ظاهرة احمد القبانجي...الطريقة العرفانية لفهم الإسلام/مهدي الصافي
Mon, 10 Sep 2012 الساعة : 20:28

المدرسة الصوفية أو العرفانية هي مدرسة فلسفية خاصة اشتهرت بها بعض الشخصيات الإسلامية بعد وفاة الرسول محمد ص(ظهرت في أدعية الإمام علي ع,انعزالية ابو ذر الغفاري,سلمان الفارسي الخ.),وانتشرت فيما بعد في العهد العباسي,حيث ظهرت فرق عديدة تناقش حقيقة البعثة النبوية وقدسية القران الكريم(كفرقة المعتزلة التي فتحت باب النقاش في مسألة خلق القران),
إلا إن هناك بيئتين أو مدرستين إسلاميتين احتضنتا تلك الطريقة الغريبة في فهم الإسلام والشروط التعبدية العقائدية(المدرسة الصوفية الأندلسية محي الدين ابن عربي-والفيلسوف ابن رشد-وكذلك المدرسة العرفانية الإيرانية ابن سينا وحتى بعض مؤسسي حركة إخوان الصفا في البصرة),
إلا إن التدرج الطبيعي للمدارس الصوفية العرفانية الإيرانية الحديثة هي الأقرب للواقع الإسلامي المعاصر, التي زحفت على بغداد في أواخر العهد العباسي عبر دخول المذهب الشيعي الصفوي
(بدأت عمليا من خلال مجموعة من العلماء ,بينهم الشيخ عمر السهر وردي صاحب مدرسة الإشراق-عبد القادر الكيلاني-صدر المتأهلين أو الملا صدرا, ومن ثم السيد الراحل الخميني وله تجارب شعرية عرفانية معروفة,ومحاولات الشهيدين الخفيفة في العرفان الإلهي الشهيد مطهري وعلي شريعتي,وكذلك مدرسة دسته غيب ,والدكتور سروش صاحب فكرة الإلهام التي ميزت الرسول محمد ص عن بقية البشر,وحتى الطريقة البهائية والشيخية, الخ)
هذه المقالة المختصرة تبحث في مسألة التركيز الظاهري للطريقة العرفانية التي جلبها الشيخ احمد القبانجي إلى العراق بعد انهيار النظام البائد,وهي تشبه إلى حد كبير مسألة النقاش الذي طرحناه من قبل في سوريا (1997)عبر صحيفة بسيطة حملت اسم الشباب المسلم ,تحدث فيها احد كتابنا حول ظاهرة الأفغان العراقيين,واعترض حينها عدد من القيادات والشيوخ حول طرح هكذا موضوع قبل ان تظهر له دلائل على السطح,إلا انه بالفعل عاد وظهر بقوة بعد دخول منظمة القاعدة الإرهابية إلى العراق2003,
اليوم الحديث عن أسباب انتشار تلك الظاهرة الغريبة عن المجتمع ,والتي تختلف عن المدارس الصوفية المعروفة والمحصورة في بعض مدن ومناطق العراق(والمنتشرة أيضا في بعض بلدان المغرب العربي),وهي مدرسة يدعي أصحابها إنهم يمتلكون الحقيقة المعرفية (الماورائية)الشبه مطلقة حول الخلق والخالق(الكون وخالقه),اي بمعنى إنهم يصلون إلى مابعد الحدود العبادية المقدسة العادية(الصلاة الصوم والحج الزكاة وبقية أركان الإسلام والعقائد والأحكام القرآنية,وهي مغذيات طبيعية للروح البشرية),من خلال الممارسة العملية للعبادة الإلهية ,وصولا إلى طريقة الكمال الإنساني الروحي المنزه عن الأخطاء الطبيعية التي تنتشر بين المسلمين(يعني يصبح العبد ليس بحاجة إلى ممارسة الطقوس والشعائر الإسلامية لانه توحد مع الله,وليس المقصود الكمال الروحي العصمة وإنما عرف الله من خلال روحه),
