ضعف المستوى العلمي والثقافي والأداء المهني للمعلم وانعكاس ذلك سلبا على الواقع التربوي/علي عبدالخضر

Sat, 22 Sep 2012 الساعة : 14:32

 

ونحن نقف على أعتاب العام الدراسي الجديد توقفنا جملة من المشاكل التي لازالت تقف عائقا أمام المزيد من التطور والتقدم والنجاح في العملية التربوية والعلمية لأبنائنا الأعزاء ، والتي تستدعي التأمل والدراسة والمناقشة ، وقد يكون أهمها هو ضعف المستوى العلمي والثقافي والأداء المهني لبعض المعلمين والمدرسين وهذا مما يؤسف لذكره ، بيد أن واقع هذه المشكلة الملموس ما يجعل إنكارها ضرب من التغافل عن اكبر المشاكل التي تنعكس سلبا على أداء الطلبة والتلاميذ العلمي والتربوي ، وتزداد حدة هذه المشكلة ودرجة خطورتها لدى معلمي الدراسة الابتدائية وخاصة من خريجي المعاهد ، والمسائية منها خصوصا ، وحسنا تفعل وزارة التربية باتجاهها نحو إلغاء المعاهد وقبول النسبة الأقل من خريجيها للمتقدمين على التعيين فيها .
في حين أن كليات التربية في جامعاتنا تستقبل المعدلات الأقل مما يعني أن اقل المستويات العلمية هم من طلبة تلك الكليات مقارنة بالكليات الأخرى ، أضف إلى ذلك أن التأهيل العلمي في تلك الكليات ليس بالمستوى المطلوب للرقي في المستوى العلمي والمهني لخريجيها ، حيث أن الواقع العام للبلد وظروفه التي مر بها والتي لازال يعاني منها جعلت مشكلة الواقع العلمي والثقافي في تفاقم كبقية القطاعات الأخرى فيه ، وحتما مثل هكذا ظروف توصل أكاديميين غير مؤهلين لقيادة الواقع العلمي في الجامعات العراقية ، وربما المتابع والمطلع على بعض أداء التدريسيين أو الرسائل الأكاديمية يجد في بعضها ضحالة في الهدف والرؤية العامة أو المضمون العلمي ، يحدث هذا فيما تتجه الدولة للتوسع الأفقي الكبير في تأسيس الجامعات والكليات الحكومية والأهلية ووضع الميزانيات التشغيلية والرواتب والمكافآت و الايفادات الكبيرة دون النظر لتأهيل البنى التحتية لتلك الجامعات وللواقع العلمي مما جعل بعض التدريسيين في تلك الجامعات يبحثون عن المكاسب المادية والامتيازات وغيرها من الأمور التي يشجع عليها واقع التعليم العالي اليوم دون الاهتمام بتطوير أنفسهم وطلبتهم علميا ، وللقارئ أن يتصور الدورة البائسة ( تدريسيون غير كفوئين يتخرج على أيديهم مدرسون ومعلمون ضعفاء في المستوى العلمي والأداء المهني ، بدورهم يدفعون بطلبة ضعفاء لتستقبلهم تلك الجامعات وبعضهم يصبح تدريسيا فيها والآخر يعود ليدّرس في المدارس وهكذا ) .
وللواقع المعاش بشكل عام وأبعاده الاقتصادية والسياسية والأمنية ، ضغطه المانع من أن يطور المعلمون أنفسهم ثقافيا وعلميا أو متابعة النتاجات العلمية في مجالات اختصاصهم أو في مجال الثقافة التربوية ، ومشكلة تدني الواقع الثقافي رغم تطور القنوات الثقافية تكنولوجيا والانفتاح الراهن على العالم ، هي مشكلة عامة تشمل كل الشرائح ولها أسبابها وأبعادها وإرهاصاتها ، كما أن لهذه الظروف ذاتها تجعل البعض من المعلمين لا يحبون مهنتهم ويتجهون لأعمال أخرى اغلبها تجارية فيما تكون مهنة التعليم لديهم مهنة ثانوية وللقارئ أن يتصور كيف يتصرف هؤلاء ، خاصة مع ضعف الإدارات المدرسية وضعف المتابعة من قبل دوائر الوزارة المختصة أو المشرفين .
