ضرورة مواجهة ظاهرة الإرهاب/عبدالمناف عبدالعظيم الوائلي
Thu, 27 Sep 2012 الساعة : 23:31

تكون معالجة الإرهاب ضمن سياقات المنطق والمبادئ الأخلاقية، فالغاية لا تبرر الواسطة، وكماجاء في الحديث: ((لا يطاع الله من حيث يعصى))؛ فبالعنف وحده لا نستطيع فعل شيء. عندما يواجه العنف بالعنف، معنى ذلك الدخول في دوامة يصعب الخروج منها. هذه ويلات الحربين العالميتين الأولى والثانية ما زالت ماثلة في الذاكرة البشرية، فلا بد من استخلاص التجربة منها. من الضروري اعتماد مشروع تتضافر فيه كل الجهود: المنظمات الدولية والأمم المتحدة وكل دول العالم، لمواجهة الإرهاب ببرنامج متكامل يبدأ من المدارس ولا ينتهي بكل مفصل من مفاصل المجتمع، حتى المناهج التربوية يجب أن تطهر من ثقافة استباحة قتل الآخر؟ وأن تصبح ثقافة قبول الآخر باعتباره جزءاً من وجودنا الإنساني، وليس نقيضاً لنا.
إنّ لكل ظاهرة شاذة، متلقّياً ، ولا بد من دراسة هذا المتلقي، لماذا هو على استعداد أن يقتل، سواء في هجوم أو في دفاع؟ فإذا كان يدافع عن نفسه نسأله: لماذا تدافع أنت عن نفسك؟ أنا سآتيك بنظام يدافع عن مصالحك. وإذا كانت عنده نزعة شر، نبحث من أين بدأت عنده نزعة الشر هذه؟ ولماذا يريد أن يعبّر عن رأيه بطريقة القتل؟ ولماذا، وكيف ينظر إلى خصمه كعدو يريد أن ينقضَّ عليه؟
لو تفحصنا الأسباب جيداً، ربما نهبط بالظاهرة إلى مستويات دنيا. لنأخذ مثالاً، نظام المرور: فعندما عُمِّم في كل العالم، تقلّصت نسبة الحوادث المرورية إلى حدٍّ كبير، وإن كانت لاتزال مرتفعة في العراق بسبب إعادة بنائه، لكن عندما تزور بلدان العالم المتطورة مروريا، تجد الحوادث قليلة، ليست معدومة تماما،ً ولكنها قليلة رغم كثرة السيارات عندهم، ذلك لأن عندهم نظاما صارما، ترفده ثقافة ووعي، كذلك الأمر بالنسبة للنظام الصحي، إذ لديهم مستشفيات متطورة ساهمت في تقليص نسبة الأمراض وهكذا.
علينا أن ندرس الإنسان ونعيد النظر في نظام القيم عنده، لنرى ما تسرب إليها من تحريف، ولنتعرف إلى الشروخ التي أصابته لنبدأ بترميمها وبسد الثغرات التي ينفد منها الإرهاب، لذلك يجب أن نتعرف على الثقافة التي ينفد من خلالها.
عند إحدى الديانات قديما، كان الرجل قديماً يوصي بحرق زوجته معه حين يموت، هذه مفاهيم خاطئة تنسب إلى السماء، ليس كل ما ننسبه إلى السماء يتحمل الدين وزره، وعندما نقول كلمة ثقافة نقصد بها القدرة على معرفة الأشياء في حقيقتها، كي نستطيع تحويلها من عالم الذهن إلى عالم السلوك والتربية كتطبيق، إن كثيراً من البرامجيات التي تثقف في مواضيع الصحة والأمن والسلامة والنظام والمرور كما ضربنا مثلاً، ساهمت في جعل الإنسان يتطور نحو الأفضل، ونحن يجب أن نفكر بالنتيجة، إذ لا ينبغي أن ننجرَّ وراء الإرهاب، أو أن يحوِّلنا الإرهاب في ردّنا عليه إلى إرهابيين بدورنا، لأن ذلك يخرجنا عن قيمنا ومبادئنا. نحن نقاتل من أجل الحق والخير، والإرهابي إما شرير يجب أن يعاقب، أو مخدوع علينا إعادته إلى جادة الصواب.
يجب أن نحلل ظاهرة الإرهاب جيداً، وأن نفصل بشكل دقيق بين العنف المشروع، والعنف غير المشروع.
