الرؤية الكــــــــونية التوحيدية/محمد خالد السبهان

Fri, 21 Sep 2012 الساعة : 20:05

 

تنقسم الرؤية الكونية إلى رؤية كونية إلهية ورؤية كونية مادية, والأُولى تتبنّى الإعتقاد بوجود الله سبحانه وحاكميّته المطلقة على عالم الإمكان كشرط أوّلي و أساسيّ في رسم هذه الرؤية, وتتفرّع عليه جملة من المطالب والمعارف العقدية المتعلّقة بالعدل والنبوة والمعاد , وفي طول هذه المعارف الأولية تندرج المسائل العملية المسمّاة بفروع الدين.
 
وأمّا الرؤية الكونية المادّية فإنّها تقدّم خطوطاً بيانيّة أُخرى تفسّر في ضوئها وجود العالم وحركته تفسيراً مادّيّاً صرفاً [1],فلا نافذة للقوى الغيبية ـ إجمالاً وتفصيلاً ـ في صيرورة العالم فضلا عن التصرّف فيه.
 
والذي يهمّنا في هذه السطور هو الرؤية الإلهية لا المادّية وبيان مدخلية القرآن في رسم هذه الرؤية.
 
إنّ القرآن الكريم قد وضع في سلّمه المعرفي كمّاً كبيراً من النتائج المعرفية على صعيدي التحقيق والتحقّق [2] معاً لتحقيق هدفه المعرفي الغائي الذي به تكتمل الرؤية الكونية الإلهية ممّا يعني أنّ الرؤية الكونية الإلهية لا تنفكّ أبداً عن المعطيات المعرفية القرآنية. وهذه المعطيات المعرفية تعتمد في استجلائها على العملية التفسيرية , وحيث أنّ العملية التفسيرية تتقوّم بعدّة أركان وتتصف بعدّة مزايا يعسر الوقوف عليها في هذه الإطلالة القصيرة فإنّنا سوف نقف عند جملة من متعلّقات ونتائج العملية التفسيرية لبيان مدخلية القرآن في رسم الرؤية الكونية الإلهية.
 
إنّ القرآن الكريم بصفته كتاب هداية أولاً وبالذات يكون قد أُخذ فيه المتبنّيات الأساسية التي تقوم عليها حياة الإنسان بصفته عالَما صغيراً على نحو خاص ,و المتبنّيات الأساسية التي يقوم عليها عالم الإمكان بصفته إنساناً كبيراً على نحو عام .
 
فإنّ الهدايتيـّة القرآنيّّة لم يًـقْـصر دورها على العالم الصغير ـ الإنسان ـ وإنّما تعدّى ذلك إلى المفردات الوجودية الأخرى, ولكن كلّ بحسبه .
 
بمعنى أنّ السعة المعرفية في خطابية النصّ القرآني قد استوعبت المفردات الوجودية الإمكانية جميعاً, وإنَّ المخاطب له ـ عموماً ـ هو كلّ من شمَّ رائحة الوجود وإنْ كان متمحِّضاً في عالم المادة نزولاً أو كان متمحّضاً في عالم التجرّد صعوداً.
 
وفي ضوء ذلك سوف تبدأ الخطوط البيانية الأولى للرؤية الكونية القرآنية بالظهور شيئاً فشيئاً.
 
ومن الواضح أن هذه الرؤية الكونية الأعلائية سوف لن تكون بحدِّها التامّ طيّعة التناول حتى لأهل التحقيق فضلاً عن أهل التحقّق إلاّ بتوفّر مجموعة كبيرة من الشروط والضوابط والمؤهّلات والاستعدادات.
 
وهذا التمنّع المعرفي إنما أردنا به الصورة التامّة أو الحدّ التام لتلك الرؤية ممّا يعني أنّ أبواب المراتب الأدنى سوف تبقى مشرعة أمام الجميع، وكلّ بحسبه وفقاً لضوابط المراتب في سلّم التكامل المعرفي.
 
أمّا الصورة التامّة بحدّها التام فإنّ شرطها الأوّل الذي لا مناص منه هو العصمة المطلقة.
 
وأمّا المراتب الأخرى فإنّ كلّ مرتبة منها تمثّل الانعكاس الفعلي للمرتبة الكمالية التي عليها الإنسان.
 
ممّا يعني أنّ الرؤية الكونية الإلهية الفعلية سوف تكون انعكاساً لما عليه واقع الإنسان معرفياً ومعنوياً.
 
فإذا ما تأكّد لنا أنّ الرؤية الكونية الإلهية لا تنفكّ أبداً عن معطيات المعارف القرآنية فإنّه سوف يتجلّى أمامنا بمقدار معتدّ به ما عليه كلّ واحد من مراتبيّة الرؤية الكونية. بمعنى أنّنا في ضوء ما نتوفّر عليه من المعارف القرآنية سوف تتحدّد وتتحيّد رؤيتنا الكونية الإلهية.
 
ولا ريب أن هذه النتيجة العظيمة والحقيقة الأعظم سوف توفّر فينا دواعي البحث وجدّية التعاطي مع هذا الموقف الاستثنائي في حياة الإنسان.
 
فاذا ما اتّضح لدينا ـ بمقدار ما ـ ما عليه القرآن الكريم من مكانة رفيعة فإنّه سوف تتجلّى أمامنا معطيات كثيرة تفرّدت بها جملة من كلمات العترة الطاهرة (عليهم السلام) في خصوص القرآن الكريم نستذكر منها كلمة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام) حيث قال: (لقد تجلى الله لخلقه في كلامه ولكن لا يبصرون)[3].
 
وغير خفي على أهل اللفظ ما يشكّله القَسَم المشار إليه من خلال اللام الموطّئة له في قوله (لقد)، كما أنّه غير خفي على أهل المعنى حقيقة ونوع التجلّي الإلهي في كلماته.
 
ولنا أن نسأل: إذا كان هذا الدور الأعظم يتبوّؤه القرآن الكريم المسمّى في جملة من الروايات بالقرآن الصامت فما هو الدور الذي يتبوّؤه القرآن الناطق ؟.
 
هذا ما نأمل الوقوف عنده في حلقات أخرى، ولله الأمر من قبل ومن بعد.
 
وصلى الله على سيدنا محمّد وآله الطاهرين .
Share |