انا وراديو اليابان الدولي – ج 22/سليم السراي

Tue, 11 Sep 2012 الساعة : 12:49

 

" بانزى !
يا ! كم أنا سعيد انني احبك
سنبقى هكذا دائما دائما , سعيدين حتى الموت
بانزي ! كم انا سعيد انني التقيت بك
سنبقى هكذا , دائما دائما , ( لى لى لى ) , معا
كثيرا ما احرجك لأسباب تافهة
يحمر وجهي خجلا كلما اتذكر ذلك
تمر الايام بسرعة تكاد تثير الضحك
حينما اكون سعيدا جدا جدا
اتذكر في طريق العودة
اتجول داخل السوبرماركت
مقاوما الابتسامة تظهر على وجهي كلما اتذكر
لا اريد ان اظهر غير انيق
لا اريد ان يصيبني الكبر
لا اريد ان تظهر على وجهي ابتسامة زائفة
لذا , يا حبيبتي , تعالي الى جانبي
كم انا سعيد انني احبك
سنبقى هكذا , دائما دائما , سعيدين حتى الموت
بانزي ! كم انا سعيد انني التقيت بك
سنبقى هكذا , دائما دائما , ( لى لى لى ) , معا
( بانزي هو هتاف يعبر عن السعادة او التشجيع معناه الحرفي هو " طال العمر " كأن يقال بالعربية " يحيا النصر " او يعيش فلان " .. بانزي من الشعر الغنائي الياباني ""
ان الرسالات السماوية جاءت من اجل حفظ كرامة الانسان , بيد ان معظم معتنقيها لم يحافظوا على مضمون الرسالة السماوية التي آمنوا بها , بل جعلوها غرضا دنيويا , أضافوا اليها ما يناسبهم في تحقيق مآربهم , فأين المسيحيين من مسيحيتهم , وأين المسلمين من إسلامهم ؟, يقول الزعيم الهندي غاندي مخاطبا البريطانيين ( أخرجوا من بلدي أنتم ومسيحييكم ودعونا نحن ومسيحيينا ) , فالجرائم التي ارتكبوها يفر منها العقل والضمير .
واذا اخذنا نظرة حول احوال المسلمين الاوائل , فإنهم أول من خالف وصية صاحب الرسالة ( صل الله عليه واله وسلم ) , فقد روي ان الرسول الاعظم ( صل الله عليه واله وسلم ) كان جالسا مع جمهور من الصحابة في أواخر ايام حياته فقال لهم ( لقد وضع عنكم الجهاد الأصغر , وعليكم الان بالجهاد الأكبر , فقيل له يا رسول الله وما ذاك , فقال : الجهاد الاصغر الحرب , والجهاد الاكبر هي مجاهدة النفس ) , لكن ما ان التحق صاحب الرسالة بالرفيق الاعلى , حتى أمست دولة أمتد عرضها بين فجاج قرني الشمس , ومع هذا الامتداد كانت تفرض الضرائب , وتحت نور الشمس تتجرع شعوبها انواع من عمليات القتل والتعذيب وإنتهاك للحرمات , وقسمت هذه الدولة الى ضياع صغيرة تابعة لأصحاب السمو والمشيخة , وما ان وصل امر الخلافة الى الامام علي بن ابي طالب عليه السلام وصي رسول رب العالمين , كتب الى جميع حكام الولايات بوقف العمل وما بين ايديهم من اموال , فما كان همه توسيع دولة على حساب ارواح واعراض الناس , الا ان يقيم عدلا ويدفع جورا , الا ان الاحداث مضت في تسارع من حوله , فأعلن العصيان تجاه هذا الامر من قبل اصحاب المنتجعات , وقامت اليه عصابات قطاع الطرق والقتلة لينتصروا لأنفسهم لما حالفتهم به دنياهم , فحاربوه وسبوه على المنابر وزلزلوا الارض من تحته , ليقتلوا الاسلام في مهده .
