قبس من حياة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام ) !!/عبدالامير الخرسان
Fri, 14 Sep 2012 الساعة : 1:06

الإمام جعفر الصادق (ع) ذلك العلم الزاهر في حياة العالم بأسره في السير والسلوك الى الله سبحانه وتعالى والفضيلة والكمال .. والى العدل الحق والحكمة والموعظة ..
والقمر المنير في الفكر الإنساني الذي يجلي ظلمات الجهل والتحجّر .. ويخرج الإنسان من الظلمات إلى النور ومن الموت إلى الحياة ومن التخلف إلى التقدم والازدهار ..
والشمس المشرقة التي لا تغيب عن سماء الإنسانية وضمير الوجود .. لتشرق في الحياة النور والإيمان واليقين والصلاح .. وتضيء في النفوس الأمل والبهجة والهدى والتقى .. وتمنح العقل العلم والحكمة .. والتحرر من ضيق الأفق وقيود الرغبة والهوى .. إلى سلامة المنطق وسعة التفكر وحسن التدبر ..
في حياة الإمام الصادق (ع) أهداف متعددة وغايات متنوعة كلها تصب في إصلاح الإنسانية وسعادة البشرية ورضا الله سبحانه لأنه أرادها ابتغاء رضوان الله والقرب منه تعالى . لذلك عمل جاهدا على تحقيقها وإخراجها للعالم كله ليستفيد منها وتكون له خير منهج في حياته وسلوكه على الصعيد الفردي والاجتماعي والعالمي .. وأحب أن ألخّص بعض ما قام به الإمام (ع) بالنقاط التالية :
1- أسس جامعة إسلامية كبرى . لدراسة الفقه الإسلامي والعقائد الإسلامية ودراسة علوم المنطق والفلسفة إضافة إلى دراسة تفسير القرآن وعلوم القرآن ودراسة علم الأخلاق .
2- صنّف الدراسة في الجامعة وجعل لكل مفهوم إسلامي فرع خاص وتلاميذ وأساتذة حتى يتخرج الطالب وهو متخصص بعلم من العلوم الآنفة بالإضافة إلى معرفة بقية العلوم الأخرى .
3- جعل في الجامعة الإسلامية فروع لتدريس علم الطب والاهتمام به وبرز العالم بن سينا في هذا العلم وصنف فيه كتبا كثيرة نقلها عن الإمام الصادق ومنها علوم القلب وعلم الدورة الدموية الكبرى والصغرى وعلوم أصناف وعناصر الدم .
4- درّس في الجامعة الإسلامية علم الفلك وجعل له فرع خاص وتلاميذ يحبون دراستهم ويقدرونها ومنهم العالم الفلكي بن حيان الكوفي وصنف في هذا العلم كتبا كثيرة ووضع البوصلة لمعرفة الشمال والجنوب وتخدم الرحالة في البر والبحر لأنها تسهل عليهم معرفة الشمال والجنوب والشرق والغرب إضافة إلى التعريف بالنجوم الدالة على المسير ليلا المسمى بالنجم القطبي .
5- دراسة علوم الكيمياء وجعله علم خاص يدرس تلاميذه في علم الكيمياء وبرز منهم العالم جابر بن حيان البغدادي وصنف الوان الكتب في هذا المجال .
6- دراسة علوم العقائد وبرز الكثير من تلاميذه في هذا العلم التوحيدي ومنهم المفضل بن عمر .
7- أعطى مساحة واسعة لعلم الفقه والتفسير وعلوم القرآن وعلم الأخلاق وجعل لكل علم تلاميذه وبرز الكثير من علماء الفقه والتفسير في عصره حتى يومنا هذا ليبقى الاختصاص العلمي والمنهجي قائم ويدرّس على طول التاريخ ..
وما دراسة علوم الحوزة العلمية التي أسسها الإمام الحجة المنتظر(روحي فداه ) إلا نتاج تلك الجامعة الإسلامية الفريدة جامعة الإمام جعفر الصادق (عليه السلام ) .
8- المناهج العملية والسلوكية والروحية في حياة الامام الصادق (ع) ليعرج فيها الى الله سبحانه بروحه ومهجته الشريفة ليسمو مع الملائكة يسبح الله ويقدسه ويهلله ويعبده في الليل والنهار فهو من الرجال الذين يذكرون الله ليل نهار لايفترون وهو من سادة المؤمنين وعظمائهم لا تلهيهم تجارة ولا بيع عن ذكر الله .. كان يأمر أبناءه وتلاميذه بالذكر والطاعة في القلب رهبة وخشية منه تعالى إضافة إلى الدراسة والتعليم والتدريس والتأليف . لذا نرى كثيرا من تلاميذ الإمام (ع) أسّسوا مدارس التصوف والعرفان في السير والسلوك الى الله , وان كانت ابتعدت عن المخالطة والتداخل في المجتمع وعاشت حياة الزهد والرهبانية وابتعدت عن الجماعة وقد نهانا نبينا الكريم (صلى الله عليه وآله) عن حياة الرهبان وقال ( لا رهبانية في الإسلام ) وقال أيضا ( خالط الناس ودينك لاتكلمنّه ) . لقد أراد الإمام الصادق (ع) ان يقوّم حياة الناس ويصلحها ويجعلها قائمة على أساس التعامل الخلقي الكريم الذي يبتعد عن الغش والخداع والكذب والافتراء والتدليس , ليكون تعامل إنساني متين مبني على الصدق والحق والعدل ليكون لهم مبدءا في الحياة ..
