الربيع العربي المفقود/عاطف العزي

Mon, 24 Sep 2012 الساعة : 1:30

 

كنت قد كتبت فى بداية ما سُمي بالربيع العربي ، وحذرت من اختراق السلفيين والارهابيين للإحتجاجات التى قامت فى حينه ، وتساءلت عن هوية الأشخاص الذين كانوا يقودون تلك الاحتجاجات . و صدق حدسى، فنظرة واحدة الى ما حصل ويحصل الآن فى بلدان الربيع العربي :اليمن وتونس وليبيا ومصر وسوريا من قتل وتدمير نتيجة تغلغل الغوغاء بين المحتجين وبروز الطائفية بأبشع صورها وكأن الانتفاضات قد قامت للقضاء على الطائفة الأخرى وليس للقضاء على حكم الطغاة. وفى ذلك الوقت طالب البعض بأن يشمل الربيع العربي العراق أيضا ، وقاموا بالتحشد فى ساحة التحرير فعطلت أعمال المواطنين فى تلك المنطقة الحيوية من بغداد وازدحمت الشوارع بالمارة والسيارات وانشلت حركة المرور . فقلت فى مقالى بأننا فى العراق لانحتاج الى ذلك بسبب وجود حكومة منتخبة ومعارضة حرة تستطيع حتى أن تشتُم رئيس الحكومة ليل نهار دون أن يستطيع محاكمتهم او زجهم فى السجون ، ولدينا مجلس نيابي منتخب من قبل الشعب كان قد وافق على تشكيل الحكومة الجديدة ، ولو كانت المعارضة قوية لسحبت الثقة عن الحكومة وأسقطتها . نسبة كبيرة من النواب جهلاء انتخبهم أناس جهلة ، ولا يوجد دستور يمنع الجهلاء من الإدلاء بأصواتهم الانتخابية ، وبذلك اتيحت الفرصة لبعض المعممين الجهلاء أن يُدخلوا العشرات من اتباعهم الى مجلس البرلمان .
المعارضة الحالية فى العراق ليست معارضة حقيقية ، لأن جل ما يفعلونه هى محاولات مستميتة للحصول على كرسي الحكم الذى يعتبرونه غاية وليس وسيلة لخدمة أبناء شعبهم . فهم فى أغلب الأحيان يعرقلون أعمال الحكومة للبرهنة على عدم كفايتها ومن ثم إسقاطها . الناس يتحدثون عن أعمال إرهابية ينفذها مسلحون طبقا لأوامر تصدر اليهم من قادة بعض الأحزاب المعارضة ، كما ثبت مؤخرا من محاكمة المجرم طارق الهاشمي المحكوم عليه بالاعدام . إن رئيس الوزراء متشبث بالحكم وهذا من حقه ، ولكن بالامكان اسقاطه بطريقة قانونية وهى سحب الثقة عنه كما أسلفت ، ولكن لم تتوفرللمعارضة الأغلبية الكافية فلم تستطع حتى إستضافته فى البرلمان . الحكومة ضعيفة بسبب وجود المعارضة فى داخلها ، فهى لا تشبه الحكومات الائتلافية المعروفة والتى تكون غايتها الأسمى هى مصلحة الشعب لا مصلحة الحزب والكتلة . فكيف يستطيع رئيس الوزراء أن يعمل وسط فوضى عارمة مثل التى تحصل فى العراق؟
الاقليم الكردستاني له مطاليب ويهدد بالانفصال اذا لم تتنازل له الحكومة عن المناطق المتنازع عليها ، الكتلة الصدرية ترفض تمرير قانون العفو العام ما لم يشمل بعضا من أتباعها الذين تلطخت أياديهم بدماء ابناء الشعب والقائمة العراقية تريد من ذلك القانون ان يشمل أتباعها من الذين لا يقلون اجراما عن مجرمى الكتلة الصدرية . وهناك أحزاب دينية كبيرة وصغيرة تنادى بتطبيق الشريعة الاسلامية بحذافيرها والتى كانت تسود المنطقة قبل اربعة عشر قرنا ، بينما الخلافات بين الطوائف لم تتوقف منذ ذلك الحين ، فكلٌ يفسر القرآن بحسب هواه ، وينسبون للرسول الكريم أحاديث لم ينطق بها ، وكل طائفة تقول ان الجنة من نصيبها والنار لغيرها . ومنهم من يسهل دخول الغرباء الارهابيين ليقتلوا أهلنا ويخربوا بلدنا طامعين بأن يستقبلهم الرسول الكريم على أبواب الجنة حيث الحور العين والولدان المخلدين، كما أوهمهم من أرسلوهم . ومن المفارقات أن حروبا لا حصر لها أزهقت أرواحا كثيرة نشبت دفاعا عن أديان تدعوا الى الخير والمحبة !.
