الاطماع الاوربيه في ثروات العراق من 1700-1900/حسن علي خلف

Sun, 9 Sep 2012 الساعة : 17:59

 

اهتم الاوربيون كثيرا بالعراق في مرحلة مابعد الثوره الصناعيه ؛ وكذلك بالبلاد الواقعة بين البحر المتوسط والخليج ؛ الى كونها تشكل البوابة الاقصر التي تؤدي الى دخول الشرق وسحره ، والذي يستأثر برؤى دول اوربا . فاشتد التنافس بينها على الحظوة لدى الدولة العثمانية ؛ لاستثمار مشروعات عديدة للدخول الى الشرق . منها خطوط المواصلات سواء كانت المتمثلة باستخدام الانهار من قبل البواخر الاوربية ؛ او مد خطوط سكك حديد او خطوط التلغراف . والذي صعد من ذلك واعطى هذه المنطقة اهمية قصوى في نظر اوربا ومنها بريطانيا على وجه الخصوص ؛ هو حملة نابليون بونابرت على مصر 1798؛ التي جعلت الانكليز يتخذون اجراءات متعددة لمقاومة المشروعات الفرنسية وغيرها للوصول الى الهند عبر شرق المتوسط . فازداد اهتمام بريطانيا بالعراق وتمكنت من رفع مستوى التمثيل الدبلوماسي ؛ لتركيز اقدامها اولا فيه؛ ومراقبة النشاط الفرنسي ، ومن ثم على ايصال البريد الوارد من الهند عبر العراق الى اوربا عن طريق المتوسط . والذي عزز ذلك اكثر هو حاجة بريطانيا الى وسائل سريعة للنقل التجاري ؛ سيما وحاجة اسواق الهند والشرق الاقصى هي الاخرى في تزايد الى المنسوجات الانكليزية الرخيصة وغيرها من البضائع . وايصال الخبرات والبريد . وسهولة الوصول الى الهند ادى ان يفكر البريطانيون الى استخدام البواخر . فتم توجيه انظار القائمين على ادارة شركة الهند الشرقية على استخدام البواخر المارة عبر دجلة والفرات . وذلك لطول الرحلة المارة عبر راس الرجاء الصالح وما تسببه تلك الرحلة الطويلة من تلف في محركات ومراجل السفن ومضيعه للوقت والجهد والمال ؛ والكلفة العالية في اعادة تاهيلها . فهنا ظهرت مشروعات بريطانيا بالتنسيق مع شركة الهند الشرقية ، هدفها ربط نهر العاصي بالفرات وربط الخليج العربي بنهر السند. ورغم انها كانت مشروعات نظرية ؛ الا انها كانت التمهيد الطبيعي لخطوات عملية تهدف تسيير البواخر بين الشرق والغرب عبر العراق . ومشاريع اخرى كانت في ذهن المخطط البريطاني التي كانت تشير الى قيمة العراق كرابطة بين الشرق والغرب .