9- اتّخذ الإمام الصادق (ع) من الأخلاق مبدأ التسامح في الحياة وأراد للناس التسامح فيما بينهم ومجازاة الإساءة بالإحسان والقطيعة بالوصال والمزاورة والتهادي .. والمنع بالعطاء والبذل .. ليسود الناس السلام والوئام والمحبة والوحدة .. ليعيشوا فيما بينهم أخوة متحابين يجمعهم حب الله وحب الخير وحب الانسانية كلها .
10- لقد أسس الإمام الصادق (ع) دور الحنان للأيتام والسهر على راحتهم وتربيتهم ونشأتهم نشأة إنسانية إسلامية كريمة يتمتعون في حياتهم كغيرهم من البراعم والزهور ليدرسوا ويتعلموا ويأخذوا دورهم الطبيعي في الحياة لينفعوا البشرية بما آتاهم الله من فضله وعلمه وأدبه على يد الإمام الصادق (ع) .
11- لقد أوصى الإمام (ع) بالحيوان ورعايته والاهتمام به والإكثار منه لتكون ثروة حيوانية كبيرة في المجتمع ينتفع من لبنها ولحمها وركوبها ..
12- كذلك أوصى الإمام (ع) بالزراعة والاهتمام بها لان الثروة الزراعية هي المعتمدة آنذاك . وهناك تفاصيل ومفاهيم كثيرة حول هذا الموضوع .. بحيث كان الامام الصادق (ع) يواسي أصحاب المصائب الذين يخسرون ثرواتهم الزراعية بسبب الجراد والفيضانات ويدعو لهم بالتعويض والاحتفاظ بالباقي والاهتمام به .
13- ان الإمام الصادق عاصر كثيرا من الثورات والانتفاضات الشعبية .. ضد الحكومة الأموية والحكومة العباسية وكان يدعو لها ويبارك فيها وقد رؤي الامام (ع) يبكي على عمه زيد بن الإمام زين العابدين ويقول رحم الله عمنا زيد كان يدعو للرضا من آل محمد (ص) و زيد (ع) الشهيد الذي ثار ضد الحكم الأموي في زمن هشام بن عبدا لملك ومضى شهيدا رحمه الله . أما في بداية نشوء الثورة العباسية الذي دعا العباسيين في بداية الثورة الى الرضا من آل محمد (ص) أي أنهم عندما ينتصروا في معركتهم مع الأمويين يسلمون الراية والحكم للأمام المعصوم , وأرسل سلمه بن الخلال قائد جيش الخراساني الثائر في العراق ضد الأمويين ( محمد بن عبدا لرحمن ) برسالتين تتضمن نسخة بمضمون واحد يبعث بهما أولا الى الإمام الصادق فإذا رفض الإمام الصادق أرسل الثانية إلى عبدا لله بن الحسن بن الحسن وفعلا رفض الإمام الصادق الرسالة والولاية أي تولّي الأمر وأحرق الرسالة وتمثّل بقول الكميت يا موقدا نارا لغيرك ضوئها ويا حاطبا بغير حبلك تحطب .. فرفض الدعوة وقال له هل أنت الذي جمعت الناس وشكلت الجيش وأمرت بالثورة وهل أنت صاحب الأمر حتى توليني هذا الأمر بل هو لغيرك . ان الامام كان يعلم جيدا ان الأمر لبني العباس وأنهم قاموا به وان كان باسم أهل البيت ولكنها خدعة أرادوا غش الناس وخديعتهم بها وفعلا عندما جاء العباسيون أمروا بقتل العلويين وتدميرهم وهدم دورهم عليهم ,. لقد كانت نظرة الإمام (ع) وكل الأئمة (عليهم السلام) للحكم والحاكمين أنهم مغتصبون حقهم وظالمي العباد والبلاد وعاثوا بها فسادا وقتلا وتخريبا كما هم الوهابية عليه الآن .والعمل معهم حرام شرعا .. والأمثلة كثيرة على هذا .. لكن الأئمة كانوا يؤيدون الثورات والانتفاضات ضد الطواغيت والظلمة ويعتبرون حياتهم باقية ببقاء هذه الانتفاضات الشعبية المباركة والدماء الزكية السخية في سبيل الله كما قال الصادق (ع) ( لا أزال أنا وشيعتي بخير ما خرج من آل محمد ولوددت أن الخارجي من آل محمد خرج وعليّ نفقة عياله ) . لأنهم أرادوا تقويم المسار والسلوك الإنساني نحو العدل والسلام والطمأنينة .
14- وأخيرا أسدل الستار عن الإمام الصادق (ع) بعد قتله بالسم من قبل الخليفة العباسي الدوانيقي لعنه الله وأكبه في نار جهنم التي لابد منها له ولكل سفاك أثيم . السلام عليك يا سيدي ومولاي وإمامي أيها الصادق البار الأمين طبت حيا وميتا وان كنت خالدا بتراثك وروحك وعدلك وصفائك ... نسأل الله أن يجعلنا من شفعائك يوم القيامة ومن عتقائك من نار جهنم وحشرنا الله معك في مقامك السامي المقدس
15- ... والحمد لله رب العالمين .. والصلاة والسلام على نبينا محمد وعلى آله الطاهرين الميامين . ..