حزب الدعوة إلى أين ؟ الحلقة السادسة/الدكتور طالب الرماحي
Tue, 4 Sep 2012 الساعة : 20:54

حزب الدعوة والشهيد محمد باقر الصدر
نقل الشيخ محمد رضا النعماني في مقدمة كتابه ( شهيد الأمة وشاهدها ) عن السيد محمد باقر الصدر ، أن فاضل البراك – مدير الأمن العام آنذاك – في الكوفة قال له : " سيدنا إني أتمكن من أتلاف كل التقارير التي تكتب ضدكم والتي ترفع إلينا من قبل مديريات الأمن ، ولكن ماذا أفعل بالتقارير التي ترفع للقيادة مباشرة دون أن تمر بنا من قبل فلان وفلان – وذكر اسمائهم – وقدم له نماذجاً منها " . هذه المظلمة وأخواتها نالها الصدر رضوان الله عليه عندما كان حيا يرزق ، من قبل المقربين في الحوزة ، فما هي المظالم التي نالها من قبل قادة حزب الدعوة بعد وفاته ؟!!
ولابد أن نقدم لتلك المظالم بمقدمة نسلط فيها الضوء على طبيعة خلق السيد الصدر ونمط تعامله مع المحيط الاجتماعي والقاعدة التربوية والنفسية التي كانت تستند إليها نفسه ( الطاهرة) التي جسدت بصدق وبشكل استثنائي الأنموذج الحي لمن يريد أن يدعي الانتساب لمذهب أهل البيت ويمارس دوره كأحد أتباع تلك المدرسة الربانية ، لقد عرج الشهيد الصدر في خلقه إلى درجة يحق لنا أن نتخذه اسوة وقدوة ، فإسلوبه في الحياة هو امتداد لما كان يمارسه أجداده المعصومين في الزهد والتواضع والاعراض عن الدنيا والتفاني في خدمة الناس والتضحية من أجلهم والاستعداد لتقديم أغلى ما يمتلكه لرفعة الدين والمذهب والوطن ، وكان رضوان الله عليه يطمح في أن يكون بعض أتباعه وطلابه وقادة حزب الدعوة - الذي شارك في تأسيسه - امتداد له ، فهو لا يريد أن يتوقف الزمن عند وفاته بل كان يأمل أن يرى في شخصيات إلهية أخرى تلعب ذات الدور الذي لعبه من أجل التغيير ، وكأنه رضوان الله عليه كان يعلم أن العراق في طريقه إلى التغيير ، وأن التغيير الذي ينشده الصدر بحاجة إلى رجال تربوا على المباديء والقيم الإنسانية ، وأن القائد إذا فقد تلك المباديء والقيم الإنسانية فسوف يكون كارثة على الأمة والوطن والمذهب – ويا أسفاه – فالذي كان يخشاه الصدر قد حصل فعلاً .
فالذين كانوا يحاربون الصدر قبل استشهاده ، كانوا يخشون على دنياهم من بطش السلطة ، فهم قد ألفوا حب العافية والأموال تجبى إليهم وهم في بيوتهم ، ولا يريدون لتلك الدنيا أن ينغصها الشهيد الصدر بمواقفه ، ومع أنهم خانعون لإرادة النظام البعثي ، لكن الشهيد الصدر قد حرك ماء ( البركة الراكدة ) وهم يخشون أن دوائرها سوف تصل إليهم مهما كان موقفهم من ذلك النظام ، فهم والصدر ينتمون إلى جبهة واحدة وهي المرجعية والحوزة ، واتذكر أن المرحوم جواد خليفه وكان من المقربين للصدر قال لي : أن أحد المعممين قال لي بغضب : إن محمد باقر الصدر جاءنا بدين جديد .
كان الصدر قد تميز بثلاث خصال تشكلت منه شخصيته ، وصدقه مع تلك الخصال هي التي مهدت له النجاح الباهر في الدنيا والآخرة ، وجعلت منه شخصية خالدة لايختلف عليها اثنان من المنصفين من أبناء الشعب العراقي ، الخصلة الأولى هي : زهده في الدنيا .. كان زاهدا في مسكنه وملبسه ومأكله .. الثانية : تواضعه .. ما كان يرد أحدا يريد الحديث إليه حتى وإن كان طفلاً ، يتكلم بهدوء ويبتسم في وجه متكلميه وإن كانوا من منتقديه .. الثالثة : صدقه مع قضيته وإصراره على التمسك بها .. وهذه الخصال لايحتاج الصدر لإثباتها فكل الذين كتبوا عنه يقرون بها وقد ضمنوها في أحاديثهم وكتبهم ومقالاتهم .