يريد العراقيون الواعون قيام حكومة علمانية ، لا دخل للدين فى أعمالها ، ولا يريدون مرشدا أعلى يسيطر على كل أمور العراقيين ، ويريدون عودة المعممين الى مساجدهم ويأمرون الناس بالمعروف والنهي عن المنكر بدلا من تفرقة الناس وتحريض بعضهم على بعض ، وان يتوقفوا عن الاستنجاد بالدول المجاورة والبعيدة كما يفعل البعض من السياسيين ايضا . ويريد العراقيون كذلك تعديل الدستور والقوانين لتكون أكثر عدالة وواقعية ، ويطالبون بتنفيذ أحكام الاعدام في من صدرت عليهم الأحكام ، مما سيجعل الإرهابيين يفكرون ألف مرة قبل إقدامهم على أعمالهم الإجرامية ، وسيدرك كل فرد أنه مجزي بالاحسان مأخوذ بالاجرام .
أما الذين يريدون تنحية رئيس الوزراء بالقوة ، فإنى أتساءل عن خططهم لما بعد تنحيته . وهل أدخلوا فى حساباتهم احتمال نشوب حرب أهلية لا تبقى ولا تذر؟ وهل أن أعداد الضحايا التى سقطت فى العراق حتى الآن دون المستوى الذى يتمناه الارهابيون ؟
أما الذين يحلمون بالثورات والانقلابات ويشجعون على القيام بها ويدعون البطولات على صفحات الانترنيت. فإنى أسألهم هل يمكنكم تحمل فقد أفراد من عوائلكم أو من معارفكم ؟ هل تعرفون آلام الجراح التى تصيب البريئين ثم لا يجدون العلاج المناسب؟ هل تعرفون معنى التشرد والعيش كلاجئين فى مخيمات فى الصحراء حيث يشح الماء والطعام؟ هل فكرتم بما يحصل للمرضى ولكبار السن والحوامل والأطفال فى حالات الاقتتال وفقدان الأمن؟ هل فكرتم بجيوش الأرامل واليتامى والمعوقين التى خلفتها الحروب والنزاعات وأعمال الارهاب ؟ إذهبوا الى مخيمات اللاجئين الهاربين من جحيم سورية واستمعوا الى ما يقولون عما أصابهم ويصيبهم . أليس حالهم يسر العدو ويؤلم الصديق ؟ ثم هل تعرفون عن الفترة الزمنية الطويلة التى يتطلبها إعادة تعمير البلد المخرب ؟ وهل يُخفى عليكم أن من سقطوا صرعى من كل الأطراف لن يعودوا؟ ألا تدركون أن معظم قادتنا من حملة جنسيتين أو أكثر قد أعدوا العدة للهرب لخارج العراق والانضمام الى عوائلهم التى ترتع فى بحبوحة العيش هناك ويصرفون من الأموال التى نهبوها من أبناء الشعب المظلوم وسيهربون متى ما شعروا بأنهم خابوا فى مساعيهم الدنيئة ؟ فكروا فى كل ذلك وحكموا ضمائركم ثم قرروا قبل أن تطلعوا علينا بدعواتكم للقتال والجهاد والتشجيع عليهما .
 
أليس التطور والاصلاح التدريجي السلمي أجدى من إسالة الدماء وتخريب البلاد ؟ الشيعة لن يستطيعوا القضاء على السنة ولا السنة على الشيعة ولا الأكراد على العرب ولا العرب على الأكراد ، ومن يُقتل منهم فقد انتهى دوره فى الدنيا ، ومن يعش هو الذى سيعانى الى نهاية أجله اما من فقدان حبيب أو تأنيب ضمير. 
Share |