علي وعمر/محمد عبد المجيد العبادي

Fri, 21 Sep 2012 الساعة : 17:10

 

انهما اسمان ما ان سمعهما أحد ترادفت الى عقله معاني العداء والحقد والخصمومة فمحبي عليا يكنون لغريمه الكره ويمطرونه بوابل من الشتائم واللعنات ومثل ذلك محبي عمرا . بل ان دماءا سالت عبر التاريخ بسبب العداء المزعوم بين علي وعمر .
اني أتساءل أي داهية نجح في تأليف هذا الصراع الذي أخذ بالاتساع كلما تقدم الزمان ؟ وما هي مصلحنه في تأجيج هذا العداء الأزلي ؟
ان عليا رجل ثوري تسري أصول الرسالة المحمدية في عروقه فقد أفنى حياته المباركة في سبيل اعلاء كلمة الله وجاهد منذ صغره حتى فاز بالشهادة في ارساء المبادئ التي جاء بها ابن عمه الرسول الأكرم محمد صلى الله عليه وآله فهل يحق لنا أن نحجم دور هذا الرجل العظيم في معنى ضيق من الخلاف بينه وبين عمر ؟ ان عليا أكبرمن أن نجعل تاريخه وثورته على الظلم والتخلف والجاهلية من صراع بينه وبين رجل نازعه الخلافة ؟ يقيني ان عليا بما نعرفه عنه بالشجاعة والاقدام والصارم بالنزال لو ان الخلافة تشكل له هاجس الثورة لاستلها من عمر كما يستل سيفه من غمده , ولا أظن ان أحدا يخالفني ان مكامن القوة والصلابة التي كان يملكها علي ليس عسيرا عليه أن يحول بين عمرا أو غيره وبين الخلافة . ومن خالفني فهو جاهل بحقيقة علي (ع)
ان عليا عملاق يملئ الآفاق بثورته المتأججة وبعلمه وتقاه وشجاعته وعدله , وعطاؤه ممدود فهل من العدل أن لا يتم عطاؤه الا من خلال خلافة زائلة كما زالت خلافة من سبقه ومن تلاه ؟
ان ما كان يهم عليا في تلك الفترة العصيبة من الاسلام بعد وفاة رسول الله (ص) هو الاسلام والقضاء على أعدائه اللئام الذين يتربصون به الدوائر أما الخلافة فلا تتعدى في نظر علي الا صورة من صور الرئاسة . وهنا أود أن انبه الى حقيقة مهمة . ان دور علي في حياة الرسول كان عظيما وهو الذائد عن الاسلام وبسيفه شق صفوف الأعداء حتى قال الرسول (ص) ما انتصر الاسلام الا بسيف علي . فما الذي كان يدفع عليا الى تحقيق كل ذلك الكم الهائل من البطولات والمفاخر التي تملئ التاريخ عبقا وفخرا غير روحه الثورية التي كان يدركها رسول الله حتى وصفه بسيف الله الغالب وأسد الله في غابة الشرك ؟ . لقد كان عليا ثوريا منذ نشأته في حياة الرسول (ص) وبعد وفاته ولو كانت الخلافة تؤجج من ثوريته وغيرته على الاسلام لما استطاع أحد أن يخالف ارادته ولأمكن من نيلها . أنا لا أنكر ان هناك ثمة مؤامرة دبرت بليل ولكن هذه المؤامرة لعب أدوارها الصغار وبقى علي يلعب الدور الخطير والكبير والمهم من حياة الاسلام .
دعونا نركز على ثورة علي ضد الظلم والتعسف والطغاة لا أن نحصر تاريخه المجيد في زاوية ضيقة من خلاف ألف فصوله المنتفعين من صدى ذلك الخلاف
ان أول المنتفعين من اذكاء روح العداء بين علي وعمر هو معاوية ومن جاء بعده من بني أمية .
لقد كان علي موضوعيا وتفاعل مع الأمر الواقع وأحاط بكل تفاصيل المؤامرة واستمرت ثورته في مقارعة أعداء الاسلام . لقد كان علي أكبر من العداء المزعوم بينه وبين عمر . وأعظم من أن نطوي حياته بخلاف على رئاسة . ومن لم يقتنع بكلامي هذا فلينظر الى وحي الثورة العلوية التي قضت مضاجع الظالمين في زماننا هذا وكل الأزمان . لقد بذر علي بذرة الثورة فنمت وتأججت عبر التاريخ . لقد كانت ثورته الصرخة المدوية بوجه الطغاة في كل حين ولذلك نرى الأعداء يسعون في كل زمان الى اخماد تلك الثورة التي كتب لها الخلود ولم نقرا يوما في التاريخ خلافا حقيقيا بين علي وعمر الا ما نقرأه اليوم من كتب اوجدت هذا الخلاف وجدت في تأجيجه واستوحت من الجدل الدائر حول ذلك الخلاف انطلاقا في تأليف الروايات التي لا تخدم الا أعداء الاسلام . كنت أتمنى من أصحاب هذه الكتب أن يركزوا على العداء بين علي ومعاوية لأن الأخير كان هو العدو الحقيقي لعلي والاسلام وهو من أذكى ذلك العداء بين علي وعمر. لقد نال عمر الخلافة وعلي كان أحق بها ولكن هناك ثمة أمر في غاية الأهمية في خاطر علي كان أجدر أن يلتفت اليه أكثر من الخلافة وهو مصير الاسلام . ولما صار الأمر لعمر وجد علي في ذلك الرجل ما لايخشى منه على الاسلام فكان معوانا له ووزيرا ناصحا
ان التاريخ يقر أن لا مقارنة بين الرجلين وأعتقد ان عمرا كان يدرك ذلك جيدا وأقر به من خلال الاشارات الواضحة في أقواله (( لولا علي لهلك عمر )) (( ما من معضلة الا ولها أبا الحسن )) (( لا يفتين أحدكم في مسجد وأبا الحسن حاضر )) .
ان الفرق بين علي وعمر أن عمرا أضحى خليفة ولما قتل انتهى أمره . أما عليا فكان ثائرا ولما استشهد بدأت ثورته في التوقد والاتساع حتى ملئت الأرجاء فاهتزت عروش لصداها وأخرى على الأثر . أن عمرا قارع الظلم في حياته ولما قتل استبشر الظالمون خيرا . أما علي جاهد لرفع الحيف عن المظلومين وما زالت حكومته تداهم الظالمين أينما حلوا وسوف تستمر الى ما لا نهاية .
ان الخلاف بين علي وعمر لا يعدو فترة وجيزة من الزمان بسبب الخلافة سرعان ما تلاشى حين تمثل في وجدان الامام مصير الأمة . ولكن المنتفعين من تأجيج هذا الخلاف واختلاق الروايات عنه جعلته خلافا أزليا
ان الحديث في هذا الموضوع طويل جدا وأجزم ان ما أكتبه لا يعجب الكثرين من القراء لأنهم متأثرين بما يروجه المنتفعين ولكن ما أطلبه أن يتحرر القارئ الكريم من العوالق التي تحجب الحقائق وأن ينظر الى أعظم رجل بعد الرسول الكريم محمد (ص) كثائر أرعب طغاة التاريخ لا كرجل سلبت منه الخلافة .. والبقية تأتي في مقالات جديدة
Share |