الخوف من الحسد وافراطه عند البعض/معد البطاط

Mon, 17 Sep 2012 الساعة : 2:57

 

بسم الله الرحمن الرحيم
في هذا الموضوع نتواصى مع الاخوة والاخوات الذين يخافون من الحسد كثيرا ونبين لهم بعض المحاذير الشرعية والعرفية في الموضوع آمل ان يستفيدوا منه وسيكون بعدة نقاط:
1-علامة هؤلاء: الكثير من الاخوة يتصورون ان تصرفهم طبيعي وانهم لا يخافون كثيرا ولذا نضع بعض العلامات ويقيس كل منا نفسة, مع ملاحظة ان الخوف من الحسد أمر نسبي فالبعض شديد الخوف والبعض اخف منه وهكذا.
من تلك العلامات, يحذر ذويه من الحسد , ومنها اذا حدث مكروه يضع الحسد بصدارة الاسباب , ومنها اخفاءه الكثير من نعم الله عليه خوفا من الحسد , ومنها اذا ذكر احد شئا من نعم الله عليه يتضايق ويخشى ان يصيبه شئ.
2-العين والحسد والفرق بينهما: هناك نصوص وأدعية تذكر العين ومنها تذكر الحسد, فما هو الفرق؟
الحسد هو تمني زوال نعمة الغير , اما العين فتكون مؤثرة من البعض على الشئ اذا اعجبه وتعجب منه وغالبا ما يكون بعد ان يتكلم بكلمات تعجب وللمثال ما نقل عن قيس بن سعد بن عبادة بعد ان القى ثيابه ليغتسل قال شخص"ما رأيت كاليوم ولا جلد عذراء " فتمرض سعد حتى روي ان النبي(ص) قال" علام يقتل احدكم اخاه الا بركت" أي يقول مثلا بارك الله فيه, ولذا يستحسن ان يبارك الانسان اذا اعجبه شئ اما من يرى من نفسه وعينه الضرر فلابد ان يبارك حتى لا يضر الاخرين ومن كسر مؤمنا فعليه جبره ويتحمل اثم ذلك الضرر.
وقيل في الفرق ان العين اخص من الحسد يعني كل عين حسد وليس كل حسد عين, فالحاسد لا يؤثر على من يحبه ولكن العائن يؤثر حتى على من يحبهم, والعائن لا يؤثر الا على من كان حاضرا معه ولكن الحاسد ربما يحسد من لم يعرفه.
وقيل ان التعوذ من الحسد وشره هو ان الحاسد ساخط على انعم الله ويتمنى الشر ويتحرق قلبه لازالة نعمة الاخرين ومثل هكذا انسان باطنه خبيث لا يتورع ان يقوم بافعال واعمال ليضر بها الاخرين حتى رووا ان احدهم امر عبده ان يقتله ويلقيه فوق بيت جاره كي يتهم بقتله.
وقيل في العين ان النفس الشريرة تكون معها الشياطين فتضر من يعاينه, وقيل ان هناك شعاعا يخرج من العين ليصيب الآخرين والله العالم.
3- ذم الحسد و حقيقة وجودة
 
وجود الحسد او العين حقيقة لا غبار عليها فقد اكدها القرآن الكريم والسنة الشريفة , واثبتها الواقع فلا يخلوا جيل من هؤلاء.
 
عن النبي صلى الله : إن العين لتدخل الرجل القبر ، والجمل القدر
 
وقد جاءت روايات كثيرة تذم الحسد وللمثال:
 
عن أبي عبد الله ( ع) قال : قال رسول الله ( ص ) : قال الله عز وجل لموسى بن عمران ( ع) : يا ابن عمران لا تحسدن الناس على ما آتيتهم من فضلي ولا تمدن عينيك إلى ذلك ولا تتبعه نفسك فإن الحاسد ساخط لنعمي ، صاد لقسمي الذي قسمت بين عبادي ، ومن يك كذلك فلست منه وليس مني. الرواية صحيحة الإسناد.
 