لقد كتب عدد من المفكرين المسيحيين بحق الامام علي عليه السلام , ما لم يكتبه المفكرين من المسلمين سواء من اهل السنة المعتدلين او الشيعة , ومن هؤلاء الكتاب هو الكاتب والشاعر اللبناني الكبير جورج جرداق صاحب كتاب ( علي صوت العدالة الإنسانية ) والذي يعتبر من اروع الكتب وفيه من فنون الكتابة ما يعجزنا ان نصفه بقول , كذلك كتب المفكر والشاعر الكبير جبران خليل جبران , والكاتب والمفكر انطوان بارا صاحب كتاب ( زينب صرخة أكملت مسيرة الحسين ) وكتاب ( الحسين في الفكر المسيحي ) ويقول في أحد محاضراته مع نخبه من المثقفين ( لو كان الحسين منا لنشرنا له في كل أرض راية ، ولأقمنا له في كل أرض منبر، ولدعونا الناس إلى المسيحية بإسم الحسين ) وايضا الكاتب والمفكر سليمان كتاني صاحب كتاب ( فاطمة وتر في غمد ) وغيرهم من الكتاب المسيحيين , وأما من الشعراء فهو الشاعر المسيحي بولس سلامه الذي يقول في قصيدته :
لا تَقُـل شيعةٌ هواةُ علــٍّي إنَّ كلَّ منصفٍ شيعـيـًا
هُوَ فخرُ التاريخِ لا فخرَ شعبٍ يَصطَفِيهِ ويَدعِيهِ وَلِـيَّـًا
ذِكْرُه إن عَرى وجومَ الليالي شقّ في فلقة الصباح نَجيّا
يا عليَّ العصورِ هذا بياني صِغتُ فيه وحيَ الإمام جليّا
يا أميرَ البيان هذا وفائي أحمَدُ اللهَ أن خُلِقتُ وفيّا
يا أميرَ الإسلام حَسْبيَ فخراً أنّني منك مالئٌ أصغَرَيّا
جَلجَلَ الحقُ في المسيحي حتى صَارَ مِن فَرطِ حُبِهِ عَلَويّـًا
ومن اروع القصائد ايضا التي كتبها من الشعراء المسيحيين هو الوزير اللبناني والشاعر ( جوزيف الهاشم , ويقول في قصيدته :
نِعْمَ العليُّ، ونعمَ الاسمُ واللقبُ
الباذخانِ: جَناحُ الشمس ظِلُّهما
لا قبلُ، لا بعدُ، في "بيت الحرام"، شَدَا
يومَ الفسادُ طغى، والكُفْرُ منتشرٌ
أَللهُ كرَّمهُ، لا "للسجود" لها
منذورةٌ نفسهُ للهِ، ما سجَدَتْ
وأذكر هنا لقاء خاص جمعني مع احد المسيحيين المقيمين في اليابان وهو الاديب كريم الياس , وكان حديثه حول الوضع داخل العراق وسبب دخول الارهاب مما أدى الى قتل الناس بشكل مرعب , الذي جعل مسامعي مشدودة له , وهو يذكر مناقب الامام علي عليه السلام ما لم أستمع لها , وقد ختم حديثه بقوله ( لماذا يقتلوكم ؟ ألستم انتم أحباب علي ؟ فلولا الامام علي هل بقى للإسلام شيء ) .
ألتفت لي والد شوسيه قائلا :
- هل ان الشعب العراقي كان مؤيدا لدخول القوات الأمريكية من أجل احتلال العراق ؟
ألتفت هنا الى الاستاذ عادل الدسوقي فقال :
- انه سؤال صعب ...
ربما يكون السؤال صعبا , لكن حينما يعرف السبب يبطل العجب , الحال مع ما يدعى الان بالربيع العربي , فهي عظة حال ينظر الى الحق من أقصر زواياه , وكما يقول المثل الشعبي ( اشجابرك على المر غير الأمر منه ) .
