قبس من حياة السيدة فاطمة المعصومة(عليها السلام) !!/عبدالامير الخرسان

Fri, 21 Sep 2012 الساعة : 22:37

 

لقد أطلّت علينا ذكرى ولادة السيدة فاطمة المعصومة بنت الإمام الكاظم (عليهم السلام) تلك السيدة الجليلة القدر العظيمة الشأن .. العالمة والمحدثة .. العابدة والزاهدة .. الأستاذة والمربية .. الأسوة والقدوة .. لقد باركها أبوها الإمام الكاظم (ع) واكتنفها برعايته وتولّاها بعنايته ولطفه .. كان أستاذها ومربيها .ومعلمها ومرشدها .. ولكن هارون العباسي لم يدع الإمام الكاظم (ع) وشأنه في مواصلة إمامته وأعماله الربانية من تدريس وتعليم ومسئوليات وتصدي للواقع الفاسد وإصلاح الأمة الإسلامية وحفظ بيضة الإسلام وصيانة العقيدة الإسلامية من التحريف والتشويه من قبل الفلسفات الدخيلة والمشبوهة والاهتمام برعاية المجتمع والنظر فيما يحتاج إليه من ثقافة أو علوم أو صيانة أو رفع مستوى معيشته .. فأرسل عليه من المدينة إلى بغداد وأودعه في السجن خوفا من الانقضاض عليه وعلى سلطانه لأنه كان يعلم جيدا أن الخلافة ليست من حقه وإنما هي من حق الإمام الكاظم (ع) وبعد ذلك قضى على الإمام(ع) بالسم فمضى شهيدا ليلتحق بركب جده رسول الله وأبيه أمير المؤمنين علي(صلوات الله وسلامه عليهم)عند الرفيق الأعلى في جنة الخلد ..
تولى رعايتها والاهتمام بشئونها بعد أبيها أخوها الإمام علي الرضا (ع) المدفون بأرض طوس أرض الغربة والهجرة والبعد عن الأهل والأحبة .. ولهذه الرعاية أثر كبير في حياتها حيث غدت عالمة فقيهة وأستاذة مرشدة وقدوة للنساء والرجال في العلم والمعرفة .. والطهارة والعفة والشرف .. والزهد والتقوى والفضيلة الكمال .. كما كانت جدتها فاطمة الزهراء (عليها السلام) مثال الإنسانية والتقى والهدى والعلم لأنها المحدّثة من قبل الملائكة وكانت تستقبل النساء في بيتها لتعليمهن الفقه والتفسير والعقيدة والأخلاق لينشأ جيل أسلامي مربي ومرشد وفاعل في الجماهير ليبقى الإسلام له أساتذته وفقهاءه ومربيه من النساء والرجال ممن تخرجوا على يد النبي (ص) أو الإمام أو نساء البيت العلوي الطاهر المكلل بالعصمة والقدسية والوحي .
لقد كانت السيدة فاطمة المعصومة(ع) نسخة من جدتها الزهراء عليها السلام في حياتها حيث قدمت الكثير للإسلام والمسلمين ودرّست الكثير من النساء وخرجت الكثير من مربيات الأجيال الإسلامية التي حملت مشاعل الإسلام النورانية بيد من حديد ودافعت عن الإسلام ومقدساته ورموزه وأئمته خير دفاع وحافظت عليهم خير حفاظ . وما هذه الانتفاضات الشعبية الجماهيرية الثائرة ضد النظم الفاسدة التي تدّعي ظلما أنها إسلامية إلا تربية أئمتنا (عليهم السلام) ونسائهم وبناتهم كما قال العلامة كاظم اليزدي (رحمه الله) لا عذّب الله أمي أنها شربت حب الوصي وغذتنيه باللبن وكان لي والد يهوى أبا حسن فصرت من ذي وذا أهوى أبا حسن !! فكانت خريجة مدرسة أهل البيت الإسلامية والإنسانية .. تحدّث عن آبائها وتنطق عن روح القدس .. وقد حدّث عنها الكثير من العلماء والرواة والمحدثين .. وقد وردت في الروايات إن قوما جاؤوا للاستفسار عن مسائل فقهية إلى بيت أبيها الإمام الكاظم (ع) فلم يجدوه فأرسلت جاريتها إليهم لجلب المسائل وكتبت تحتها الأجوبة كاملة وانصرفوا وفي الطريق قابلهم الإمام الكاظم (ع) وقصّوا عليه القصة فأخذ منهم المسائل ورأى صحة الأجوبة فقال فعلتها فداها أبوها يكررها ثلاثا ..
لقد ورثت السيدة فاطمة المعصومة (ع) الزهد والروحانية من آبائها فكانت كثيرة العبادة دائبة على الذكر والتسبيح والتهليل وقراءة القرآن والتضرع إلى الله بالطاعة والدعاء تطلب عفوه ورضوانه والقرب منه تعالى فاستحقت لقب المعصومة بشهادة أخيها الإمام علي الرضا (ع) لأنه لقبها بهذا اللقب وشرفها بهذا الشرف عن استحقاق وأهلية أهّلتها لنيل درجة العصمة ولا يحصل على العصمة إلا الأنبياء والمرسلين والأئمة (سلام الله عليهم) .