فالحاسد مضافا الى أنه غير راض بقسم الله بين عبادة فهو كالبوم يبحث عن الخراب , عن امير المؤمنين ( عليه السلام ) : الحاسد يفرح بالشرور ويغتم بالسرور.
 
الله سبحانه وملائكته والصالحون يريدون الاعمار وتقديم الخير , والحاسد يريد الدمار والشر وزوال النعم , وهذا يدل على رذالته وخبث سريرته ورجاسة نفسه.
 
وقد سمعنا القصص المتواترة عن تأثير ذلك, وللمثال اذكر مضمون قصة نقلها صديق والدي عن شخص رأى دجاجة وصغارها يتبعنها فنظر هذا الشخص وقال (استاعد) وهذه الكلمة يقولها مدرب الجيش حينما يأمرهم بالاستعداد اي انه مثلهم بالسرية التي تتدرب وتمشي بنسق واحد فأصابتهن عينه ومات الواحد تلو الاخر .
 
ولكن هذا لا يعني ان كل الناس كهؤلاء والدليل على بطلان ذلك ان مثل هؤلاء يصيبون الجميع بيد انا نجد كثيرا من الاحباء يتغزلون بجمال ما يحبون ويتعجبون من ذلك ويصفونه بإطناب ولا يصيبهم شئ خلافا لهؤلاء الذين يملكون خاصية العين.
4- الأفراط في الخوف من الحسد
هناك فئة من الناس يخشون من الحسد فلا يقع عليه مكروه الا قال حسدوني واذاخسر عزا ذلك الى الحسد وكأن المكاره والفشل في الحياة لها اسباب ولكن بطل هذه الاسباب واشدها والذي تنطوي تحت لواءه الجميع وتتفرع منه المكاره هو الحسد , واذا تكلم احد بكلمة قال هذا حسدني(يحسبون كل صيحة عليهم)واذا زارهم احد وانكسر مثلا شئ قال حسدني الضيف وهكذا.
 
وهناك فئة أخرى يتصورون ان الناس ليس لهم عمل الا مراقبته وكأنه يملك الجمال كله والاخرون مساكين فينظرون اليه بعين حاسدة ويفتشون عن آلاء الله عليه, ومثال هؤلاء ما جرى بين قريب لي وابنه وكان الابن ليس على ما يرام والاب غير راض عن بعض تصرفاته ومضمون القصة ان الابن وضع خاتم ذا فص ازرق في يده فقال له ابوه لما هذا فقال له -في اللهجة الدارجة-(حتى لا انحسد فقال الاب طيح الله حضك وحض من يحسدك).
 
وهناك فئة تتكتم ولا تتكلم حتى عن ابسط الاشياء وحتى لاقرب الناس, فيعيشون في دوامة السرية في معاملاتهم ووجل انكشاف تحركهم.
 
وهذه ظاهرة غير طبيعية ولها آثار شرعية واجتماعية نشير الى بعضها:
 
فمن الاثار الشرعية
 
البهتان وسوء الظن: يتولد من ذلك الوقوع في بهتان الآخرين او سوء الظن المحرمين فبما ان المكاره لها اسباب عديدة فاذا وقعت وحملها الشخص على انها بسبب حسد فلان فيكون ذلك حكما ظنيا والظن لا يغني عن الحق شيئا هذا اذا كان الشحص الاخر معروف ان عينه تصيب الا اذا كان هناك يقين , اما اذا كان هذا الاتهام موجه لشخص ليس بحاسد او عائن فهذا بهتان عظيم قال تعالى: " والذين يؤذون المؤمنين والمؤمنات بغير ما اكتسبوا فقد احتملوا بهتانا وإثما مبينا "
 
عن الإمام الصادق ( عليه السلام ) : (من بهت مؤمنا أو مؤمنة بما ليس فيه بعثه الله في طينة خبال حتى يخرج مما قال ، قلت-الراوي- : وما طينة الخبال ؟ قال : صديد يخرج من فروج المومسات )المومسات اي الفاجرات
 
الكراهية لأخوانه المؤمنين: يتولد من ذلك ايضا وجود الغل والكره لاخوانه كونه يعتبرهم السبب في زوال نعمه بحسدهم له , وهو مأمور بمودتهم.
 
