قراءة في مستقبل المثقف الديني العراقي ح2/ظاهر صالح الخرسان
Thu, 6 Sep 2012 الساعة : 0:40

ذكرنا في الحلقة الأولى من المقال مميزات المثقف الديني عموما واشارة الى مقارنة سريعة بين المثقف العراقي والمثقف الديني الإيراني حيث لم نجد مثقفا دينيا عراقيا أمثال أولئك العشرات المثقفيين الدينيين الإيرانيين الإيراني ولا نصيب للمثقف الديني العراقي في شيء منهما إلا القليل ،
فلن نجد في تأريخ المثقف الديني العراقي مثقفاً دينيا مثل جلال الدين الرومي أو حافظ الشيرازي أو سعدي الشيرازي الذين مارسوا اشدّ أنماط النقد في الدائرة الدينية من واقع كونهم مثقفين دينيين على الرغم من أن ثقافتهم الدينية تمظهرت من خلال الإبداع الشعري لكن تجد الهم المعرفي والفكري والفلسفي من منطلقات النقد والمراجعة والتحليل والتفكيك حاضرا لديهم بكل قوة ،
ولن نجد في تأريخ المثقف الديني العراقي مثقفا دينيا عظيما استطاع ان يخترق مجال الإبداع الفلسفي والاشراقي مثل الملا صدرا ولن نجد مثقفاً من طراز علي شريعتي في فضاء الثقافة الدينية العراقية وتساءلنا عن ما هو السبب الواقعي وراء حالة التخلف اللاأعتيادية التي تكتنف حلة المثقف الديني العراقي قياسأ الى نظيره الإيراني او حتى قياسأ الى اقرانه في بلداناً أقل شأنا من العراق عموما ؟
هناك مشهد عام لهذا الموقف التقهقرائي أكثر وضوحا وأجلى بيانا ربما يسلط الضوء على دراسة هذا الواقع المأساوي الذي أحاط بالمثقف الديني العراقي حيث اشار اليه الباحث الاسلامي "باسم الماضي الحسناوي "في كتابه اشكالية المثقف الديني بين سندان التقليد ومطرقة الحداثة
حول السبب الواقعي وراء حالة التخلف اللا اعتيادية التي تكتنف حلة المثقف الديني في العراق قياساً إلى نظيره الإيراني أو حتى قياسا إلى أقرانه في بلداناً أخرى اقل شانا من العراق عموما في مجال الثقافة والفكر والإبداع سواء على صعيد الحاضر أو على صعيد التأريخ منها:
فــــخ الرقابة السلطوية التي مورست ضد الثقافة العراقية عموما في كل مراحل التأريخ الحديث في العراق فقد مارست الدكتاتورية كل الوسائل من اجل رضوخ النخب لها وهناك أوضاعا شاذة وسلبية مارستها الدولة على المثقفين الدينيين لم تقع على الآخرين فقد أجبرتهم عن الامتناع في الكتابة الإبداعية التي تخص العقيدة الإسلامية أو إنها –السلطة- توافق على ان يمارس الإبداع ف الكتابة الدينية لكن بشرط أن تصب في مصلحة الأيدلوجية الحاكمة وإذا امتنع عن الكتابة فان هذا يعني في النهاية اعتزاله عن حلبة الإبداع الفكري الديني وأما إذا وافق على الكتابة والدخول في الحيز المعرفي الإبداع حسب أهواء ورغبة السلطة الحاكمة فهذا يعني سقوطه الحتمي في نظر الجماهير الدينية بحيث لا تعود كتابته ناهضة بتعريفه للناس بوصفه يمثل ضرورة دينية او عقائدية ،بل انه لا يعد مثقفا بنظر المجتمع الديني على الإطلاق فهو في كلتا الحالتين ضحية الدكتاتورية لا على الصعيد الشخصي او المادي فحسب بل على صعيد الكينونة المعرفية أو المعنوية
كذلك إن الأغلبية الساحقة من المثقفين والمبدعين الدينيين هم منحدرون من الأوساط الاجتماعية الشعبية البسيطة ، بمعنى أنهم محكومون باشتراطات عدا الوضع الاجتماعي من الفقر ومضاعفة المسؤوليات الحياتية وعدم القدرة على طبع ما يكتبون وقلة الفراغ المتكفل بممارسة الإبداع والكتابة ،وهذا يتحتم على الكثير منهم بالارتباط بالدولة بمعنى من المعاني عن طريق الوظائف الاعتيادية التي يجدون من خلالها مواجهة متطلبات الحاكم ،في حين لا يكون الكاتب الحوزوي واقعا تحت تأثير ضغط الدكتاتورية في هذا الكيف حيث إن موقف الحوزة يبقى قويا مهما وقف ضدها الحاكم ،مما يضفي على الكاتب الحوزوي نوعا من الحصانة والتي يفتقد إليها الكاتب المثقف الديني .
