الجودة والأداء ومشكلة التخصص/د.عبدالباري الحمداني
Thu, 27 Sep 2012 الساعة : 1:38

( مترجم عن اللغة الروسية- التجريب والجودة النوعية الجامعية
ترجمة د. عبد الباري مايح الحمداني- مدير قسم الجودة والأداء الجامعي
عام 2008 قدم البروفسور فلاديمير نوكلايفج دروجين،المتخصص في علم النفس التجريبي، ومدير الأكاديمية الروسية المعروفة بأكاديمية روبنشتاين للبحوث التجريبية1996 - له أكثر من 150 مؤلف بخصوص الذكاء والقدرات العقلية والتفكير الإبداعي- قدم كتاب تناول فيه الأسس المنهجية للبحث العلمي ومواصفات الجودة العلمية، ومن مبدأ نشر ثقافة الجودة في الأوساط الجامعية،ترجم هذا الجزء الخاص بالجودة والأداء ومشكلة التخصص.
علم النفس والطب والجغرافيا والهندسة والرياضيات وكل الحقول المعرفية الأخرى،فرضت مؤخرا عدم تحديد المتخصص بنطاق تخصصه الدقيق فيما يخص الإجراءات والأدوات والتفسير، ولم يعد في هذا الشأن كعالم أو باحث في ميدان يسمى(علم النفس أو الطب أو الجغرافيا أو الزارعة وغيرها). ومجرد الاطلاع على الدوريات والكتب ومنشورات الانترنيت المتعلقة تحديدا بالرياضيات والعلوم الطبيعية يجد المطلع إثبات كافي على هذا الزعم، فإذا كان علم النفس علم والجغرافيا علم والطب علم فان مناهج البحث فيها وأدوات القياس تعتمد على غيرها من التخصصات الأخرى.
العلم أذا هو ذلك النشاط البشري الذي تكون نواتجه ((حقل معرفي جديد))،يهدف للكشف عن معرفة((الواقع الموضوعي)) وفي المحصلة النهائية الوصول إلى(معايير ومحكات الحقيقة)) أو قل(معايير ومحكات ألجوده)).
التجريب والإجراءات التطبيقية،والضبط التجريبي المتمثل في إجراءات التوصيف الدقيق والإجرائي للمفهوم المراد دراسته،اختيار الأدوات والوسائل الإحصائية المناسبة لمعالجة الفرضيات العلمية المتصلة مع هدف دراسة الظاهرة،التفسيرات الرقمية والمنطقية والنفسية،كلها تهدف لتحقيق(توافر عنصر الجودة في البحث العلمي)،وتهدف فضلا عن ذلك (للوصول إلى الحقيقة).
العالم،أو قل العامل في حقل معرفي،هو شخص مهني،حرفي،يبني نشاطه باعتباره كفيلا أو منوطا بمهمة أخلاقية تتمثل في تحديد معايير أو محكات الفصل بين(الحقيقة- الزيف)،بالإضافة لذلك فان مصطلح "علم"،يشير لمجموعة المعارف المشتقة من خبرة الحياة المعاشة بطرق علمية،هي الوصول إلى الناس بأسلوب علمي.
نتائج البحث العلمي ربما تصف لنا الواقع،وتفسر لنا منطق الظواهر،وهو في النهاية ما تقدمه كل دراسة على هيئة نتائج تعرض كنص أو مخطط أو رسم بياني،هي في المحصلة النهائية فكرة كل بحث علمي والمتمثلة في " اكتشاف قانون" يتعلق بظاهرة ما، إلى جانب ذلك ومن خلال تلك القوانين يتشكل الإطار النظري الذي يفسر لنا تلك الظاهرة،بهذا المعنى فان هناك فرقا بين التفسير الذي نمارسه بفعل التجربة اليومية ألمعاشه وهو في النهاية "رأي" وبين التفسير المشتق من تجربة تقوم على فرضيات علمية وخطوات لاحقة للتحقق من تلك الفرضيات تجريبيا، والذي يتخطى مستوى الرأي إلى مستوى "الحكم" من ثم(التعديل والعلاج".
