المرجعية الشاهده/ احمد محسن السعداوي
Thu, 27 Sep 2012 الساعة : 2:49

في الوقت الذي لا زلنا نعيش مشكلة المنهج العلمي في البحث والتقييم (التقويم)، ولا زال الكثير منّا يفضّل الارتجال، ليس فقط في الحديث بل في التحليل والمتابعة للاحداث المهمة وللقيادات الكبيرة التي تصنع المنعطفات المصيرية لذلك كتبت انا القاصر ما حاولت ان تجود به قريحتي لفهمي لكم سيدي الشهيد لذلك كتبت الى النهر العراقي الثالث الذي لازال يتدفق بعطائه الطاهر . وعيا. وثباتا . وتضحيات .. الى المرجع الشهيد السيد محمد محمد صادق الصدر .. وهو يرتدي الكفن المخضب من أجل الله..
فغالبا يعتمد الباحثون عن المقوم الاساس الذي تهتم به مراكز الرصد والبحث والتحليل الدولية وهو توفير المعلومات التفصيلية اللازمة عن الحدث او عن الشخصية موضع التقييم، لا يهتم به الكثيرون منّا..وكذلك إهمال المعايير العلمية في التحليل فسوف تكون النتائج بالطبع بحسب مقدّماتها..فالمعلومات الناقصة والمعايير الخاطئة تؤدّي بالتأكيد الى نتائج غير صحيحة او غير منصفة وربّما مضلّلة.
وسوف تزداد خطورة مثل هذه النتائج اذا تأثرت نفوس الباحثين بمصالح ذاتية او فئوية نابعة عن هوى النفس. وهذا ما يفسّر وجود عدد قليل من المراقبين الذين أنصفوا الشهيد السيّد محمّداً الصدر قبل استشهاده بسبب حملة التضليل والتعتيم والمحاربة التي مارستها أجهزة السلطة الحاكمة في بغداد وكذلك-للأسف الشديد- مارستها عناصر وقيادات محسوبة على الصف الوطني تجاه السيد محمد الصدر وتجاه مرجعيته وحركته السياسية والاجتماعية.
المنصفون من المراقبين او المحللين لم ينطلقوا فقط من حسن ظن وعاطفة إسلامية وإنسانية صادقة تجاه الولي الفقيد وانّما اعتمدوا على:
1. معرفة تفصيلية وافية بالنتاجات الفكرية للصدر الثاني، وخاصة فكره السياسي الراقي المبثوث في صفحات كتب موسوعته الرائدة عن الإمام المهدي(عجل الله فرجه الشريف)، والتي توالت بالصدور منذ بداية سبعينات القرن الماضي..إضافة الى ما صدر عنه من كتب وبيانات وخطب جمعة في السنوات القليلة التي سبقت شهادته.
2. معرفة دقيقة مباشرة وغير مباشرة بخصائص شخصيته الأخلاقية العالية وسيرته الذاتية منذ شبابه وحتى سنوات عمره الأخيرة، تلك السيرة التي لم تعرف الا ما هو خير من خصال المسلم المؤمن المجاهد والعالم الربّاني الزاهد..وأمّا الدعابة التي في شخصيته فقد سبقه جدّه أمير المؤمنين(ع) بها، عندما حاول البعض إقصاءه عن موقعه الشرعي لأن فيه دُعابة.
3. وعي عال بطبيعة الظروف السياسية والاجتماعية والثقافية السائدة في العراق، وفهم واستيعاب أوضاع داخل العراق، خاصة في الفترة التي تلت هزيمة نظام صدام في الكويت وبعد توقف الانتفاضة الشعبية، وطبيعة المخاطر المحدقة ليس فقط بالمعارضين بل بوجود التيار الاسلامي عامة وأتباع اهل البيت(ع) خاصة...وفي ظل تواطؤ دولي مريب وتقاعس مخزي للاشقاء والحلفاء واخوة الدين والمذهب..!! إضافة الى عجز قيادات المعارضة.العراقية.في.خارج.الوطن.منهج متميز في التحرّك السياسي:
يُمكن اعتبار منهج التحرك السياسي الذي اعتمده الفقيه الشهيد السيد محمد الصدر(رض)، سواء في مجال تربية الأمة وتعبئتها إيمانياً وسياسياً وإدارة حركتها السياسية والاجتماعية..أم في مجال مواجهة النظام القمعي العميل الحاكم والعمل على إفشال مخططاته المعادية للدين والوطن والشعب ولخط أهل البيت(ع) والمحافظة على الوجود أو الكيان الاسلامي والشيعي العريق...
يُمكن اعتباره منهجاً متميزاً وجديداً في الواقع العراقي عامة وفي الواقع الحوزوي والمرجعي بشكل خاص، بالمقارنة مع مناهج التحرك التي اعتمدها فقهاء ومراجع دين آخرون خلال الفترة الواقعة بين العشرينات (حيث توقفت ثورة العشرين الوطنية الإسلامية التي قادها علماء دين مجاهدون وزعماء وطنيون) والتسعينات من القرن السابق...
فعلى حين غرة وبخلاف ما هو مألوف في أوساط النجف، تصدى فقيه وعالم دين معروف الى اقامة صلاة الجمعة في مسجد الكوفة (ذي الرمزية التاريخية والعقائدية الخاصة) وشجع ودعم إقامتها في مختلف مدن العراق، واعتمد أدعية أئمة أهل البيت(ع) في خطب الجمعة للتربية والتعبئة وتحريك الجماهير.
وأهم من ذلك سياسته الخاصة في التعامل مع مبدأ التقية أو الهدنة مع النظام الحاكم، فأغلب مراجع الدين السابقين (ربّما باستثناء المرجع الشهيد السيد محمد باقر الصدر(رض) الذي تصدّى لمقارعة النظام في زمن مبكر) كانوا يعيشون ولأسباب ومبررات مختلفة في وضع هدنة فعلية مع الأنظمة الحاكمة في زمانهم، بمعنى انّهم كانوا غير متبنين قضية إسقاط النظام او قضية النزول الى ساحة المواجهة السياسية والجهادية الشاملة معه.
بل وغالباً ما كنّا نشاهد وجود عناصر بارزة في حواشي أولئك المراجع أو من أبنائهم، لهم صلات منتظمة مع أجهزة او بعض مسؤولي النظام بغرض متابعة حل المشكلات والمعوقات التي تعترض الحوزات وطلبة العلوم الدينية وربّما أحياناً لدفع بعض المظالم التي تقع على ابناء الطائفة...بل وحتى لتحقيق بعض المصالح الشخصية والفئوية أحياناً، الجديد في سياسة الصدر الثاني تجاه موضوع الهدنة، يتمثل في انّ الشهيد سعي وبكل ما في وسعه لاخراج استحقاقات الهدنة من الدائرة الضيقة المرتبطة بمصالح المرجع او حوزة الدينية الخاصة الى الدائرة الاوسع المتعلقة بمصالح الامّة والوطن...والتحرك السريع والواسع لبناء قواعد شعبية واجهزة لوكلاء المناطق وقضاة الشرع، وبالتالي بناء واقع سياسي واجتماعي وثقافي ضخم يوازن سلبيات السكوت عن السلطة لعدة سنوات، ومن ثمّ العمل على توظيف هذا الواقع الجديد لاستكمال شروط المسيرة النضالية للشعب العراقي باتّجاه تحقيق الحرية والعدالة...واحترام القيم الدينية.
وأخر دعوانا ان الحمد لله رب العالمين .. فسلام على الصدر الشهيد يوم ولد ويوم أستشهد ويوم يبعث حيا ..