لقد كانت الزاهدة في الحياة شديدة الزهد لا تقترب من الدنيا وحطامها ولا تتأثر بالجاه والمنزلة التي حباها الله لهم , بل كانت تفضل حياة البساطة والتواضع والاهتمام برعاية النساء وتعليمهن القواعد الإسلامية الصحيحة فهي بحق قدوة النساء ليقتدين بها ويسلكن سلوكها ويلتزمن طريقها المستقيم الطريق الإلهي المقدس كما قال تعالى (وهذا صراطي مستقيما فاتبعوه ولا تتبعوا السبل فتفرق بكم عن سبيلي ) .
لقد تفاعلت السيدة المعصومة مع أخيها علي الرضا (ع) فلم تستطع فراقه أو الابتعاد عنه لأنه كان بمثابة والدها يحنو عليها بأخوّته وحنانه وعطفه ومحبته ولكن يد الظلم والجور طالت مرة أخرى على أخيها الإمام الرضا (ع) لتستدعيه إلى خراسان بحجة توليته الخلافة أو ولاية عهد المأمون . ولكن الامام رفض رفضا قاطعا ولم يرضى بولاية العهد الا تحت الضغط والتهديد بالقتل فقبل بالولاية على ان لا يولّي ولا يعزل ولا يتدخل بشئون الدولة السياسية حتى لا يعطي الشرعية لخلافة المأمون ومن يأتي بعده من العباسيين .. لأنه في حالة تولّيه الخلافة لا بد أن يعقدها من بعده للمأمون وهذا لا يمكن لأنه خلاف الشريعة المقدسة وإذا تولى النيابة او ولاية العهد ووافق على خلافة المأمون صار شريكا له في ظلمه وحاشا للامام ان يكون شريكا للظالم أو معينا له فشرط شروطه لولاية العهد ان لا يولّي ولا يعزل لا من قريب ولا من بعيد حتى انه لم يعط صوته للمأمون . لكن المأمون سكت عنه وتغافل أمره لأنه يريد ان يمتص ثورات العلويين والشيعة بهذه الولاية ومن ثم يغدر بالامام ويقتله وينتهي الأمر حسب رأي المأمون العباسي المادي . والإمام يعلم بذلك وهو القائل (اني الشهيد في رحلتي الى طوس) .
ان المعصومة لم تقر لها عين أو يهدأ لها بال بعد رحلة أخيها الامام (ع) فسافرت مع قافلة تضم خيرة أخوتها وبني عمومتها لحمايتها الى أخيها الرضا (ع) لكن في الطريق تعرض لهم الجيش العباسي وحدثت معركة ضارية بين الطرفين راح ضحيتها الكثير من قافلة السيدة المعصومة ولم يبقى معها الا القليل فمرضت بالطريق ولم تستطع مواصلة السير الى خراسان فذهبت الى قم المقدسة واستقبلها أعيان الشيعة وجماهير قم المقدسة ونزلت في دار (موسى بن خزرج بن سعد الأشعري) وبقيت سبعة عشر يوم مريضة عليلة ثم توفيت رحمها الله ودفنت في دارها التي وضعها لها (موسى بن خزرج) وضجت عليها قم وصرخت صرخة واحدة ألا لعنة الله على الظالمين .
ان السيدة المعصومة لم تتزوج بسبب الحصار الذي فرضه العباسيون على الإمام الكاظم والإمام الرضا (عليهم السلام) فلم يستطع أحد من المسلمين ان يقترب منهم ويخطب من بناتهم لأنه يعرض نفسه للقتل والتصفية هو وعائلته فتحاشت الناس الاقتراب من بيت الإمام المقدس الطاهر خوفا على أرواحها وهذه تسجل من ضمن نقاط الظلم والجور والمصائب والكوارث التي أحدثها النظام العباسي بحق أهل بيت رسول الله (عليهم السلام) . ويبقي هذا البيت مظلوما حتى خروج سيدنا ومولانا صاحب العصر والزمان ناشر راية العدل والهدى ومظهر الحق والصدق وطامس أعلام الظلال والجور بإذن الله تعالى رزقنا الله وإياكم نصرته والاستشهاد بين يديه انه قريب مجيب ..
لقد كانت حياتها شبهة بحياة الزهراء (عليها السلام) من حيث الوفاة أيضا لأنها توفيت من أثر مرارة قتل أخوتها وأهلها وغربتها وظلامتها فجعلها الله علامة ومثوى ورمز للزهراء (ع) فزيارتها تعتبر زيارة للزهراء (ع) لأن قبر الزهراء أخفته عن الأنظار لتجعله حجة على من ظلمها وآذاها .. ومن زارها وجبت له الجنة كما هو قول الإمام الرضا عليه السلام ..
سلام عليها يوم ولدت وسلام عليها يوم استشهدت وسلام عليها يوم تبعث فتشفع لشيعة جدتها الزهراء ومحبيها .
والحمد لله رب العالمين والصلاة وأزكى التسليم على نبينا محمد وآله الميامين المعصومين ...
Share |