وفعلا كان القنصل البريطاني في حلب ( باركر ) اول من اوعز الى ارسال باخرة لاختبار طريق العراق ، وتقديم تقرير عن مزايا نقل تسيير تلك الباخرة في المياه العراقية .وكان الولاة في العراق سواء في عهد المماليك ( داود باشا والذين قبله ) او في الزمن اللاحق يعطون تشجيعا لمثل هكذا نشاطات لما تدره على الخزينة من ارباح . وقد ادى هذا التشجيع ايضا الى جعل جيمس تايلر؛ الذي هو شقيق الوكيل السياسي البريطاني في البصرة ؛ على ان يحول نشاطه من طريق البحر الاحمر الى طريق العراق ، حتى بعد قتل جيمس تايلر على يد القبائل القاطنه على ضفاف الفرات ، لم تتخلى بريطانيا عن استخدام الملاحة عبر دجلة والفرات . مستغلة جميع الظروف والمنازعات سواء تلك التي حدثت بين الدولة العثمانية وروسيا او الاحتلال الفرنسي لشمال افريقيا . فاوعزت بريطانيه للضابط جيمسي من العمل في صفوف الجيش العثماني ضد الروس واوكلت ؛ اليه مهمة استخباراتية لدراسة امكانية استخدام البواخر في نهر الفرات . وتقديم تقرير بذلك الى حكومة الهند يبين فيه جوانب القوة والضعف . فنفذ جيمسي كل ما طلب منه رغم احتجاجات محمد علي باشا سلطان مصر ومحاولته منع تلك البعثة الا ان جيمسي بدأ يدخل الاراضي العراقية وينسق مع عشائرها شمر وعنزة . وهنا ثارت ثائرة القنصل الفرنسي ( فكتور فونتانيه ) والذي راح يحرض العشائر العراقية من بني حجيم والمنتفق ضد الانكليز ويحذر من نواياهم ؛ ووجود بواخر مسلحة انكليزية ربما ستواجه العشائر . ولم تكن الملاحة التي ربحتها السياسة البريطانية في نهري دجلة والفرات واستصدار الفرمانات من الباب العالي هي الاسلوب الوحيد للتغلغل والسيطرة على العراق . بل كان هنالك نوايا تتمثل بمد سكك الحديد وخطوط البرق التي تعد من الاهمية بانها توازي الملاحة البريطانية . ولهذه الخطوط مزايا تستفيد منها بريطانيا والدولة العثمانية التي اوحت بها بريطانيا للدولة العثمانية ، بانها كوسيلة ذات اثر فعال في تقوية قبضة الدولة العثمانية على اطرافها المترامية . وكانت النتائج مد خط برقي تقوم بنفقاته الدولة العثمانية ؛ وتقوم الحكومة البريطانية بتقديم المساعدات الفنية .وهكذا نفذ المشروع واصبح العراق هو الرابطة بواسطة الخطوط البرقية بين الشرق والغرب الى جانب البواخر والملاحة ولكن لم يتوقف النشاط البريطاني في العراق عند هذا الحد او الاطماع الاوربية تكتفي بذلك .بل اتخذت اشكال متعددة . فقد تمكن البريطانيون من انشاء مقيمية لهم في بغداد سنة 1702 . راحت الجوانب الاقتصادية التي اوحوا بها للدولة العثمانية ، ولولاة بغداد بانها ستدر عليهم ارباحا وخاصة في مجال البضائع والتجارة .ويتضح ذلك جليا كون اطماع بريطانيا كانت استعمارية صرفة من خلال ما اقترحه القنصل البريطاني تايلر :
1. اقامة مشروع انشاء مستودعات فحم على طول الفرات على ان تتولى قوات بريطانية حراستها . وهذه المشروعات تهدف الى تقديم الوقود الى البواخر .
2. استقدام قوة من الهند لحراسة المشروعات البريطنية .
3. انشاء وكالات تجارية بريطانية في المدن الكبرى
4. انشاء خطوط حديدية بين الكويت والساحل السوري عبر العراق .
5. قيام بريطانيا بعقد معاهدات مع شيوخ عشائر شمر وعنزة .
