الأمثال القرآنية!/سيد صباح بهبهاني - ألمانيا

Thu, 27 Sep 2012 الساعة : 0:24

 

بسم الله الرحمن الرحيم
(وِتلكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ وَمَا يَعْقِلُهَا إِلاَّ الْعَالِمُون) العنكبوت/43
(لو أَنزَلْنَا هَذَا الْقُرْآنَ عَلَى جَبَلٍ لَّرَأَيْتَهُ خَاشِعًا مُّتَصَدِّعًا مِّنْ خَشْيَةِ اللَّهِ وَتِلْكَ الأَمْثَالُ نَضْرِبُهَا لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَفَكَّرُونَ) الحشر/21
وَلَقَدْ ضَرَبْنَا لِلنَّاسِ فِي هَذَا الْقُرْآنِ مِن كُلِّ مَثَلٍ وَلَئِن جِئْتَهُم بِآيَةٍ لَيَقُولَنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ مُبْطِلُون) الروم/58
أَنزَلَ مِنَ السَّمَاء مَاء فَسَالَتْ أَوْدِيَةٌ بِقَدَرِهَا فَاحْتَمَلَ السَّيْلُ زَبَدًا رَّابِيًا وَمِمَّا يُوقِدُونَ عَلَيْهِ فِي النَّارِ ابْتِغَاء حِلْيَةٍ أَوْ مَتَاعٍ زَبَدٌ مِّثْلُهُ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الْحَقَّ وَالْبَاطِلَ فَأَمَّا الزَّبَدُ فَيَذْهَبُ جُفَاء وَأَمَّا مَا يَنفَعُ النَّاسَ فَيَمْكُثُ فِي الأَرْضِ كَذَلِكَ يَضْرِبُ اللَّهُ الأَمْثَالَ)الرعد/17
وغير ذلك من الآيات البينات التي تبين اهتمام القرآن الكريم بضرب الأمثال المتنوعة المعبرة التي تشمل كل نواحي الحياة للناس وذلك ليتفكروا ويعقلوا ما بها من حكمة وما لها من مدلولات عظيمة قيمة .
و” مثل” الشيء صفته التي توضحه وتكشف عن حقيقته ومحتواه، و” المثل” ما يضرب به الأمثال، وهو من “مَثَلَ” الشيء مثولا إذا انتصب بارزا فهو ماثل، و” مَثل” له كذا تمثيلا إذا صور له مثالا بالكتابة أو غيرها، ويطلق لتمثيل المعاني المعقولة بالصور الحسية وعكسه، ومنه الأمثال السائرة .
والأمثال السائرة، العامية والفصحى، نثرا أو شعرا، كلها من التراث الأدبي في حياة الناس على مختلف طبقاتهم، فهي خبرات الحياة وحصيلة تجارب الأجيال المتتابعة على مدار التاريخ، يتداو لها الناس ويتوارثونها لما لها من أهمية واقعية فيما بينهم من علاقات ومعاملات، وهي من العلامات المميزة للمجتمعات الإنسانية حيث لكل مجتمع تراثه من الأمثال التي لا يعرف على وجه التحديد بداية معظمها أو هوية قائليها، ولكنها في بعض الأحيان ترتبط بحادث معروف أو بقصة قديمة مشهورة
تجارب إنسانية
وتتشابه كثير من أمثال المجتمعات المختلفة في معانيها وفي مدلولاتها فهي كلها تمثل حصيلة تجارب إنسانية، والإنسان هو الإنسان في كل زمان ومكان، لا تتغير أفكاره وتطلعاته، ولا تتبدل شهواته ولا حاجاته أو خوصه الفطرية بتغير الزمان أو المكان، ولذلك فالأمثال المرتبطة مثلا بعلاقات الأهل والأصدقاء والأعداء، ومفاهيم الخير والشر ومختلف القيم الإنسانية تكاد تكون واحدة في كل مكان.
وبالنسبة للمسلمين فإن الدين الإسلامي يمثل المحور الأساسي الذي تدور حوله أفكارهم ومفاهيمهم وتطلعاتهم وبالتالي أعمالهم ومعاملاتهم مما جعل لهم هوية ثقافية واجتماعية وشخصية متميزة واضحة المعالم ومحددة الاتجاهات مما انعكس بصورة واضحة على حصيلتهم من الأمثال الموروثة والتي أضاف إليها الإسلام رصيدا قيما من الأمثال تعتمد في جوهرها على الفكر الإسلامي جملة وتفصيلا، بل أن كثيرا من الجمل القرآنية والآيات وأحاديث الرسول عليه الصلاة السلام أصبحت تجري على ألسنة الناس مجرى الأمثال، وذلك بالإضافة إلى ما لكل مجتمع من المجتمعات الإسلامية من حصيلة خاصة من الأمثال النابعة من ظروفه الجغرافية والمناخية وعاداته وتقاليده التي يتميز بها عن غيره .
وضرب الأمثال نوع من أنواع البلاغة الموجزة لإبراز المعاني وتقريبها إلى الأذهان بصورة تجذب اهتمام القارئ أو السامع وتؤكد المعنى والغرض المطلوب وتجعله ماثلا في الأذهان لفترات طويلة بكلمات يسهل تذكرها وأحيانا بأسلوب له جرس موسيقي خاص .
أغراض شتى