ومن الأسباب التي أوردها الكاتب عرّج عليها مرة أخرى هي ارتباط المثقف بمؤسسة الدولة بسبب ما ذكره سابقا انحدارهم من الطبقة الاجتماعية الكادحة في الأعم الأغلب والتي تحتم عليهم السعي من المتواصل من اجل كسب القوت اليومي لهم ولعوائلهم على الرغم من أن عددا كبيرا منهم يحملون في نفوسهم قدرا من الحساسية والنفور من العمل في مؤسسات الدولة خاصة عندما تتجه نحو الدكتاتورية أكثر ،فلقد اثبتت الغالبية الساحقة من المثقفين الدينيين وجود هذا المعنى فيهم في اخفق الكثير منهم في ان يثبتوا لانفسهم وجود معنى النزاهة والاخلاص للفكر فيهم مع ماهم فيه من الاحوال التي تجعل في امكانهم الاستغناء عن الارتباط بالسلطة الدكتاتورية
وعلى كل فأن ارتباط المثقف مهما كان ضعيفا أو قويا مبررا أو غير مبرر قاصدا فيه المصلحة العامة أو غير قاصد ومهما كانت الحيثيات والاعتبارات الحافة بهذا الارتباط المفترض فانه يساهم هذا الارتباط في إخفاق بريق شخصية المثقف الديني ،ليس وحده فحسب بل تنسحب الحالة في نظر المجتمع إلى من هم من طبقته وشريحته
ومن الأسباب أيضا، محاربة المثقف الديني عندما يخوض الصراع في النقد والدراسة والتحليل وغيرها من قبل المؤسسة الدينية التي تعتبر نفسها ذات التمثيل الرسمي كالحوزة والأزهر،على الرغم من أن البطل في هذا الإبداع هو المثقف الديني ،حيث وجدت العشرات من الكتب والدراسات المقارنة بين الإسلام وغيره من الأديان والأطروحات العلمانية المتطرفة ،فقد حورب المثقف الديني العراقي بصورة خاصة ،باعتبار إن المسلم العراقي معتاد جدا على هذا النمط من الخطاب الذي يهيمن على التفكير الديني ،فهو راسخا في الأذهان إلى درجة أن من خرج عنه (مضمونا وصياغةً )فأنه لا يحظى بأية درجة من درجات القبول في الأوساط الاجتماعية المتدينة فلقد بقي حال المثقف على ما هو عليه من التردي والانحطاط تحت طائلة الاضطرار للارتباط بالسلطات المتعددة من اجل تامين قوته الخاص وقوت عائلته دون ان تمنحه الظروف فرصة الاستقلال بنفسه وفكره عن الاوضاع السياسية الشاذة ليتخذ مكانه الطبيعي في صف النقد والتصويب والمعارضة وكأن التأريخ حكم على هذا المثقف الديني العراقي اما ان يكون عاملا مع احدى السلطات تحت ضغط التقية او متمتعا بشيء من الحرية والاستقلالية ولكن مع كثير من المعاناة على صعيد الحياة الاقتصادية والاجتماعية ،مع رضاء تام بان يعيش حالة الاقصاء والتهميش والانزواء من بدء وعيه وحتى الممات واما من وجد فسحة في الانضواء تحت اللافتات الحزبية وان اتخذت لنفسها شعار الدين نجده مضطرا لمسايرتهم لا سيما بعد سقوط الصنم حيث اصبحوا مكشوفي لكل المجتمع حتى البسطاء الذين كانوا مخدوعين بشعاراتهم ولافتاتهم وبياناتهم اذ خالفوا كل اطروحاتهم السابقة وكانوا اول من يخرق الالتزام بالمبادئ التي دُ عوا اليها وعرف الشعب بما لا يحتاج الى برهان انهم كانوا طامعين لا طامحين ليأخذوا مكان معاوية وينفذوا سياسته بلا فتات تكتب عليها عبارات وصرخات ابي ذر