ولم يكن دور المقيمية البريطانية يقتصر على ذلك النشاط السياسي والتجاري . وانما كانت تقوم بحجة رعاية مصالح المواطنين البريطانيين او الرعايا البريطانيين . والجدير بالاشارة اليه ان الالية البريطانية بالعراق قامت بنشاط ملحوظ لتقوية النفوذ البريطاني من خلال تنمية المؤسسات البريطانية .وخاصة مؤسسات لنج للملاحة . في حين نشط العناصر البريطانيون والاوربيون لتقديم الجهد الاستخباراتي لدولهم من خلال طريق التنقيب عن الاثار ففي الوقت الذي كان عناصر الاستخبارات الاوربيه ينقبون عن الاثار . كانوا يعقدون صداقات مع شيوخ العشائر والقيام بالمسح الجغرافي والاجتماعي . مما جعل بريطانيه خاصة تحيط بجميع دقائق تفاصيل الحياة الاجتماعية والسياسية والاقتصادية للعراق والتناحر بين القبائل والكتل العشائرية ذات النفوذ وعلاقتها بالوالي .والاطلاع على تفاصيل النسيج الاجتماعي للعراق . فيما كانت هنالك جهود استخباراتية اخرى تقودها بعثات التبشير التي انتشرت بين اوساط المسيحيين واليهود وكسب الاعوان وشراء الذمم . ويعتبر عهد المماليك في العراق فترة انتصارات متتالية لحركة التبشير ، يدلل على ذلك الجهد الكبير الذي بذله المبشر البريطاني ( جروفز ) . الذي يعد اول مبشر بروتستانتي بريطاني يصل الى العراق في الايام الاخيرة من حكم داود باشا .والذي كان غطاؤه التبشير بالمذهب البروتستانتي ضد الكاثوليكية . الا انه في حقيقة الامر كان يقدم تلك التقارير الاستخباراتية الى حكومته ، سواء كانت تلك عن طبيعة المجتمع العراقي او النشاطات الاوربية الاخرى في العراق وما تشكله من خطر على المصالح البريطانية . فتمكن البريطانيون من دراسة العراق طوبوغرافيا وديموغرافيا وبشكل تفصيلي ومستمر دون ان تدري السلطات العثمانية بهذا النشاط . بدأت هذه السلطات تشكك في حقيقة اهداف هذه العمليات ولكن بعد فوات الاوان . هذا من جانب الاساليب التي تغلغل بها الاوربين . ولكن عندما حانت ساعات القفز على العراق وابتلاعه ابان الحرب العالمية الاولى 1914 . فلقد تبين صدق حدس المراقبين سواء من العراق او العثمانين على الاساليب والطرق التي مكنت بريطانيا من العمل داخل العراق وبشتى المجالات والهدف المخفي لها . وهنا كانت استجابة المواطنين العراقيين في المدن والعشائر لنداءات الجهاد الصادرة عن المرجعيات الدينية او التوسلات العثمانية تحت غطاء نصرة الدين استجابة كبيرة . فكانت مقاومة العراقيين في الشعيبة والتضحيات السخية التي بذلوها في سبيل ان تظل راية العراق عزيزة .. عصية على الاجنبي المحتل رغم ثقل الحكم العثماني على العراقيين .. وكذلك كانت عمليات القتال في الكوت وحصار القوات البريطانية ومن ثم استسلامها للقوات العثمانية بدعم ابناء العراق ومساعدتهم . وكانت ايضا معارك سلمان باك من الملاحم البطولية التي سطر بها ابناء العراق اروع الصفحات في التضحية والفداء . وعندما حاول البريطانيون فك الحصار عن اسرى جيشهم في الكوت ، باستخدام ممر الناصرية - الكوت ، كان تصدي العراقيين رائعا ؛ وخاصة في المعارك التي سبقت احتلال الناصرية في 25/تموز/1915 . او معركة باهيزة ومعركة البطنجة التي وقفت بها العشائر العراقية وقفة شجاعة ، يتقدمهم عشائر ال ازيرق وخفاجة والعبودة وال ابراهيم . الامر الذي جعل بريطانيا تتقهقر في هذا الممر وتنهزم . وتعتبره الجسر المكسور .. في الحقيقة منذ دخول بريطانيا الى الفاو 1914 الى استكمال احتلال العراق بعد ان دخلوا بغداد سنة 1917 واستكمال الاحتلال في 1918 بعد ان وقفت الحرب العالمية الاولى كانت مقاومة العراقيين لا تهدا ؛ بل وتتصاعد الى ان تم طرد الاجنبي ؛ وتلك حكاية طويله سنوردها في بحث لاحق انشاء الله .
Share |