بين قانون تجريم الإساءة للأديان وحوار الأديان والحضارات/كاظم الحلو الحباب
Fri, 28 Sep 2012 الساعة : 23:47

قبل الولوج بالموضوع اود التطرق لعدة ملاحظات اولية
1- فكرة الموضوع مقتبسة من رد او مداخلة اخت مسيحية قبطية في موضوع حواري حول مدى جدوى سن قانون يجرم ويمنع الاساءة للأديان
كان باختصار ردها (( المسلمون هم المتضرر الاول من هذا القانون ))
2- وهي الاهم : ربما ستجدون جرأة في طرح الموضوع اكثر مما تعودنا عليه , لذا من لا يستطيع ان يتحمل الجرأة والصراحة الشديدة الوضوح : انصحه بان لا يقرأ الموضوع
3- اعلم ان البعض ممن لا يقرءون العبارات بصورة جيدة سيصبون نار جهلهم عليّ , أسأل المولى ان يلهمني الصبر والحلم على ما يأفكون – وان شاء الله لن الحظ ما يسوئني
بسم الله
في جميع حواراتنا ومطالباتنا ومظاهراتنا واحتجاجاتنا وردود افعالنا على خلفية الاساءات المتكررة للإسلام وبالتحديد لرسوله العظيم الاكرم صلى الله عليه وسلم , كان هناك محور الا هو :
المطالبة بتشريع قانون يجرم الاساءة للأديان السماوية بصورة عامة او الانبياء والرسل بصورة خاصة
حقيقة الامر لا يختلف كثيرا منع الاساءة للأديان السماوية او الاديان بصورة عامة عن الاساءة للأنبياء الكرام عليهم وعلى نبينا الصلاة والسلام , إلا في بعض الجزئيات الصغيرة جدا لان الاساءة للأديان هي اساءة للأنبياء بطريقة مبطنة , وتجريم الاساءة للأنبياء لا يعني بالضرورة تجريم الاساءة للأديان وفيه من المطاطية مما يسمح للإساءة للأديان ومعتقداتها والقول ان ذلك لا يسيء للأنبياء .
فانا ارى من وجهة نظري المتواضعة ان الامرين سيان لا يختلفان كثيرا , ولا يمكن ان يكون قانون ذا جدوى ان لم يتضمن المفردتين .
ولكي لا اطيل في مقدمة الموضوع ; انا في السابق كنت مع الرأي المطالب بتشريع مثل هكذا قانون او المطالبة بتشريعه سواء على المستوى الاممي او مستوى القوانين المحلية للدول سواء كانت غربية او شرقية او اسلامية , وعلى ما اظن واعلم ان جميع المسلمين او اغلبهم مع هذا الرأي .
لكن في الحقيقة كما قلت اني استوحيت الفكرة من رد لأخت قبطية ; ولنتأمل قليلاً : هل حقا اول المتضررين من هذا القانون هو المسلمين ؟ وكيف ؟ وأين ؟ ومتى ؟ ولماذا ؟
اننا لو لا حظنا التراث الاسلامي بأفقه المتسع يمينا وشملا , افقيا وعموديا , سنجد انه تراث مليء بالإساءة للآخرين
انا متأكد بان احداً لا يمكنه ان يستوعب هذه الحقيقة ; الا حينما يتجرد من انتماءه الديني والطائفي , واعلم ان هناك القليل القليل ممن يستطيعون الحوار بتجرد خصوصا في عالمنا الاسلامي , فترانا نملا فضاء السماء صراخاً بان (( الانسان اما اخ لك في الحين او نظير لك في الخلق )) ولا كننا لا نستطيع ان نطبق شيء من ذلك على ارض الواقع فلا نعتبره اخ في الدين ولا نظير في الخلق .
الشواهد :
وسأورد بعضها لاني لا استطيع حصرها في مقال واحد ; وبإمكان أي طالب حقيقة متجرد عن ميولاته وانتماءاته – على الاقل اثناء البحث والحوار – ان يرى الصورة جلية واضحة لما اقصد , وسأبدأ من قاعدة الهرم نزولا :
== الغالبية الساحقة – وأترجى الجميع ان لا يورد لي استثناءات ضيقه , فوالله اني اعلمها ومطلع عليها , وهي لا تعدو كونها شذوذ عن القاعدة العريضة – اقول الغالبية الساحقة من المسلمين ينظرون لغير المسلمين من الديانات الاخرى , اما كفار او مشركين , اما يجب قتلهم وقتالهم , او محكوم بنجاستهم , او اخذ الجزية منهم بطريقة اذلال واحتقار , لان اغلبية جمهور علماء المسلمين يفسرون صاغرين بإذلالهم .
