التصحر الفكري وتأثيره السلبي على العراق- عمار العامري

Tue, 21 Jun 2011 الساعة : 11:58

التصحر الفكري وتأثيره السلبي على العراق-    عمار العامري
 لم نستبعد الدور الكبير للطبقة المثقفة الفكرية والعلمية في أي تغيير يحدث وربما حتى في الانقلابات العسكرية والتي تستبيح الدم حتى تصل لمراكز القرار فنجدها تحاول بعد استتباب أمورها أن نستعين بأصحاب الرأي والفكر وإشراكهم قدر المستطاع في تسير حالة التغيير وربما تتوسع أكثر لتجد حالة فكرية خاصة بها رغم ما تحمله هذه المرحلة من أخطاء وهذا دليل على أن الوعي الفكري والمستوى العلمي لا يمكن الاستغناء عنه حتى في حالة الحرب والتي تتعامل بلغة السلاح والقتل، ألا أن الحالة العراقية لما بعد التغيير شهدت عزوف كبير عن الطبقة الفكرية والمثقفة رغم ارتفاع خطها البياني بعد اشهر من التغيير إذ آبدات تمد أجنحتها وتزداد أسراب المنتمين أليها بشكل ملحوظ ولكن العقلية السياسية أخذت تحاصر هذه الطبقة وتبعدها من دوائر التغيير ليس في المجال السياسي فقط وإنما حتى في الجوانب الأخرى العلمية والاقتصادية والتربوية بل وسيطرة الطبقة السياسية على الجوانب القطاع الخاص التجاري والصناعي ونتيجة لهذه الرؤية القاصرة نحو الطبقة المبدعة والمتجددة تولدت انعكاسات وانطباعات غير جيدة على الواقع العراقي الحالي وأيضا جعلت العراق في منظور الدور غير المتطورة والنائية رغم امتلاكه لرصيد عالي من التاريخ الذي يفتقر أليه أي بلد أخر وان خلال الفترات المتنورة من تاريخه كان يمثل محور لكل مراحل التجديد الفكري والتطور العلمي وفضاء لكل الاختصاصات العلمية والثقافية والاجتماعية.
     وان ما ينعت به العراق من كونه بلد طارد للكفاءات العلمية والشخصيات الإبداعية والابتكارية فهذا مما مؤسف له كون بلد غزير بالجامعات والهيئات العلمية والمؤسسات والمراكز البحثية التي عملت على تخريج الآلاف من العقول والمهارات المختلفة في كافة الاختصاصات، وتبقى مهمة العلم والعلماء بعهدة العقلية الحاكمة أو المتسلطة على الحكم فكلما كانت واعية وعارفة جيدا لشؤون أبناء بلدها كانت حاضنة ممتازة لاستقطاب هذا الإمكانيات والخبرات وكلما كانت منقوصة الوعي وهدفها استملاك كل شيء تجدها وكأنما وعاء خاوي لا يملك القدرة على تسيير دفة شؤون البلاد ومن هذه الحالة ظهرت ما يسمى (بالتصحر الفكري) الذي بدأت بوادره تنتشر في العراق مع التغيير فبعد أن كانت هذه العقول الفكرية والعلمية مهاجرة عن البلاد بسبب الظروف السياسية فأنها لم تستطع العودة إلى أعشاشها أو وطنها ألام بسبب الأوضاع الأمنية أو سيطرة السياسة التسلطية والحزبية على زمام الأمور مما جعلها تشعر بالغربة داخل الوطن فكم تخرج الجامعات العراقية التي زاد عدد على عشرين جامعة حكومية وبقدرها أهلية وكم هناك من المؤسسات والهيئات المتخصصة ولكن عدم الاهتمام والفوضى السياسية خلفت ما لم يستحسن أن يكون في العراق صاحب الحضارات كما يوصف ولا نعتبر أن الفترة المظلمة التي يذكرها بعض المؤرخين لسنوات ما بعد الغزو المغولي للعراق وما اتبعها من مراحل فوضى سياسية أثرت بشكل سلبي على الواقع العلمي والثقافي رغم وجود بعض البصيص له آنذاك ولكن ما يمر به العراق حاليا يختلف عن تلك الظروف ولا يمكن أن توصف هاتين المرحلتين بنفس الوصف ولكن حالة (التصحر الفكري) التي يشعر فيها المعنيين جاءت نتيجة سيطرة العقول الهشة والفارغة فكريا وعلميا على مقدرات البلاد مما أفرغها من محتواها الأصلي والذي قد استثمر في مناطق أخرى تحترم أصحاب العقول وأرباب الطاقات العلمية وهنا نجد أن العراق بحاجة لرؤيا صائبة وصاحبة للاختصاص لمعالجة ما يمر به من توجهات تضر بتاريخه وواقعه الحالي.

Share |