الناصرية ....... عروس الفرات وأرض التأريخ/سعد جودة الزيدي
Fri, 7 Sep 2012 الساعة : 1:23

اتجهت سياسة الدولة العثمانية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر إلى تقويض نفوذ الأمارات العشائرية التي كانت بمثابة ( دولة داخل دولة ) لتمتع هذه الأمارات بقوة كبيرة في المجالين العسكري والاقتصادي , وقد رأى الوالي مدحت باشا (فترة ولايته من 1869-1872) إن أفضل طريقة لتشتيت تحالف المنتفق العشائري الذي يدار من قبل أمراء آل سعدون هو بناء مدينة لتكون مركزا للواء ( محافظة ) يقام على أرض محافظة ذي قار الحالية , مكان استيطان الأمارة السعدونية , ولم يجدِ نفعا رفض مشايخ آل سعدون ( ناصر الأشقر وأخيه منصور ) وممانعتهم لقرار مدحت باشا ببناء المدينة , فوافق الأخوان مرغمين لاسيما إن الوالي طمأن الشيخ ناصر الأشقر بأن المدينة ستسمى باسمه وسيكون الأشقر متصرفا ( محافظا ) للَواء .
لكن يبدو أن قلق الشيخ ناصر لم تهدئه تطمينات الوالي وظهر ذلك جليا من خلال اختيار موقع المدينة الذي سيكون في منخفض من الأرض بجانب بحيرة ( أبو جداحة ) – في الجانب الشرقي لنهر الفرات – لإغراق المدينة فيما إذا تأزمت العلاقة بين مشايخ المنتفق والحكومة العثمانية , وفطن الوالي لذلك وأمر بتقوية السدود بين البحيرة ومكان بناء المدينة .
وُضِع الحجر الأساس للمدينة في العام 1869م بعد إن انتدب الوالي المهندس البلجيكي جولس تيلي لوضع خرائط المدينة التي تم تصميمها بشكل هندسي عصري رائع كما هو سائر في أوربا القرن التاسع عشر , حيث جاءت شوارعها مستقيمة تقطعها أخرى مستقيمة وحدائقها جميلة وساحاتها واسعة , لتكون امتدادا للمدن السومرية القديمة كأريدو وأور ولكش ولارسا التي لتزال آثار بعضها شامخة على أرض ذي قار , وكان أول ما بني عند تنفيذ الخرائط على الأرض سراي الحكومة ثم خططت البيوت والأسواق وجامع فالح باشا الكبير وتأسست المحلات السكنية السراي والسويج والسيف , وأحيطت المدينة بسور له أبواب أربعة هي باب الشطرة وباب السديناوية وباب الزيدانية وباب القلعة ولم يبق لها اليوم أثر ، ولكي لانجانب الانصاف لابد ان نشير الى ان الشيخ ناصر الاشقر الذي تولى متصرفية لواء المنتفك في 13 اب 1869 م الذي كان قد عارض بناء المدينة عاد وتبرع ب 450 ليرة ذهب عند الشروع ببناءها كما تبرع بمايقرب الالف ليرة لانشاء جسرمن القوارب لربط المدينة بالجانب الغربي لنهر الفرات ( صوب الشامية حاليا ) , ومن الجدير بالذكر إن أول من بنى له دار في هذه المدينة التاجر ألأرمني نعوم سركيس , ثم توافدت الناس للسكن فيها , وقد توسعت المدينة شيئا فشيئا بعد إن مرت بأطوار عديدة لتصل إلى شكلها الحالي .
المصادر
حسن علي خلف المفصل في تاريخ مدينة الناصرية
عبد العال العيساوي لواء المنتفك في سنوات الاحتلال البريطاني
ابراهيم عبد الحسن مجلة ابداع العدد العدد 4 لسنة 2011