الحصار .. سلاح وحشي همجي/طاهر مسلم البكاء

Tue, 2 Oct 2012 الساعة : 1:03

 

أن شعب العراق يدرك جيدا" مدى التدمير الهائل للحصار الذي يعتبر بحق في طليعة اسلحة التدمير الشامل ،أذ انه ينال الشعب بكامله، بكل طبقاته ،بجميع فئاته ،انه ينال من الجنين و الطفل والمرأة والشيخ والعاجز والمريض و....وهو سلاح قمعي ينال الحاجات الاساسية للانسان فيؤدي بصحته وسعادته وثقافته وأنسانيته وحقه بالعيش بحياة كريمة وليس هناك سلاح ينال من مجموع الشعب كهذا السلاح الملعون ،فمهما بالغنا في الوصف فاننا لن نصل الى المآسى والمحن التي واجهها شعب العراق من جراء هذا السلاح الرهيب ،وقيل أسال مجرب ولا تسأل حكيم ...فلقد جرب شعب العراق مرارة وهمجية سلاح حصار همجي ، يصنف كأقسى حصار في تاريخ البشرية ، أستمر لثلاثة عشر عام متواصلة ،ولاتزال تبعاته حتى وقتنا الحالي وستبقى لسنين لاحقة . لهذا فنحن أكثر شعب سيحس بآلام الشعوب التي قد تتعرض للحصار، أي شعب ومن أي لون كان ، و في أي مكان من المعمورة .
أننا ندعو الامم المتحدة الى تحريم هذا السلاح الوحشي نهائيا"والذي لاتقره الاديان والاعراف السماوية ،ولاتقبله قيم البشرية المتعارف عليها ،فكيف تهنأ بالحياة وأخ لك بالانسانية يتضور جوع ويعيش حرمان في أبسط ضروريات الحياة وأنت الذي يفرض عليه هذه الظروف القاسية ،وان عداءك المباشر قد يكون للسلطة في ذلك البلد أو لزعيم البلاد أو لحزب معين ولكن ماذنب مجموع الشعب الذي يكون عادة مغلوبا" على أمره ولاحول ولاقوة له .
وفي حقيقة الأمر أن أغلب ما شاهدنا ونشاهد اليوم ، من انواع الحصار يعد لها وينفذها المعسكر الغربي بقيادة الولايات المتحدة ويشترك فيها بعض العرب الذي يوصفون بانهم مسلمون ! ، وهي تعني أن هذا المعسكر ينشد تحقيق اهدافه في احتواء الآخرين بغض النظر عن الطريقة التي يستخدمها في ذلك ،فهم يعلنون مثلا" حرمة امتلاك واستخدام أسلحة التدمير الشامل ،ولكنهم لايحرمون ذلك على انفسهم .
ولو نظرنا الى الدين الاسلامي الحنيف فأننا نجد الدعوة الى المبادئ العظيمة السمحاء في القرأن المجيد تطلق عشرات المرات بدعوة ( يا أيها الناس )... أنها دعوة للانسانية جميعا"تكررت عشرات المرات للتمثل بخلق القرآن الرفيع : يَا أَيُّهَا النَّاسُ اعْبُدُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ وَالَّذِينَ مِن قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ }البقرة21 .
 
 
وكذلك : ( أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُم مِّن ذَكَرٍ وَأُنثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوباً وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِندَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَلِيمٌ خَبِيرٌ }الحجرات 13 .
وكذلك :
{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ وَاخْشَوْا يَوْمًا لَا يَجْزِي وَالِدٌ عَنْ وَلَدِهِ وَلَا مَوْلُودٌ هُوَ جَازٍ عَنْ وَالِدِهِ شَيْئًا إِنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ فَلَا تَغُرَّنَّكُمُ الْحَيَاةُ الدُّنْيَا وَلَا يَغُرَّنَّكُمْ بِاللَّهِ الْغَرُورُ} [لقمان : 33]
 
