اغتيالات وتهديد تطال الصحفيين في النجف/فاضل الخفاجي

Tue, 4 Sep 2012 الساعة : 23:22

 

لم تكن النجف الامنة من المحافظات العراقية التي لا يتعرض فيها الصحافيين للتهديد ، بل سجلت المؤسسات الاعلامية العراقية والدولية الكثير من الانتهاكات ،التي حاولت فيها نقابة الصحفيين العراقيين ومرصد الحريات الصحفية والجمعية العراقية للدفاع عن حقوق الصحفيين تسجيل  الانتهاكات والتهديدات التي طالت صحفيين يعملون في وسائل اعلام عراقية وعربية واجنبية ،وهناك العديد من الصحفيين الذين انسحبوا من الساحة الإعلامية او فضلوا عدم التحدث لأي مؤسسة وطنية او اجنبية عن تهديداتهم على يد احزاب او مسؤولين .
 
ولعل القصة الحقيقية التي تحدث بها الكثير من الصحفيين هنا اوهناك شاهد حي على الانتهاكات الجسدية ،او التهديد بالترك العمل الصحفي او الهجرة الى مكان اخر ، لها مدلولات تندد بالخطر على مستقبل حرية التعبير والاعلام، بالرغم من وجود نصوص قانونية لحرية الاعلام الا انها لازالت معطلة لأسباب كثيرة ،واحد هذه القصص  غرابة ودموية ما  سمعته من بنبأ نجاة الزميلين حيدر صالح سفينة مراسل قناة الاتجاه و علي حميد الطيار مراسل قناة بغداد من محاولة اغتيال كادت ان تودي بحياتهم بعد عودتهما من التغطية الصحفية ،في مدينةٍ المشخاب الواقعة على بعد 35 كم جنوب غرب محافظة النجف .
 
 وكانت قد سبقتها نجاة علي الطيار من عملية اختطاف وضرب والده على راسه بأدوات جارحه مما دعاه للرقود في المستشفى و فراش المرض لازمه منذ 3 سنوات و تلتها تصريح مكتب (احد رجال الدين !!!) المعروف بعدائه لكل اعلامي ينتقد تجاوزات انصاره بحق المال العام وكان بيانه الاخير بحق الزميل حيدر صالح سفينة بانه عميل لإسرائيل و امريكا في اشارة الى جواز هدر دمه، اي فتوى لتصفيته جسديا ويسمونها بـ(النفي من الارض)..
 
فتساءلت في نفسي لماذا يتم التركيز على هذين الصحفيين بالتحديد من قبل المجاميع المسلحة لاستهدافهم ؟؟؟؟؟
 
رعب واختفاء ومكان مجهول
 
زرت المكتب الذي يلتقي فيه الزميلين حيدر و علي  فوجدتهما يقيمان في غرفة صغيرة في احدى البنايات التي اتحفظ عن ذكر مكانها لدواعي امنية وكانت غرفتهم ملفتة للانتباه ،فلم يثبتا في مكان معين وقد غيروا مكانهم القديم و استأجروا غرفة مظلمة تحوي كرسيين وحاسوب واشرطة ومعدات لتصوير ،ويعتبرون مكانهم ستراتيجي يتخذونه مقرا لعملهم دون ان يعلم بهم احد ،فهم بين الحين و الاخر يغيرون اماكنهم حتى انني عانيت الكثير لاصل اليهما ، لاجل اجراء قصتي الصحفية ،فرأيت الغرفة المظلمة الهادئة ،التي اشبهها بكهفهم، اذ يقضون معظم اوقاتهم فيها ليخططوا لكيفية الانقضاض اعلاميا على اوكار الفساد في العراق اوما يتعلق بفضح الاحزاب السياسية او الاحزاب التي لديها ميليشيات مسلحة وهي خارج العمل الساسي وغير مشتركة بالحكومة الحالية .
 
يقول علي الطيار، 35 عاما ((لا اخاف من اي خطر قد يصيبني من خفافيش الظلام الاسود التي جعلت مستقبل العراق مجهولا ، فقد قطعت عهدا على نفسي  ان افضح المفسدين و الفساد أينما كان)).
 
وبين الطيار(( اننا لن نساوم في حق الشعب الذي اكلته الدكتاتورية بالامس ،كما اكلته الاحزاب المتصارعة باسم الديمقراطية اليوم ".
 
و اضاف حيدر صالح ،38 عاما ((انني عاهدت نفسي و زميلي علي الطيار على مواصلت العمل الصحفي مهما كان ،ولن نسكت عن اي ملف من ملفات الفساد ولتكن حياتنا نذرا، لهذا البلد الجريح الذي ينزف من سراق المستقبل".
 
وتابع حيدر (( ليست فقط حياتنا مهددة في العراق ،بسبب فضحنا لملفات الفساد بل انني قد تجاوزت العقد الثالث من عمري و لم استطيع الزواج لانني عندما اقبل على اي بنت للزواج اراها ترفضني لانها تقول ان حياتك  مهددة ولا اريد ان اكون ارملة و انا في بداية شبابي)).
 
وكان يدخن سيجارته ويلفظ انفاسه المليئة بالحسرة والالم "حتى البنت التي احبها نفرت مني بعد ان سمعت بانني قد نجوت من محاولة اغتيال وقالت لي لا استطيع ان اعيش مع شخص حياته مهددة ))
 
كنت انظر الى رجفت يديه ،وحركت اصابعه العشوائية ودوران القلم بين اصابعه، فاستغربت من ابتسامته الحزينة ..وقال بعد ان رفع راسه امام جهز التسجيل ،مرددا باللغة الدارجة ((الله كريم ؟؟؟ ،فالحال لن يبقى على ما هو عليه)) .
 