ونحن صباح مساء نملأ الارض والسماء بدعواتنا بهلاك اليهود والنصارى ومحاربة الصليب ونجمة داوود , ونملأ الفضاءات بصراخات الكراهية بالفاض جميعها يعتبرها الطرف الاخر اساءة له .
بالله عليكم , أيُّ اساءة اعظم من ان تعتبر الشخص كافر مشرك نجس يجب قتله وإذا وقع في دارك تأخذ منه المال عنوة وغصبا مع الاذلال والتحقير ؟ !!!!!
بالله عليكم أي اساءة اشد وابلغ على الانسان ان تعامله وتنظر له او تعتقد فيه مثل هذا الفهم ؟ !!
== اما من لا دين لهم من الملحدين وإتباع الديانات غير السماوية كالبوذية والهندوس والسيخية , او ممن يعتبرون انفسهم دين سماوي ويعتقدون بنبوة شخص ولا تعترف بهم الاديان الثلاثة على انهم دين سماوي كالبهائية مثلا والصابئة وغيرهم كثير جدا من الملل والنحل التي تملأ المعمورة تنوعا .
كيف ينظر لهم اتباع الديانات السماوية , وبالتحديد المسلمون ؟ اكيد الحال أسوء من اتباع الديانات السماوية .
== واذا انتقلنا الى قمة الهرم , فالكارثة أدها وأعظم , تقريبا جميع الفرق الاسلامية تكفر جميعها اما جهارا نهارا , او همزا وغمزا , فعلى اقل تقدير هي لا تقبل الاخر المذهبي , ولا تعترف به , ولا بطقوسه , ولا بعباداته , وتعتبره على اقل تقدير في النار !!
وأيّ اساءة اعظم من ان تقول لشخص انك في النار ؟!
واذا تكلمنا بشفافية اكثر وصراحة اكثر : فالشيعة ينظرون للوهابية بأنهم يعبدون شاب امرد , ويعتبرون اغلبهم نواصب – يحل دمه وماله وعرضه – واي اساءة ابلغ من هذه ؟!
والوهابية ينظرون للشيعة وسائر الطوائف الاسلامية من اشاعرة ومعتزلة وزيديه وإسماعيلية وصوفية ...... كلهم كفار مشركون , بل هنا تبلغ الوقاحة والمأساة قمتها , اذا يعتبرن ان أي مسلم يمارس عملا بسيط كزيارة القبور او قراءة فقرة معينة بدعاء مروي او كلمة واحدة تنطق بها قد تقول يا محمد , او يا علي ; كلمة واحدة تبيح دمك وعرضك ومالك !!
هل يوجد اساءة ابلغ واشد وقعا على الانسان ومعتقده ودينه من ذلك ؟!
لا اود الاسهاب بالحديث , لاني اشترطت في البدء على قارئي الكريم ان يكون من ذوي اللب السليم المتجرد من الميولات والعواطف , اكيد هذه الكلمات فتحت افاق جديدة للتفكير في لبه و وجدانه .
اما من لا يستطيع التجرد عن عواطفه وميولاته الدينية , فهذا لو اورد له شواهد الى ان يبزغ الفجر فلا اظنه سيتعقل شيء , وسيجهد نفسه في البحث عن بعض الصياغات الركيكة في الكلام او التي لم اوفق لصياغتها بطريقة تدغدغ مشاعره الانتمائية الضيقة – لأنني لا ادعي البراعة في صياغة الكلام – ولكن على الجميع ان يأخذ الموضوع وحدة متكاملة ذات معنى واحد .
قبل ختام المقال اود اضافة شيء واحد كشاهد على الموضوع , ألا وهو النظر للممارسات المسلمين بعوامهم وسوادهم الاغلب , اليست هي الاخرى لا تكاد تخلوا من اساءات عظيمة للآخرين ؟!
وفي الختام
لا يمكن لأي قانون وضعي ان يرى النور ويكون ذا جدوى وفاعلية في منع الاساءات للآخرين بصورة عامة او الاديان بصورة خاصة او الانبياء والرسل بالأخص , ما لم نهضم بصورة جدية ومنطقية متجردة مرحلة مكاشفة الذات ومصارحتها , ما لم نهضم بطريقة موضوعية مرحلة حوار الاديان والحضارات والانفتاح على الاخر وقبوله نظريا وعمليا , لا يمكن بأي حال الحديث عن قانون يجرم ويحرم الاساءة للأديان او الانسان , لان الرؤية حول تطبيقه ستكون هلامية جدا وضبابية جدا في نفس الوقت , وقد ينال المسلمين الحظ الاوفر في قائمة المسيئين للآخرين في هذا القانون