لايوجد علم بذاته أو معرفة علمية تدعي بأنها((شربت كل ما موجود في الإناء))،وغاية الأمر فان لكل علم أدواته ومقاييسه الإجرائية الهادفة لصياغة "الإطار النظري الخاص به" والقائم على جانب واحد من الحقيقة،تعميمات إجرائية،نماذج،قوانين خاصة به كحقل من حقول المعرفة.
العلم كنظام من المعرفة،كنتاج للنشاط البشري،يحاول تحقيق مواصفات نوعية من قبيل( التكامل،الصدق،الثبات،المنهجية)،وهو في النهاية نشاط قائم على منهجية.
عالم اليوم يكاد يسمى"عالم الطرائقية"،والمقصود به عالم الأدوات، عالم الأساليب القياسية الهادفة لتوفير قناعة ومعقولية لأي حقل معرفي لقبول نتائجه والاعتراف بها في عالم"التعدد"، عالم" علم مابين العلوم"،ذلك الذي لم يعد يقتنع ويتقبل دراسة أية ظاهرة في نطاق تخصص محدد.
كل شخص يدعي انه ينتمي لحقل معرفي أو تخصص معين،لكي يساير العالم المتسارع عليه ألا يكتفي بمجموعة المعارف أو الحقائق الجزئية التي وفرتها له فرصة الجلوس على مقعد الدراسة، وان لا يكتفي بوصفه قادرا على أجراء البحث العلمي،وانتقاء وعزل المفهوم لدراسته علميا،بعبارة أخرى قدرته على(تقشير المعرفة)،أنما عليه الوصول إلى مستوى" التمكن" من معرفة الأدوات المنهجية والقياسية الخاصة بحقل معرفته من جهة وأساليب التفسير والبحث في حقول مقاربه على الأقل،يقولون أن الباحث" يقف على عكاز يستند على كل العلوم".
الجمع بين الأداء والإجراء التجريبي والأسس النظرية الدقيقة،تلك التي تحدد"المفهوم" و"الطريقة أو أداة القياس" كفيل بتقليل فرص الوقوع في الخطأ.
تحديد المفهوم يمكن أن نحصل عليه من الأدبيات النظرية والدراسات السابقة،لأنها"خبرة الآخرين"،لكنه يبقى مفهوما جامدا،مستمدا من بطون الكتب،الذي يعطيه الحركة والحياة،هو المتخصص المبدع،ذلك الذي له القدرة على ربط "المفهوم النظري بالأداة" من جهة وربطهما معا بموقف،أو مشكلة، أو حاجة أو ضرورة موجودة في "عالم الناس"،"عالم الأشياء" بهذا المعنى فقط نوفر العقار لمريض ينتظر منا أن نوقف ألمه ومعاناته،نبني البناية المناسبة والمطلوبة، نخطط بشكل جيد،نربي أجيالنا كمجتمع أنساني متسامح يضمن أن نعيش معا بسلام.
ما هي معايير الجودة؟، للاجابه على هذا التساؤل لابد للرجوع لتساؤل قديم جديد، ما هي معايير العلمي واللاعلمي؟، لقد اقترحت الدراسات والباحثون وجود معيارين أساسين لوصف أي نشاط بأنه علمي،الأول" توافر معايير العلم"، المتمثلة في اتساق نتائج أي نشاط مع دراسات سابقة، واتساق البناء النظري للنشاط مع الإجراءات والأدوات المعتمدة فيه، وكل ذلك يسمى "الجودة الأكاديمية" والمعيار الثاني" تحريك الواقع"،أو ما يطلق عليه"وضع العنب في السلة"،- وردت في النص الأصلي-الخبز- وهو في مصطلحات الجودة(خلق الحياة النوعية للمستهلك)،فكل بحث أو تخصص لا يحرك الواقع والحياة،لا يخلق فرص لحياة نوعية للناس،يعني فيما يعنيه وجود فاصل بين"المؤسسة البحثية أو الأكاديمية والناس في الشارع،المنازل،المستشفيات وحتى في السجون"،ما أطلق عليه مؤخرا"الجودة النوعية أو المعيارية"