أنها سبب لقسوة القلب فلا يلين لموعظة ولا يستجيب لتذكير.
وليكن تواجدكم الطيب قد أملى عليكم وعرفتم وعِلمتم وعَلمتم أي عرفتم من جلستم معهم أنهم لابد لهم من نشر الخير فيعلِمون الناس
- الترهيب من كثرة الكلام بغير ذكر الله، كالاستغفار ومدارسة العلم والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر .
ونسأل الله تعالى أن يبصرنا بعيوبنا وأن ينير عقولنا وأن يثبتنا على الحق وأن يجعل بيننا وبين خلقه قبول وان يتقبل
من خير الكلام وافضل القول وأن يغفر لنا ولجميع من أمن بالله واليوم الأخر .وأن عملنا بهذه الآيات والأحاديث وكان لنا الإيمان بوقتها حتى لا نحتاج إلى شرطياً يراقبنا أو رجل أمن يتعقبنا . إذن أن الذي يتحلى بهذه الصفات الخيرة يكون قد فاز بدنياً وآخرة فاخرة . ويجب أن لا نسى التعاون والتآخي في كلى الحالتين ليتسنى لنا أن ننال الصالحات ونرشد من أخطأ ،ويحب أن لا ننسى أن التعاون هو رئس مال الأمم الناجحة وعلينا أن نقتدي بالصالحين لنكسب رضى الله ونجاح أعمالنا والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين.
المحب المربي
سيد صباح بهبهاني


