عيسى النبي [ ع ] كان على شريعة موسى النبي [ ع ]/مير عقراوي - كاتب بالشؤون الاسلامية والكوردستانية
Sat, 29 Sep 2012 الساعة : 22:21

( حول مقولة ؛ < مَنْ كان منكم بلا خطيئة > ! )
مير عقراوي / كاتب بالشؤون الاسلامية والكوردستانية
لقد بعث الله تعالى عبده عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام نبيا ورسولا وهاديا من عنده الى بني إسرائيل ، أي اليهود ليُصَحِّحَ إنحرافهم ولِيُقَوِّمَ إعوجاجهم على الصعيد العقدي التوحيدي والديني ، وعلى صعيد الشريعة الموسوية والمعاملات . لهذا فإنه كان مأمورا بآتباع تلك الشريعة إلاّ ما كان يستوجب التبديل والنسخ وفق مستجدات عصره وظروفه ومجتمعه ، وبما يتناسب تطورات ومتغيرات المجتمع والزمان الذي كان يعايشه عيسى . وذلك بأمر من الله سبحانه من خلال وحيه اليه ، أي الى عبده ورسوله عيسى عليه السلام . هكذا آقتضت حكمة الله عز وجل ومشيئته أن تكون نبوة عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام ورسالته الربانية الى بني إسرائيل ، حيث هي ، أي النبوة والرسالة ، وهو وأمه عليهما أزكى الصلوات والسلام آيات الله الباهرات الكبرى اليهم لعلهم يتذكرون ويفقهون فيرتدعون ! .
في هذا الصدد يقول عبدالله ونبيه عيسى عليه الصلاة والسلام كما جاء في إنجيل مَتّى ؛ { لا تظُنّوا أنّي جئتُ لأُبْطِلَ الشريعة أو الأنبياء : ما جئتُ لأبْطِلَ بل لإكْمِلَ } ينظر كتاب ( الكتاب المقدس ) إنجيل متّى ، 05 - 17 ، دار المشرق ش . م . م ، ط 06 لعام 2000 ، بيروت / لبنان ، جمعيات الكتاب المقدس ، بيروت / لبنان ، ص 47
زعم البعض أن عبدالله ونبيه عيسى بن مريم عليهما الصلاة والسلام قد نسخ وأبطل حد الرجم للزاني والزانية المحصنين المتزوجين الذي كان من ضمن الأحكام الشرعية في شريعة موسى عليه الصلاة والسلام . في حين لا يوجد أيّ دليل وإثبات على ما زعموه ، بل بالعكس هناك الأدلة والشواهد على آتباع عبدالله ونبيه عيسى ( ص ) لشريعة نبي الله موسى ( ص ) إتباعا كاملا كالنص الذي أوردناه قبل قليل . أما النص المنسوب لنبي الله عيسى السلام وجعلوه دليلا على نقضه لحد الرجم في الشريعة الموسوية فهو باطل من كل الوجوه . وما قاله هؤلاء هو تعسّفٌ وتحريف مُتَقَصِّدٌ للنص من ناحية ، ومن ناحية ثالنية هو إفتراء على نبي الله عيسى ، ومن ناحية ثالثة فالنص لا يوحي على الإطلاق بنسخه وإبطاله ، ومن ناحية رابعة هناك الكثير من النصوص والشواهد والأقوال العيسوية الأخرى تُفَنِّدُ مزاعم هؤلاء تفنيدا كاملا ! .
والنص كما جاء في إنجيل يوحنا هو كالتالي ؛ { أما يسوع فذهب الى جبل الزيتون . وعاد عند الفجر الى الهيكل ، فأقبل اليه الشعب كله . فجلس وجعل يُعَلِّمُهُمْ . فأتاه الكتبة والفِّرِيسيّون بإمرأة أخِذَتْ في زِنَى . فأقاموها في وسط الحلقة ، وقالوا له : [ يا معلم ، إن هذه المرأة أخِذَتْ في الزِّنى المشهود . وقد أوصانا موسى في الشريعة برجم أمثالها ، فأنت ماذا تقول ؟] . وإنما قالوا ذلك ليُحرجوه فيجدوا ما يشكونه به . فآنحنى يسوع يَخُطّ بإصبعه في الأرض . فلما ألحّوا عليه في السؤال آنتصب وقال لهم : [ مَن كان منكم بلا خطيئة ، فليكن أوّل مَنْ يرميها بحجر ؟ ] . ثم آنحنى ثانية يَخُطّ في الأرض . فلما سمعوا هذا الكلام ، إنصرفوا واحدا بعد واحد يتقدمهم كبارهم سنا . وبقي يسوع وحده والمرأة في وسط الحلقة . فآنتصب يسوع وقال لها : [ أين هم ، أيتها المرأة ؟ ألم يحكم عليك أحد ؟ ] ، فقالت : [ لا ، يارب ] ، فقال لها يسوع : [ وأنا لا أحكم عليك إذهبي ولا تعودي بعدَ الآن الى الخطيئة . } ينظر كتاب ( الكتاب المقدس ) إنجيل يوحنا ، 08 – 05 – 14 ، دار المشرق ش ، م . م . ، ط 06 لعام 2000 ، بيروت / لبنان ، جمعيات الكتاب المقدس ، بيروت / لبنان ، ص 313 – 314 .