الوقوع في الكذب : فمن يتكتم على أموره يضطر احيانا ان يكذب حتى يطرد العيون كما يقال ولا يتكلم بالحقيقة , او انه يكذب حينما يظهر امره لأصدقاءه او أرحامه فيلومونه كونه لم يخبرهم ليبرر ما ارتكبه.
 
الاعتداء على العائلة: ربما يصل الامر عند البعض ان يعتدي على ذويه عندما يكشفون شيئأ من شؤنهم فهم يعتبرون ذكره أمرا طبيعيا وهو يخشى-او تخشى- من الحسد فيقع الصدام.
 
مخالفة القرآن: قال تعالى: "وأما بنعمة ربك فحدث"
 
عن الصادق (ع ) قال : إذا أنعم الله على عبد بنعمة أحب أن يراها عليه.."
 
ولكن صاحبنا يقلب الاية عمليا وكأنها تقول واما بنعمة ربك فلا تحدث.
 
هذه بعض الاثار الشرعية وإليك
 
بعض الآثار الاجتماعية:
 
منها: ان الأصدقاء لا يشتهونه ولا يرغبون بزيارته-او زيارتها- ولا يأنسون بمجالسته واذا جالسوه تراهم في قلق مستمر يخشون ان يتكلموا بكلمة بدون قصد ويحدث شئ فيعتبرهم حسادا له واذا زاروه فايديهم على قلوبهم لئلا يسقط طفل او ينكسر شئ فيرد سبب ذلك بنظره الى حسدهم اياه, ومثل هؤلاء لا تميل أليهم الطباع وتنفر منهم النفوس.
 
واذا كان متكتما على اصدقاءه فالصديق يحلل الموقف ويقول اما ان يتهمني بالحسد او يعتبرني غير قريب عليه ولذا لم يخبرني, ومثل ذلك يبعد الاصدقاء ويؤذيهم خلافا لمن يخبر اصدقاءه بخصوصياته وافراحه ومسراته فذاك يحسسهم بالقرب منه .
 
ولو نظرنا الى الشريعة لوجدناها تحث على الأستشارة فقد ذكروا ان من احد محاسنها هي التآلف وزيادة المحبة فالأنسان الذي تستشيره اضافة الى الاستفادة من رأيه تحسسه انك مهم عنده ومقرب أليه ولذا أقدم على استشارتك.
 
ومن الغريب حقا ان البعض يتكتم حتى على الأمور الطبيعية مثل السفر.
 
ومنها تقصيره في الحقوق:
 
للرحم حق وللصديق والجار كذلك ومن كان لديه نعمة ينبغي عليه وصل اخوانه او تشغيلهم او اخبارهم مثلا بحله وترحاله ومن كان متكتما شديد التحرز من الحسد يقصر في هذه الحقوق وغيرها
ومنها انه يقلب حياته الى تعاسة ولا يذوق طعم الراحة , فهو من باب يخشى من ان تعرف الناس وتحسده ومن باب يعمل على ستر ذلك فلا يلتذ بما يملك كالآخرين فلم يعش مطمئنا كغيره من الناس.
5- عدم التوقي من الحسد
وعلى العكس تماما نجد البعض لا يعترف بالحسد ولا يتوقى منه , وهذا امر خاطئ ايضا فالحسد حق كما قلنا وبعض الناس عندهم خاصية العين وتأثيرها فينبغي ان يكون حذرا ويقرء المعوذتين مثلا عند الاماكن التي يخشى فيها من الحسد وهناك روايات كثيرة تبين قوة الحسد منها:
ما روي عن رسول الله ( صلى الله عليه وآله وسلم ) برواية معتبرة السند قوله : " كاد الفقر أن يكون كفرا وكاد الحسد أن يغلب القدر"
Share |