ثم يقاطعنا علي الطيار مرة اخرى  ليتحدث من جديد ويصف  حاله قائلا "انا و زميلي نتشابه في الكثير من النقاط ومنها ان خطيبتي طلبت مني فسخ خطوبتنا و اعادت لي خاتم الخطوبة بعد ان انتهت محاولاتها باقناعي بترك العمل الصحفي نهائيا ،وخصوصا بعد نجاتي من محاولة الاغتيال و انها غير مستعدة ان تعيش مع شخص قد يقتل في أي وقت  على ايدي ؟؟؟)).
 
شاهدت دموع علي  تتحرك مسرعة بين الجفون عندما كان يتذكر ضربات والده امامه وهو يردد((لا اعتقد ان العراق سيبقى اسيرا لهذه الحركات الفاسدة فاني اتململ عندما اشاهد طفلة عراقية تبكي لانها لا تملك لعبة من العاب الاطفال و ابكي عندما ارى عائلة تجلس في منزل مهدم لا سقف فيه و ارى على الجانب الاخر اطفال بعض المسؤولين الفاسدين يرتدون ثيابا باسعار خيالية و يعيشون برفاهية على حساب دماء الناس)).
 
 و يتابع الطيار كلامه وهو ينظر الى زميله مراسل قناة الاتجاه (( كذلك زميلي حيدر دائما يقول لي : الام العراقيين لن تنتهي مادام التقسيم الطائفي والحزبي مستمر فلن يرقى العراق الى مصافي الدول المتقدمة )).
 
الصحفي من يفضح برامج رعاية الفساد
 
 ثم يعود حيدر صالح  ليقطع كلامنا ويداخلنا الحديث قائلا ))  انا ابكي عندما يحصل مسؤؤول فاشل دراسيا على وثيقة ليبقى في منصبه وهو فاشل دراسيا ،وابكي عندما اسمع ان مسؤولا  باع قطع اثرية من تاريخ العراق الى جهات خارجية بملايين الدولارات واصبح الحرامي وطنيا ،وهو يتململ عندما يحاول مساعدة طفلة صغيرة لا تملك المال لشراء مستلزماتها الدراسية بينما هو يتحدث ،مع من على شاكلته عن برنامج وطني لمكافحة الفساد ،والعكس صحيح ،برامج لرعاية الفساد على حد قوله)).
 
 و ويتحدثا حيدر وعلي عن المضايقات التي يتعرضون لها كل يوم من قبل بعض عناصر الاجهزة الامنية الذين يمنعونهم في الغالب من مواصلة عملهم ومنعهم من دخول بعض دوائر الدولة كي لا يفضحوا الفساد فيها.
 
وخلال تواجدي في غرفتهما وانا افتش بين الجدران رايت صندوقا مثبتا على احد الجدران ، فسالتهم عنه فقال حيدر (( هو لتوفير الاموال وانا و زميلي علي نستقطع شيء من مرتباتنا الشهرية لمساعدة الاطفال الفقراء و بعض الفقراء المرضى ممن لا يستطيعون مراجعة الطبيب بسبب شحة المال لديهم )).
 
وتابع ((حتى هذا الصندوق لم ينج من السرقة من قبل المفسدين ففي احدى الايام وقبل ان ناتي الى هذا المكان داهمت مكتبنا قوة لا اعرف الى اي جهة حزبية تنتمي لتفتيش مكتبنا لاجل سرقة الوثائق التي تتعلق بالفساد الخاصة باحزابهم فبعثروا ادوات المكتب و سرقوا اغلب محتوياته بما فيها صندوق التبرعات وكان صندوق كبير وفيه الكثير من الاموال التي جمعناها لاجل اقامة عملية جراحية لاحد المرضى الفقراء ونحن اخذنا عهدا على انفسنا باننا لن نتراجع عن موقفنا في مكافحة الفساد )).
 
وفي هذه الاثناء رايت صورة صغيرة فوق مكتب حيدر فسالته عنها فأجاب ((انها صورة للمصورة العالمية (اكاتا سكورونك )وهي مصورة بلغارية و تعمل في احدى المؤسسات الالمانية، وعند مجيئها للعراق كانت تبحث عن الصحفيين الاستقصائيين الحركيين في العراق حتى توصلت الينا عن طريق احد الزملاء الاعلاميين فكانت لطيفة جدا معنا لانها علمت باننا نكافح الفساد ونفضح السياسيين المفسدين اما الشعب ونكون عائقا في عدم حصولهم على اصوات مناسبة في الانتخابات ، وكانت اكاتا سعيدة جدا بنشاطنا واحست بانها لا تريد مفارقة مكتبنا الصغير لولا اصرارنا على مغادرته تخوفا على حياتها من القتل .
 
 وبقى ان ابين ان اخر كلمة قالاها الصحافيان علي وحيدر ،((انهما لن يجعلا الخوف امام مستقبلهما ،وان كانت حياتهما مهددة بالخطر ،ان انهما يؤمنان بان التغيير لن يحصل بالعراق الا بعدسة الكامرة وبقلم الصحفي ،الذي سيطهر العراق من المفسدين .
Share |