الشرح ، التعليق والتوضيح ؛
يتبين جليّا من النص أعلاه أن الكتبة والفريسيون والأحبار كانوا يتربصون بنبي الله عيسى عليه السلام كل مرصد ، لأجل تكذيبه والإيقاع به لدى الناس على مستوى النبوة والرسالة . على هذا فإنهم إما لَفَّقُوا وآخترعوا هذه القصة ، أو إما أنهم أتوا بإمرأة مسكينة من عامة الناس ، فران عليها سلطانهم وقوتهم . وذلك بدون إحضار المتهم الأول وهو الرجل الذي فعل فعلته بها . والسبب أن الرجل ، كما يبدو كان ذا سلطان وقوة ومَنَعَةٍ . وهم كانوا هكذا يتحيزون في إجراء الأحكام والقوانين ، حيث كانوا يطبقونها على الضعيف والفقير ويتركون الثري والقوي وذا الجاه السلطان ! .
لهذا ضاق منهم نبي الله عيسى ذرعا ، وإنه ذاق الأمرّين منهم وأدموا قلبه الشريف بالعنت والعناد والتكذيب تارة ، وبالإتهامات والإفتراءات تارة أخرى ، وبفساد سريرتهم وطغيانهم وآنحرافهم وآستغلالهم الناس ونهبهم لأِموالهم بإسم الدين والشريعة تارة ثالثة . هذا بالرغم من جميع الآيات البينات والمعجزات الباهرات التي جاء بها لهم عيسى من عند الله سبحانه وبأمره وإذنه وإرادته وقدرته .
لهذه الأسباب كان نبي الله وعبده عيسى عليه السلام يشكو ويشتكي منهم كثيرا ويدعو عليهم ويصفهم بصفات هم كانوا يستحقونها ، منها كلامه وخطابه عنهم كما جاء في إنجيل متى ؛ { يا أولاد الأفاعي مَنْ أراكم سبيل الهرب من الغضب الآتي ؟ ، فأثمروا اذاً ثمراً يدل على توبتكم .} ! ينظر كتاب ( الكتاب المقدس ) ، إنجيل متى ، 03 – 01 – 06 ، نفس الدار والطبعة والعام والمكان ، ص 42 .
عليه فقد كان نبي الله عليه عليه السلام عالما بنواياهم السيئة وعارفا بمقاصدهم الشريرة ، لذلك لم يقبل بإنزال العقوبة على تلك المرأة الضعيفة المستضعفة فقط دون الرجل الذي هو شريكها في الإثم الذي وقعا فيه . لهذا ، كما نلاحظ النص فإن نبي الله عيسى ذهب في التفكير مليّا وطويلا ، الى حد أنهم أعادوا وكرّروا السؤال عليهم . وإن جواب نبي الله وعبده الصالح عيسى لايدل أبدا أنه أبطل ونسخ الرجم في الشريعة اليهودية ، بل إنه قال بأنهم غير جديرون بإقامة أحكام الشريعة وتنفيذها لما فيهم من فساد وخبث ، ومن آنحراف ومروق عن الدين والشريعة . إذن ، فكذا أناس لايجوز لهم كما بينه نبي الله عيسى أن يحكموا في المظالم والحدود والجنايات ، لأنهم لاينوون إقامة الحق والعدل والقسط والانصاف بين الناس ! .
الختام والإستنتاج ؛
جعل البعض من مقولة نبي الله وعبده عيسى عليه السلام حيال المرأة في النص بأنه قد أبطل الرجم ، وهذا غير صحيح قطعا ، لأنه لو أبطله ونسخه لقال ذلك مباشرة وبكل علانية وصراحة . أما نص الكلام لعيسى فهو بخلاف الإبطال والنسخ تماما . إذ أنه ، كما جاء في النص يُفْهَمُ منه أنه اذا كانت الجماعة الأحبارية والكتبية والفريسية التي جاءت بالمرأة المسكينة على خُلُقٍ قويم وسلوك راسخ من التقوى والعدالة كان يحق لهم تنفيذ الأحكام ، لكن بما أنهم بالعكس من ذلك فلا يحق لهم إجراء الحدود الشرعية . وقوله عليه السلام واضح كل الوضوح ، وهو ؛ { مَنْ كان منكم بلا خطيئة . فليكن أوّلَ مَنْ يرميها بحجر . } !!! . وهذا يدل كل الدلالة أن نبي الله وعبده عيسى قد أبطل ونسخ حد الرجم في الشريعة الموسوية للأسباب التي ذكرناها ، ثم بناء على كلامه السابق أيضا الذي نقلناه كذلك فيما مضى ، وهو ؛ { لاتظنوا أني جئت لإبطل الشريعة أو الأنبياء } ! . لذا فكلام هؤلاء الناس عن إبطال نبي الله وعبده عيسى عليه السلام لحد الرجم هو تحريف لكلامه بدو أيّ شك ! .