هل حقاً اسرائيل عدو ؟!/ابو تبارك الناصري
Tue, 11 Sep 2012 الساعة : 1:43

عند تصفحك عشرات المواقع العربية يصادقك مئات المواضيع ان لم اقل الالاف – فهي حقا موجودة بالآلاف – وقد حددت المواقع بالعشرات والمواضيع بالمئات لان هذا ما يمكن ان يتصفحه الشخص في اليوم , وقد تكون عشرات الالاف اذا ما ركز في تصفحه لفترة .
نعم كثيرة هي المواضيع التي تتكلم عن اسرائيل في اقسامنا السياسية او الحوارية في المواقع العربية اذا ما مسحتها افقيا او عموديا
المفارقة ان اغلبية هذه المواضيع و بنسبة 99,999 كما كانت عليه نتائج الانتخابات في ضل الانظمة الدكتاتورية , اغلبية تقارب الاطلاق بحيث يصح ان نقول جميعها تتحدث عن عناوين ومضامين ثانوية حول اسرائيل .
هي لا تتطرق لإسرائيل باعتبارها العدو المشترك الذي يغتصب ارض كان يفترض ان تكون قضيتها القضية المركزية رقم (1) للأمة العربية والإسلامية , القضية التي يفترض حين ذكرها يتوحد الجميع خلفها , وتنسى جميع الخلافات الجانبية , منذ اكثر من 30 عام انشد المرحوم الدكتور الوائلي في قصيدة مهرجان الشعر بيتا يتعجب فيه من حال العرب يقول فيه :
عشرون كفاً حرة ما أوقفت
مهوى يد مغلولة إذ تصفع
وانا حين اتصفح تلك المواضيع اتسائل هل حقا اكفنا وأقلامنا حرة ؟؟!
هل حقا اننا نصفع من يد مغلولة ؟!
لأكتشف اننا نصفع من ايدينا باليوم الف مرة , تصفعنا اقلامنا في مثل هكذا مواضيع !
لأنها سنة الله اذ جعل يد اليهود مغلولة ولن تجد لسنة الله تبديلا ولن تجد لسنة الله تحويلا
اذا ما الذي دهانا ؟
و للإجابة على هذا السؤال ولكي لا ابتعد كثيرا عما اروم بيانه , سأتطرق ولاحظوا معي طبيعة هذه المواضيع التي تتكلم عن اسرائيل , انها جميعها كما قلت ليس الغرض منها اسرائيل نفسها .
والدليل انك الان لو جربت ان تكتب مقال عن القضية الفلسطينية والعدو الاسرائيلي بشكل جوهري بحيث تلفت الانتباه الى جوهر القضية وحقيقة المعاناة التي يعانيها الشعب الفلسطيني , وتدنيس المقدسات الاسلامية والمسيحية على يد حفنة من المحتلين الصهاينة , ستلاحظ ان مجموع الردود و التفاعل مع الموضوع يكون من شاكلة :
احنة وين وفلسطين وين ؟
يابة هاي حماس التي تريد ان نقف الى جانبها اقامة فاتحة لفلان , او هي تكفر فلان او الفئة الفلانية !
الفلسطينيون هم من باعوا القضية !
وما ذنبي تريدني ان اقاتل بالإنابة عن الفلسطينيين ليأتوا بالأخر ويكفروني !
وقد يصادفك – بل مؤكد انه سيصادفك – رد من نوع (( من اجل تحرير فلسطين لابد من التخلص من جميع الشيعة العملاء )) او (( لابد من التخلص من اذناب الصهاينة الوهابية ))
وهذا ليس فرض لنتيجة تحليل تولد في مخيلة كاتب , بل هي الحقيقة التي شهدتها في القلة القليلة من المواضيع التي تتحدث عن القضية الفلسطينية بصورة جوهرية دون ان تغوص في الخلافات المذهبية والطائفية والقومية التي تعيشها الامة .
لذا تجد جميع المواضيع التي يكتب في عنوانها اسرائيل هي مواضيع ليست عن اسرائيل والقضية الفلسطينية والمقدسات الاسلامية والمسيحية هناك , بل هي مواضيع سباب وشتائم وتخوين لفئة من فئات الامة .
فغالبيتها العظمى مواضيع من شاكلة
الوهابية يد اسرائيل المسلطة على الامة
او
الخونة الشيعة وتعاونهم مع اسرائيل
او
الاكراد ونفوذ اسرائيل في المنطقة
او المواضيع التي تتهم الحكومات العربية والإسلامية بالعمالة لإسرائيل وخدمتها – وانا هنا لست بموضع الدفاع عنها وتبرئة ساحتها – وإنما بصدد بيان الواقع الذي نغفله جميعنا .