إنها ثغرة نفذ الي من خلالها , وكان له من العدل ان يسأل ويخبرني عما في سريرته , وربما رَقعة له جواباً , وهذا أمر يشبه بالمحاباة , والا فإن الوضع في العراق تعجز اللغات ان تأتي له وصفا , لتقوض معاقل المفترين وتدمر معاول باطل المنحرفين .
والد شوسيه يعمل نجارا , وأصنفه انه من النجارين الماهرين , قياسا لما ابدعه من نحت هدايا خاصة سلمها لي , وذكر انها هدية لتلاميذك الصغار .
أستأذنت مرة ثانية من الاستاذة ماريكو اينو :
- لقد تجاوزنا الوقت كثيرا ...
- انهم لا يرغبون في مغادرتنا ...
لم يكن من الغرور إن ذكرت ؛ ان الليلة التي سبقت لقاء الاسرة , لم يغمض لي فيها جفن الا رشحاً أو سهواً , وربما احتضنت لبعض منه كاحتضان المنخل للماء , فالأتكاء على الأمل في رضا العائلة يتذاءب في أعماقي , فالأمر لا يحتمل أكثر من أكون مسلوب الحول أو الارادة , فكيف يكون التصرف اذا ثقل عن الفؤاد الجواب الصواب , وقد حجب عنه هبوط الكلمات الى موطئها , فإذا لم يحالفني الحظ اليوم , فإني ابقى مطاردا طوال الدنيا الفسيحة , وأكون في مهاب أشرعة الرياح .
طلبت مني العائلة وانا اعالج ثائرة القلق الناعس بهدوء , ان أعلمها شيئا من الكلمات العربية , وقد حفظوا عني هذه الكلمات ( السلام عليكم .. كيف حالك ... اشلونكم ... زينيين ) وأخذ كل فرد من الاسرة يردد ويحفظ , ثم أخذ الحديث جداولا مختلفة , وألتفت للمرة الثالثة الى الاستاذة ماريكو إينو وأنا أشير الى الساعة , مذكرا إياها ان الوقت استغرق أكثر مما ينبغي , فلعلنا سببنا تعطيل في أعمال العائلة , ولنا موعد للعودة الى طوكيو , فما كان من الاستاذة الا قبول الطلب وهي تستأذن العائلة لنا بالإنصراف , فقالت والدة شوسيه :
- لقد جاء الى هنا كثير من المعزين , كان بعضا منهم غير جيد معنا , وقسما آخر كان تعامله جيدا معنا , ولكن أنت استاذ سليم ؛ ...
سكتت المرأة واطرقت الارض بطرفي عينيها , وبعد برهة رفعت محياهما نحوي , وحمل ثغرها الى مسامعي الصاغية واسيرة الجوارح التي لا احس لها حركة ؛ هذا الجواب :
- إنك أفضل من الجميع ...
ثم تحدث الوالدان لي بحديث واحد :
- استاذ سليم : في المرة الثانية اذا زرت اليابان , نرجو منك زيارتنا بدون ان تطلب الاذن , فأنت من الان احد افراد اسرتنا .
ترى هل نجحت في تحقيق رضا العائلة ؟ فقد دافعت عن عروبتي ووطني ومعتقدي , ونفيت عن ذلك الثلاثي المقدس تهمة الارهاب , فالشعوب فيها الصالح والطالح .
خرج جميع الحاضرين لمرافقتنا حتى الطريق العام المؤدي لعودتنا , وقد انتظروا حتى مجيء الباص , فلم يتبقى غير ذكريات ملئها حزن ورضا .
انطلق بنا باص العودة , لكنهم لم يغادروا مكانهم حتى أكل أفق البصر هاماتهم , وهم يلوحون لنا بأيدٍ كأنها رايات الإستسلام او الانتصار . 
Share |