المشكلة في ظاهرة السيد القبانجي انه لم يوضح صراحة في مختلف ندواته الفكرية المهمة انه ينتمي إلى المدرسة العرفانية الإيرانية(ومعلوم إن الأمة الإيرانية مليئة بالخرافات الطقسية الموروثة),
لانه بالفعل غير ملتزم تماما بما تقوله تلك المدارس, إلا انه يستند عليها في اطروحاته العقائدية المتعلقة بتفسير العلاقة بين العبد وربه,
ولكنه أيضا يقدم نفسه أمام الحاضرين على انه مفكر إسلامي متحرر أو منفتح, وهذا خطأ واضح وفادح,لان المدرسة الصوفية المنتشرة في طول البلاد الإسلامية وعرضها, هي أيضا تمثل رأي جماعة معينة هم من القلة القليلة(ينطبق عليهم القول بالمذهب أو الطريقة أو الجماعة),
مع العلم إن المدرسة العرفانية تنتشر في المذهب أو مناطق التواجد الشيعي(وهي تختلف في الأسلوب والممارسة عن الطرق الصوفية التي تستخدم الممارسة الفعلية وليست العقلية لمعرفة الخالق) ,
بينما تنتشر الطرق الصوفية في المذاهب أو مناطق التواجد السني,
كان عليه ان يحدد انه مفكر إسلامي عرفاني متحرر أو منفتح ,لان المجتمع غير معتاد على سماع شخص يتصفح القران الكريم ليثبت عدم وجود أي إعجاز بلاغي فيه,بل يذهب أكثر من ذلك في التشكيك بعائديته إلى الله,ونسبته إلى الوحي المعرفي الشخصي للرسول محمد ص,وهنا يقع في خطأ مسألة النفي والإثبات,مع إنها كانت حجج الأمم والشعوب والأقوام السالفة ,
التي كانت تواجه الأنبياء والرسل قبل الإيمان ببعثهم,فكانت المعجزات الخارقة للعقل هي دليل إثبات النبوة أو الرسالة ووجود الله عز وجل,فعلى سبيل المثال يقول لم تكن طيور الأبابيل(وردت في سورة الفيل)
هي التي قتلت جنود أبرهة الحبشي وفيله, بل هناك من يقول إنهم ماتوا بالطاعون,طيب الحادثة ليست بعيدة عن قريش لماذا لم يحتج الكفار على ماورد فيها ويكذبون الرسول ص,كيف تسمح لنفسك ان تنتقد وتشكك بتاريخ الشعوب والأمم والأديان ,
وأنت تبعد عنهم زمانيا بأكثر من أربعة عشر قرننا,اي يمكن لاي شخص اليوم ان يدعي وفقا لنظرية تقادم الزمن إن الحضارات والأمم والاكتشافات والآثار كلها مزيفة والبشر أو الكون لم يشهد تلك الأحداث,المفروض وأنت رجل فكر ان تدع تلك الدراسات العلمية المعرفية لذوي الاختصاص,الموضوع متشعب ويطول البحث فيه........