فبعد ان كانت القضية الفلسطينية هي القضية التي تتوحد عليها الامة وتطرح جميع خلافاتها الطائفية والقومية جانبا – على الاقل على المستوى الشعبي – اصبحت القضية التي تستخدمها الحكومات من اجل الطعن الواحدة بالأخرى .
ليس ابتداء باحتلال الكويت والشعارات التي ساقها النظام الصدامي بان الكويت بوابة تحرير فلسطين !! ولا انتهاء بالمجازر التي يقوم بها النظام السوري ضد شعبه من اجل تحرير فلسطين !! , وهذا ليس غريبا لأننا لا نعول أي امل على تلك الحكومات والأنظمة .
المشكلة ان هذا الاسلوب بالتعاطي مع القضية انتقل الى الشعوب ونخبها المثقفة , وأخذت تتعاطى مع القضية من نفس المنطلق , لا تذكرها إلا حينما ترغب فئة بتخوين فئة اخرى , وكلا الفئتين المُخَوَنة و المُخْوِنة حين تمر على موضوع او حديث عن فلسطين وإسرائيل , يقول لك (( يابة يا فلسطين يا اسرائيل )) وانا هنا اتكلم عن النخب المثقفة وحالة الشعوب العربية والإسلامية وليس عن الانظمة .
فحين تصفحك المواقع العربية والإسلامية ستجد مثلا مئات المواضيع التي تتحدث لك عن تخوين الاخوان المسلمين وأنهم سائرون باتجاه التطبيع مع اسرائيل وبيع القضية !! او مواضيع تتحدث لك بان مقاومة حزب الله لاسرئيل هي كذبة وان عداء ايران مع اسرائيل هي الاكذوبة الكبرى !! او ان الاكراد او المسيحيين او الاقليات الاخرى في الامة هي الخنجر اليهودي الذي زرع في خاصرة الامة !!!
هذه هي الحقيقة التي تفسر كيف ان هذه اليد المغلولة ما برحت تصفعنا منذ اكثر من 60 عام بل لم تزل تصفعنا صباح مساء اما عن طريق الانظمة الدكتاتورية الجاثمة على صدور الامة , او بعد ان ازيح اغلبها اخذت تصفعنا بأقلام نخبنا ومثقفينا .
لتعيش الامة في حالة كساح فكري و وحالة فصام في منظومة المفاهيم , بحيث نحن مقدمون على جيل لا يعرف عن الصراع العربي الاسلامي الاسرائيلي شيء , بل لا يعير له أي اهمية , سوى انه يستخدمه لتخوين الاخر المذهبي او القومية او العرقي او ربما حتى الاخر الفكري , لا يعرف عن استخدامه غير انه علاج لحالة الغيبوبة الفكرية الثقافية التي تعيشها الامة ! وأداة لسب وشتم الاخر .
حتى المؤسسات الاعلامية اخذت لا تعير أي اهتمام للإخبار والإحداث التي تطرأ على الصراع العربي الاسرائيلي , فلم يعد يصادفك بالأسبوع او الشهر خبر عن فلسطين والمقاومة , والقدس والمقدسات !!
وقد ينتهي بنا الامر الى صحوة اسلامية فكرية عرجاء
يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا يَسْخَرْ قَومٌ مِنْ قَوْمٍ عَسَى أَنْ يَكُونُوا خَيْرًا مِنْهُمْ وَلا نِسَاءٌ مِنْ نِسَاءٍ عَسَى أَنْ يَكُنَّ خَيْرًا مِنْهُنَّ وَلا تَلْمِزُوا أَنْفُسَكُمْ وَلا تَنَابَزُوا بِالألْقَابِ بِئْسَ الاسْمُ الْفُسُوقُ بَعْدَ الإيمَانِ وَمَنْ لَمْ يَتُبْ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ
فتنقطع فينا اخر شعرة تربطنا بهذا القضية وهذا الصراع , وحينها حتى استخدام القضية للتخوين والشتيمة والتفرقة سنقلع عنها لأنها ليست من الايمان في شيء !! ولأننا ((سنة وشيعة وكرد ومسيحيين ودروز عرب وعجم وأفارقة وقوميات ومذاهب مختلفة )) كلنا بالهوة سوى , فكف عن سبي وتخويني لأكف عن سبك وتخوينك
وللقدس رب يحميه !!!