 
 
ويستحضرنا مشهد من أروع ما نقله التاريخ لنا هو لبطل الاسلام ومفكره علي بن ابي طالب ،الذي تنشق عبير الفكر الاسلامي من منابعه حيث قربه من الوحي والرسالة ، فبعد أن حال عدوه في حرب صفين بينه وبين الماء ،سيطر جيشه على الماء في الجولة التالية للقتال ، وكان الجميع ،قادة جيشه و جند العدو ،كانوا يتوقعون أنه سيقابلهم بالمثل ويمنع عنهم الماء ، أليس هي الحرب ؟ ولكنه بما يحمل من خلق الاسلام ومبادئه الرفيعة سمح لعدوه بأن يشاركه الماء ،ولم يستخدم الحصار حتى ضد جيش يقابله في معركة .
اين هذه المبادئ السامية من شريعة الغاب السائدة في الساحة الدولية اليوم ،حيث تهيأ المواقف والأفكار وتعقد الاجتماعات تحت خيمة الامم المتحدة بقيادة ما يعرف بالعالم المتمدن أو المتحضر لكي يعدوا العدة ويهيؤا الاسباب لحصار جديد على شعب جديد ! ، ولمصالح آنية ضيقة ،متناسين ان العالم اليوم أصبح قرية صغيرة بما وفر عليهم اللة من نعم ،وأن كل بلد يحتاج البلد الأخر أن عاجلا" ام آجلا" ،ويستحضرنا قول الشاعر العربي الذي لايزال ساريا" اليوم في عالم تشابكت مصالحه التجارية والأقتصادية والأمنية ،حيث يقول :
 
الناس للناس من بدو ومن حضر ... بعض لبعض وأن لم يشعروا خدم
 
 
أن الشعوب الغربية التي نسمع عنها أحترامها لحقوق الانسان داخل بلدانها وتشرع القوانين لتطبيق ذلك ، يظهر أن لابأس أن تنتهك هذه الحقوق خارج حدودها ، حتى ولو كانت حكوماتها هي المشرعة لهذا الانتهاك ، لابل انها تتلذذ بآلام الآخرين ما دام الامر يخدم مصالح تلك الدول .
وقبل أن نختم نود الأشارة الى اننا اليوم نعيش الام شعب غزة المحاصر من الصهاينة ، ونعيش ألام الصمت العربي على هذا الحصار ،لابل ان العرب كما كانوا الذراع المنفذ للحصار على العراق فهم اليوم يؤدون نفس الدور مع فلسطينيوا غزة ،ونرى بألم وحرقة كيف هي دول من غير العرب تحاول كسر هذا الحصار وتعطي ضحايا في سبيل ذلك ،وعربنا يخشون حتى مجرد التنديد ، أضعف الإيمان .
وبغرابة لاحدود لها نجد من يصطف من العرب في جوقة المتهيئين لأحدث حصار ضد الشعب السوري بدعاوى واهية ،غير مطبقة في بلدانهم المحكومة بدكتاتوريات عفى عليها الدهر وتحجر فيها الزمن ، أما النية الحقيقية فهي تمزيق سوريا وأنهاكها للتخلص مما تمثله من كابوس لدويلة الصهاينة .
( أَلَمْ يَرَوْاْ كَمْ أَهْلَكْنَا مِن قَبْلِهِم مِّن قَرْنٍ مَّكَّنَّاهُمْ فِي الأَرْضِ مَا لَمْ نُمَكِّن لَّكُمْ وَأَرْسَلْنَا السَّمَاء عَلَيْهِم مِّدْرَاراً وَجَعَلْنَا الأَنْهَارَ تَجْرِي مِن تَحْتِهِمْ فَأَهْلَكْنَاهُم بِذُنُوبِهِمْ وَأَنْشَأْنَا مِن بَعْدِهِمْ قَرْناً آخَرِين ) . اية 6 سورة الأنعام .
Share |