ما أريد ان اقوله انه جاء في بعض اطروحاته بأشياء مهمة تستحق النظر والتفكير والمناقشة,
وهي قدم الدين وتاريخيته المتغيرة,وانتفاء الغرض التطبيقي لبعض الأحكام, لأنها تختص بالمجتمع المخاطب حينها,مع إننا نؤمن ويؤمن معنا الكثيرون من المسلمين إن الأحكام القرآنية قابلة للنسخ والتعديل والتغيير,
فقطع يد السارق :هذا الحكم ليس فيه شروط قطعية للتنفيذ لان ناسخه هو العفو الإلهي المتكرر في القران عن الإساءات اليومية للمسلمين,كالعفو عن القاتل ,وهذه جريمة أعظم من جريمة السرقة,أو يمكن التغاضي عن مفهوم الجزية(مع الجزية كانت قريبة من دفع بدل المحارب أو الجندي التي عملت به بعض البلدان الإسلامية حديثا) ,وقتل المشركين, وإقامة بعض الحدود,
ويمكن القول إن القران دستور تشريعي مقدس ,لا يعمل عمل الدستور الوضعي الخاص بالأنظمة السياسية الحديثة وفقا لمبدأ الضرورة(لان دول العالم اتفقت منذ زمن على العمل والالتزام بالإدارة والاتفاقات والعلاقات المدنية الدولية ,ويجب ان تتطابق مع قوانين الأمم المتحدة ,والاتفاقات والمواثيق والعهود أو العقود الدولية الحديثة),ولايمكن إن يتعارض معه,
بل هو المرجع الساند للقوانين التشريعية المدنية,يعني رفض تعدد الزوجات ليس معناه رفضا للإحكام القرآنية,بل يمكن ان يكون تطبيقا حرفيا له عبر وضع شروط قاسية للموافقة على الزواج الثاني أو الثالث ,وهكذا وفق العدالة المطلوبة بين الزوجات,
وكذلك تعديل مسألة رجم أو جلد الزانية يستبدل بعقوبات مدنية عادية,لأننا نعتقد إن القران الكريم كتاب واسع متشعب مرن الأحكام ,ترك في اغلب آياته الحكم للناس عبر عدالتهم وإحسانهم وأخلاقهم,التي نظمتها الحضارة الغربية الحديثة بقوانين علمانية مدنية مستقلة عن النصوص الدينية الجامدة
إن فتح باب النقاش حول تحديث فلسفة التأويل القرآني,ليس بالضرورة ان يكون فكرا هادما صادما للموروث الديني ومعتقدات العامة من الناس,بل يكون المدخل الصحيح لدراسة علمية عبر مراكز البحوث الفقهية الأكاديمية الحديثة,وعبر الاستماع وقراءة إرهاصات المثقفين الغير معنيين بالإسلام السياسي أو دراسة التراث الديني ,وإنما هم ينطلقون من الواقع الاجتماعي ومتغيرات تطور حركة الثقافة العالمية أو الكونية لتحديث تجربتهم الثقافية والدينية المحلية(المحصورة في بيئتهم الخاصة كالبلاد العربية),اما ان نكذب على أنفسنا ويكذب الدجالون على الناس بأن الإسلام يقود الحياة,فعند أول تجربة ميدانية انحرف الإسلاميون تحت تأثير سحر السلطة,فنهبت الأموال المباحة لهم سرقتها شرعيا كما يبدوا وتحت عناوين مختلفة,
لم يشهد العراق عبر تاريخه الطويل نهب منظم لثرواته كما يحصل اليوم في ظل حكومة الأحزاب الإسلامية(السنية والشيعية في العراق ,وكذلك في بقية البلدان العربية,وإلا كيف تغيرت فتوى الجماعات السلفية التي تحارب نظام بشار الأسد اليوم, وهم القائلين بعدم جواز الثورة على الحاكم المسلم الجائر الذي لم يشهر كفره ,أليس المال الخليجي كان وراء كل ذلك)
إن تجربة السيد احمد القبانجي تجربة مهمة يحتاج إليها الشارع الإسلامي والشيعي تحديدا لكي يتخلص أبناءه المغرر بهم,من خرافات الممارسات الطقسية الخارجة على العقل والمنطق والدين,وينتبه الناس إلى المطالبة بحقوقهم المدنية وحقوق أبناءهم المستقبلية,ولكن تؤخذ في بعض مفرداتها وليس بكامل توجهات مدرستها الخاصة,ولايجوز إن يكون الرد على غرار احد الخطباء الذين طالبوا بفرك الرجل لمجرد انه طرح أفكاره بحرية,يجب إن يبتعد الناس عن تلك الأساليب الهمجية الاستفزازية,والتي تمكن السيد القبانجي قانونيا من تقديم دعوى ضد المحرضين بمواجهته والاعتداء عليه,لتكن مجتمعاتنا مجتمعات حضارية قبل إن تدوسنا الحضارة بعجلاتها التكنولوجية
مهدي الصافي