إن استخدام العنف في ثقافتنا وموروثنا ليس جديداً، في معظم الأسر هناك عنف ذكوري، وفي المكونات الاجتماعية هناك رعب قبلي وعشائري أو حزبوي سياسي، كذلك هناك رعب طائفي وعنصري وما شاكل، وكل هذا يشكل نوعاً من الإرهاب، علينا أن نواجه الإرهاب بسرعة، وأن نثقف الناس ونعرفهم إلى معنى الإرهابي، ومعنى اللجوء إلى الممارسات الإرهابية، فأن يكون المرء إرهابياً غير أن يختلف مع الآخر ويصارح الآخر. له أن يرفض الآخر هذا حقه، شرط أن لا يُنزل به الترويع وأن لا يشعره بالرعب ، بحيث لا يعرف من أين تأتيه الضربة. وحين نحاور أحداً، علينا أن لا نتوقع منه أن يوجه إلينا ضربة ، إنما نتوقع منه رأياً مخالفاً لرأينا، أنا أتصور أن مواجهة الإرهاب تتطلب أن نحلل مركب الإرهاب، ذلك لأن الإرهاب مركب وليس عنصراً، إن للإرهاب ثقافة وخطاباً وإعلاماً وأموالا وفقها منحرفا، وهي كلها عناصر تتفاعل معاً لتنتج من يقوم بتنفيذ الإرهاب وهو المنتحر الإرهابي.
هناك دول تعد مقومات دعم الإرهاب، كإقامة المعسكرات والتسليح وما شابه من الدعم اللوجستي، وهناك دول تموله، كما أن هناك دولا تنتجه، وأخرى ناقلة أو موصلة له، وهناك دول حاضنة له. هذا المركب يجب أن نضعه على قدم المساواة من حيث تحميله المسؤولية عن الإرهاب، هذا هو الإرهاب أما خطة مكافحته، فيجب أن تتضمن ثلاث صفحات هي على التوالي:
1 ـ مواجهة الإرهاب.
2 ـ معالجة آثار الإرهاب.
3 ـ الأمن الوقائي ضد الإرهاب.
وأقصد بالأمن الوقائي توفير الدراسات والمعطيات عن هذه الظاهرة وأسباب نشوئها وانتشارها، ويكلف بذلك أصحاب الخبرة في العالم لمعرفة المؤشرات التي تشير إلى المناطق المرشحة للإرهاب إنتاجاً أو تمركزاً؟ وإلى أين ينساب في البلد الواحد؟ من مدينة أو من منطقة إلى أخرى أو من بلد إلى آخر. وفي الوقت الذي يجب أن نرسم فيه خطة الهجوم على الإرهاب، نضع فيه وبموازاتها خطة وقائية تضمن أن لا يتسرب إلى منطقة أخرى، خلافاً لما هو عليه الوضع الآن، حيث إننا ما إن نُفرغ الإرهاب من مدينة معينة، حتى ينساب إلى مدينة أخرى وبالعكس. يجب أن توضع خطة لضمان أننا حين نواجه الإرهاب تتولى صفحة الأمن الوقائي مهمة الحيلولة دون وقوع هذه المنطقة فريسة للإرهاب مرة أخرى، أما الصفحة الثالثة المتعلقة بمعالجة آثار الإرهاب، فهذه تتطلب نشوء حالة ثقافية وتعبوية لدى العالم كله ليدرك أنه ضحية الإرهاب، وليبدأ بالسعي لتخفيف ما يعانيه، وذلك عبر إزالة آثار الإرهاب عن الأسر وعن الأطفال وعن المجتمعات. هذه الثقافة سوف تنمي ضمناً تعاطفاً مع ضحايا الإرهاب ورفض الإرهابيين.
يجب ألاَّ نتهاون في حربنا هذه مع الإرهاب، لأنها حرب متعددة الجبهات، وذات مداخل ومفاصل بالغة التعقيد، فهو كالوباء، لا تعرف من أي نافذة أو ثقب يدخل، خاصة وأن للإرهاب ثقافة تساعده على مد خيوطه إلى عقول الشباب، ويعمل على ترويجها خطباء متمرسون يلبسون مسوح الدين، وفقهاء يرتدون أقنعة التقوى والإيمان، وفضائيات ووسائل إعلام تتسلل إلى كل بيت. هذه المكونات كلها يجب أن تعامل سواسية. حتى دول إيواء الإرهاب ينبغي أن تشمل بالمكافحة.
سوف نجد من يقول: إنه لا يوجد لديه إرهابيون، لكنه يؤيد أعمالهم في دول أخرى. كذلك سوف نجد لديه وعاظا للإرهاب الذين يستخدمون الرصيد الديني لتبرير عملية الانتحار للشاب، بقولهم: إن هذا عملا دينيا يؤدي بك إلى الجنة. إن هؤلاء أيضاً يجب أن يُدرجوا ضمن لائحة الإرهاب، إذ ينبغي التصدي لإعادة بنائهم المعرفي، وتقويم سلوكهم، والحد من آثارهم التخريبية)).