نمور تسمانيا/احمد ثامر جهاد

Sat, 8 Sep 2012 الساعة : 2:17

 

كل الشعوب راشدة، حتى تلك التي لم تكتب تاريخ طفولتها وفتوتها" 
                                                                 شتراوس
يتحدث علماء الحيوان منذ زمن عن نمور تسمانيا بوصفها اغلى واندر صنف حيواني مهدد بالانقراض. يمتاز هذا الحيوان البالغ الندرة الذي يعيش جنوبي شرقي استراليا وفي بعض مناطق غينيا بشكله الغريب الذي يجمع بين ملامح النمر والذئب والكلب ويمتاز بفرائه المخطط الذي يغطي نصف جسده بمزاوجة عجيبة.
بين ان تكون نمور التسمانيا صنفا قائما بذاته، مجهول الاصل، او ثمرة تزاوج اكثر من نوع حيواني فانها بالمجمل حيوانات نادرة ما انفكت تثير شهية الباحثين في تقصي اصلها وفصلها وامكانيات بقائها او انقراضها.
ومن حسن حظ تلك النمور الجميلة بفرائها المقلم وحركتها الرشيقة انها لا تدرك حقيقة ندرتها والخطر الذي يتهدد سلالتها، والا كانت تورطت في حروب افتراس طويلة الامد مع حيوانات اخرى لضمان بقاء نوعها مع ابتكار عقيدة ديماغوجية تسوغ تفوقها وحتمية انتصارها الشرس على جيرانها رغما عن قوانين الاصطفاء الطبيعي.
يبدو ان الطبيعة التي تحتمل الكثير من الشذوذ في قوانينها وعلاقاتها الكامنة ضمنت للتسمانيا حسا براغماتيا في التعاطي الحذر مع الكائنات الاخرى، الادنى مرتبة او الاشد فتكا، وحصلت في الغضون على سعادتها المرجوة وسط انشغال قطعان الاغلبية بتفوقها العددي وتاليا حقها في السيادة.
يجري التاكيد على ان قانون الغاب يتحرك بمنطقه الخاص ولا يكترث لوفرة هذا النوع الحيواني او ذاك في بقعة جغرافية ما، كما لا يشكل ذلك التمدد السلالي ضمانا لبقاء النوع، وحتى القوة التي حكمت حياة الغاب لقرون وحددت هوية الغالب فيه قد لا تصمد امام موجة المتغيرات التي تعصف بالطبيعة وكائناتها. وكما يقول البعض الذي تؤرقه المفارقة مازحا: انقرضت الديناصورات وبقيت الفئران. 
لكن التسمانيا بوصفها اقلية حيوانية ذكية يبدو انها تتحسس غريزيا مشكلها الوجودي بشكل دفعها لضبط طباعها وتأنيق سياسة تعاملها مع الآخر مهما كانت مكانته.
ما يسحر علماء الحيوان تحديدا ليس حفاظ التسمانيا على اماكن تواجدها الطبيعي، وانما قدرتها على البقاء طيلة سنوات عدة والحفاظ على عائلتها من دون اهدار دم كثير او عقد مساومات تحط من كرامة نوعها الفريد.
الا تمنحنا التمسانيا درسا رمزيا في امكانية التعايش بين اجناس متباينة في قوتها وطبيعتها وتحدرها، وربما خلقتها وسلوكها؟
فبعد حربين كونيتين حطمتا الطموح البشري في السلام واذلتا كبرياء الامم العريقة في الهيمنة، تحت ذرائع القوة والتفوق العرقي والحضاري، يستعيد العالم اليوم في غير منطقة واقليم، لاسيما في ربوعنا العربية شكلا نزاعيا اشد بشاعة في حروب اقليات واكثريات وبهوى طائفي مقيت.
تهزم العقلانية ثانية وأبدا، وتعلو الاصوات المدافعة عن اكثر نزعات الانسان دناءة في مسلسل قتل مجاني، ولتذهب الى الجحيم كل دعوات الاديان السماوية للسلام والمحبة بين بني البشر.
لا أحد في خضم مشهد الدم والدخان بوسعه تذكر قولة شتراوس"وراء كل المجتمعات الانسانية ماضٍ هو بنفس الدرجة من العظمة تقريبا." وكان الانثروبولوجي المخضرم يقرأ العلاقات المعقدة للثقافات الانسانية بمشتركاتها ونقاط اختلافها. 
يدعونا الى قبول واقعة تنوع الثقافة نفسها باعتبارها حصيلة الاسهام البشري على مر التاريخ. ويحذرنا من ان نزعنا صفة الانسانية عن الذين يبدون اكثر وحشية وبربرية يلزمنا بالاعتراف ان البربري هو قبل كل شئ، الانسان الذي يعتقد بوجود البربرية.
ما زالت نمور التسمانيا سعيدة بوجودها في ظل سواد الغابات الكثيفة، فيما يواصل انساننا الراشد ابتكار ذرائع شتى لمحو ابناء جلدته. ربما نحن من سيصاب بلعنة الانقراض قريبا وتبقى التسمانيا صنيعة تعقلها وجمالها. 
 
 
Share |