لذا لابد من وضع حلول عملية ومدروسة ومن خلال البيانات والاستبيانات و الاحصائات الموثوقة التي تكشف عن مواقع الخلل بوضوح ودرجات التقدم أو التراجع في هذا المقطع أو ذاك ، وتعاون وزارة التربية مع الوزارات الأخرى وخاصة التعليم العالي ووزارة الثقافة ومع الجهات المعنية في الدولة ، وكذلك مع منظمات المجتمع المدني والمنظمات الدولية المعنية ، وهنا أضع جملة من التصورات لحل هذه المشكلة :
أ – الاهتمام العام بقطاع التربية والتعليم في البلد وجعله في أولويات سلم الاهتمامات من قبل الدولة .
ب – قبول ذوي المعدلات العالية من خريجي الدراسة الإعدادية في الكليات التربوية ، والاهتمام الجاد في تلك الكليات لتأهيل الطلبة بأعلى المستويات العلمية وهذا لا يتحقق إلاّ من خلال متابعة وزارة التعليم العالي والإشراف على سير التدريس والمستوى العلمي فيها وتحسين المناهج بما يواكب التطور العلمي والثقافي والتكنولوجي الحاصل في عالمنا اليوم ، وتشجيع الطلبة على الابتكار والإبداع والمتابعة من خلال برامج واقعية وشاملة تشجع وتتيح الفرص لأغلب الطلبة ما لم يكونوا كلهم .
ج – وضع شرط المعدل كأساس مهم في التنافس لتعيين المعلمين والمدرسين وان يكون الشرط الآخر في ذلك هو الكفاءة الفكرية والنفسية والثقافية من خلال إجراء المقابلة على أسس وبرامج علمية من قبل مختصين .
د – تأهيل المعلمين والمدرسين علميا وثقافيا من خلال الدورات والبرامج والمؤتمرات وإتاحة الفرص للدراسات العليا والبعثات و الايفادات العلمية والتشجيع على المشاركة البحثية وصنع القرار التربوي ، على أن يكون ذلك وفق مبدأ تكافؤ الفرص للجميع وان لا يتحول ذلك إلى فرص للامتيازات للمقربين من المسؤولين مما يجعل الشعور بالإحباط و اللاجدوى لدى اغلب المعلمين ما ينعكس سلبا على أدائهم المهني .
هـ - منح المكافآت المجزية للمتميزين والاهتمام بالجانب المعاشي للمعلمين والمدرسين الذين هم في الواقع اقل من بقية الشرائح المهنية من حيث الراتب والامتيازات ، وهم مسؤولون عن بناء الجيل لمدة 12 سنة ، فيما يكون منتسبو وزارة التعليم العالي أوفر حظا من حيث الراتب والامتيازات وهم لا تتعدى مهمتهم مع الذين استقبلوهم من الطلبة سوى 4 سنوات ( إن صحت هذه المقارنة ) .
و – الجدية في المتابعة للإدارات وأداء المعلمين ومعالجة وتصحيح الأخطاء والسلبيات ، على أن يكون الهدف الأساسي هو خدمة العملية التربوية ومساعدة المعلمين في تجاوز المعوقات والمشاكل وتطوير أداءهم .
وربما هناك أسباب أخرى لضعف المستوى العلمي والمهني والثقافي لدى بعض المعلمين ، ومن المؤكد أن الدوائر المعنية في وزارة التربية أو الجهات المعنية في مجال التربية والتعليم في الدولة لها رؤيتها وتشخيصها وحلولها التي اعتقد إنها تحتاج للجدية الكافية لوضعها موضع التطبيق ، وفي كل الأحوال لا ينكر أن هناك صور ومواقف مشرفة وناجحة وتدعو للتفاؤل لعدد كبير من التربويين ، بيد أن طرح هذه المشاكل يعني أن نكون صريحين في تشخيص السلبيات والحث على معالجتها وتقليل مخاطرها على الطلبة والتلاميذ بل ومستقبل البلد برمته . 
Share |