وتضرب الأمثال لشتى الأغراض، فمنها للمدح أو الذم ومنها للافتخار أو الوعظ أو الاعتذار أو الوصف وإبراز صفات محمودة أو مذمومة أو غير ذلك من الأغراض، والأمثال بذلك من أكثر أنواع الكلام تداولا بين الناس حيث تجري على السنة العالم والجاهل، الكبير والصغير، الرجال والنساء في كل مكان، وقد تكون نثرا أو شعرا، أحاديث أو قصصا، وقد يكون المثل كلمات قليلة أو قصصاً طويلة، وقد يكون تشبيها بشيء أو بحيوان أو بطائر أو بإنسان معروف مشهور عند الناس بصبغة محمودة أو مذمومة، كما يقول الشاعر :
ما أنت إلا مثل سائر
يعرفه الجاهل والخبر
فيقال مثلا “اسخي من حاتم” لما عرف عن حاتم الطائي من سخاء وكرم لم يعهده الناس في غيره فاشتهر بذلك وأصبح مثلا للكرم والجود بين العرب، كما يقال مثلا “ أذكى من إياس ” وهو القاضي المشهور بذكائه وفطنته ووصوله إلى الحقائق في ما يعرض عليه من قضايا وخصومات بطرق وأساليب غاية في الذكاء والفطنة وسرعة البديهة، ويقال مثلا “ أشأم من البسوس ” وقصتها معروفة ومشهورة لما كان من قتل ناقتها من شؤم على حيين من العرب حيث كان ذلك سببا في استعار نار الحرب والقتل بينهما أربعين سنة بسبب تلك الناقة، وكما يقال “أبصر من زرقاء اليمامة” لما كان يحكى عنها من حدة بصر خارقة، والقدرة على رؤية الأشياء البعيدة التي لا يمكن لغيرها تمييزها، وقصتها مع قومها والأعداء الذين استخفوا خلف أفرع الأشجار فرأتهم وأخبرت قومها عنهم فلم يصدقوها حتى فوجئوا بالعدو على الأبواب وكانت بذلك هزيمتهم مفاجئة لهم.. ويقال “ أعيا من باقل ”.. وغير ذلك مثل “وعند جهينة الخبر اليقين .
وقد يضرب المثل بالحيوانات كأن يقال: أشجع من أسد، وأبصر من عقاب، وأذل من قراد، وأظلم من حية، وأحقد من جمل، وأحذر من غراب، كما يضرب المثل بعيون المها، ورشاقة الظبي، ووفاء الكلب، وقذارة الخنزير .
كما تضرب الأمثال بغير الأحياء، فيقال مثلا أهدى من النجم، وأسود من الليل، وأثقل من جبل، وأصبح من الصبح، وأمرّ من الصبر، وأرق من النسيم.
من الشعر
وكما قال الصادق الأمين عليه الصلاة والسلام: “إن من الشعر لحكمة” فقد حفلت أشعار العرب بالحكم التي صار كثير منها مضرب الأمثال على الألسنة حتى الآن، فقد أبدع الشعراء في تضمين قصائدهم كثيرا من الحكم والأمثال المتداولة والمعروفة واستحدثوا معاني جديدة بأساليب شائقة، وهذا مجال يطول الحديث فيه ولا مجال له في هذه العجالة حيث نكتفي بذكر بعض أبيات من الشعر أو أجزاء من أبيات بعض الشعراء لبيان ذلك. فمن أبيات الشعر الكاملة قول الشعراء .
كالنار تأكل بعضها
إن لم تجد ما تأكله
وكذلك :
كالعيس في البيداء يقتلها الظمأ
والماء فوق ظهورها محمول
وكذلك :
ومن كانت منيته بأرض
فليس يموت في أرض سواها
وكذلك :
إذا كان الغراب دليل قوم
يمر بهم على جيف الكلاب
وكذلك :
ما طار طير وارتفع
إلا كما طار وقع
وقولهم :
ما حك جلدك مثل ظفرك
فتول أنت جميع أمرك
وقولهم :
وعين الرضا عن كل عيب كليلة
لكن عين السخط تبدي المساويا
وقولهم :
ليس الغريب غريب الشام واليمن
إن الغريب غريب اللحد والكفن
وكذلك :
مخطئ من ظن يوما
أن للثعلب دينا
وغير ذلك كثير فيما يعرف بشعر الحكم والأمثال في الأدب العربي، كما نذكر بعض أجزاء من أبيات للشعر تذكر عادة كما هي مثل أقوالهم .
ومن طلب العلا سهر الليالي، كل يغني على ليلاه ، كلنا في الهم شرق، وهل تلد الحية إلا الحية، وكل غريب للغريب نسيب، لكل شيء إذا ما تم نقصان، شر البلاد بلاد لا صديق بها، فإن خلائق السفهاء تعدي، الرأي قبل شجاعة الشجعان، يغوص البحر من طلب اللآلي، أبشر بطول سلامة يا مربع، تعدو الذئاب على من لا كلاب له .
وهكذا تتنوع الأمثال وترتبط بكل ما في الحياة من موجودات ومخلوقات وتعكس فكر الأمة وأخلاقها.. ويأتي القرآن الكريم كتاب الله المعجز ليقص علينا أحسن القصص ويضرب لنا من كل مثل .ويجب على شبابنا أن يتمسكوا بثقافتهم وتاريخهم المجيد العريق ولا يلتجئوا لتفاخر بتاريخ دول غير دولهم لأن اليوم التقدم المادي والثقافي جنبهم وتاريخ بلدانهم التي دمرها الاستعمار...إذن لنتعاون ونتآخى ونكون يداً واحد لنشر العلم والعلوم والبناء الصرح الماضي ونزيد على علومنا ولنكن رحماء بيننا ولي نتنبه من المؤامرة القطرية الأمريكية الصهيونية بأيادي عربية وممولة بأموال قطرية سعودية بحرينية والله خير حافظ وهو أرحم الراحمين .
المحب المربي
السيد صباح بهبهاني البهبهاني بهاني
Share |