وهنا نريد أن نناقش مدى تعامل قادة حزب الدعوة مع الشهيد الصدر بعد وفاته ، وكيف كان وفائهم له ، مع إعترافهم على أنه كان المؤسس لحزبهم وهو الذي هيأ لهم فرصة الدخول إلى دنيا ( هرون الرشيد ) بعد سنة 2003 ، مع أن فراسته رضوان الله عليه كانت ثاقبة في كيفية تعامل القوم مع دنيا هرون الرشيد عندما قال مقولته المشهورة لطلابه : هل عرضت علينا دنيا هرون الرشيد حتى لا نقتل الإمام الكاظم ؟ . وهل جسد القوم أخلاق الشهيد الصدر وحققوا بعض آماله في تجسيد تواضعه وزهده وفي الإخلاص للأمة والوطن ؟. هذا ما سوف نجيب عليه إنشاء الله بصدق .
زهد الصدر وزهد القوم : يذكر الشيخ النعماني ( ج1 ص 135) أن والدة الشهيد الصدر أصيبت بضيق في التنفس فأوصى الطبيب بضرورة استبدال مبردة الهواء العادية بجهاز تكييف ، فذهب ( المرافق له ) دون علمه ليسأل عن سعر المكيف ، فسمع الشهيد رضوان الله عليه منه ، فغضب وقال له : " هل مات إحساسك ؟ هل تريد أن أنعم بالهواء البارد وفي الناس من لايمتلك حتى المروحة البسيطة " ؟ . قال ذلك بانفعال وغضب .. وبعد أن هدأ روعه قال لمرافقه بلطف : " أنا ياولدي أريد أن أغير هذا الواقع بقولي وفعلي ، وعليك أن لاتنسى هذه الحقيقة في كل تصرفاتك وأعمالك في المستقبل " . ونستدل بهذا الموقف وأمثاله وهي كثيرة في حياته أن سيرته قد استقاها من سيرة جده علي عليه السلام الحافلة بمثل تلك المواقف ، وهو الذي رفض أن يقيم في قصر الإمارة واستأجر له دارا متواضعة ليقيم بها ويدير الدولة منها ، وهو الذي امتنع من أن يعطي أخاه عقيل من بيت المال .. والشهيد الصدر أمضى حياته في داره المستأجرة المتواضعة في إحدى أزقة النجف ، رافضا الكثير من العروض لتجار كبار في أن يقيم بدار كبيرة تليق بمنزلته الفكرية والسياسية ومكانته في قيادة الأمة . وإذا أردنا أن نسهب في الحديث عن زهد السيد الصدر لاتسعنا العشرات من المقالات . ونحن نعتقد أن زهد رضوان الله عليه جاء لسببين ، الأول فهمه الدقيق لموقعه الديني والسياسي ومهمته في الأمة ، وإدراكه لطبيعة الدور المؤثر لمجتمع تنخر به الأعراف السلبية وتستحوذ عليه الرغبات الدنيوية ، وهو يواجه ظروف سياسية معقدة ونظام يحاول أن يشوه كل الحقائق . الثاني : فهمه الدقيق لتفاهة الحياة وعجزها في أن تشبع نهم الفرد مهما ذهب بعيدا في أغوارها ، فهو لا يريد أن يستبدل رضى الله ونعيم دائم بملذات قصيرة زائفة ، وهو بذلك يستلهم فهمه للدنيا بشكل كبير مما ورد في القرآن الكريم وحياة الأئمة الأبرار . وهذه هي خصلة لطالما تميز بها القادة المخلصون الكبار ، فالإمام الخميني رحمه الله أبى أن يترك الإقامة في حسينية ( جمران) المتواضعة ورفض الإقامة في أي قصر من قصور الشاه حتى وافاه الأجل .
زهد القوم : طيلة وجودي في صفوف حزب الدعوة الذي امتد أكثر من عشر سنوات ، كنا نتحدث في لقاءاتنا الداخلية عن كيفية إنقاذ إلمحرومين من براثن النظام البعثي ، أما المحاضرات التي كان يلقيها رموز الدعوة وخطباؤها في سوريا ولندن وإيران هي الأخرى زاخرة بالتباكي على المحرومين ومعاناتهم الأمنية والمعاشية ، والمحاضرون كانوا يستقون الأمثلة من الشهيد الصدر ومن مواقف وسيرة أهل البيت عليهم السلام .. وكان لتلك المحاضرات أثر في زرع الأمل في قلوب المخلصين الدعاة من أن تولي حزب الدعوة للسلطة في وقت ما سوف يكون المدخل لصياغة حياة جديدة في العراق خالية من الظلم وتغليب حب الدنيا. لكن الذي حصل كان صاعقة عصفت بكل الآمال ، فقد بدا رموز وقادة الدعوة ونوابها في صورة مغايرة تماما لتلك الصورة التي حملناها عقود طويلة ، وأول ما فعلوا أن رمزين من رأس الهرم تقاسما قصرين من قصور صدام في المنطقة الخضراء ، ولم يكتف أمينهم بقصر من قصور الطاغية فشيد قصرا آخر أطلق عليه دار الضيافة شيده بوقت قياسي حسب ما يتداوله سكان المنطقة الخضراء ، أما نواب الحزب وأعضاء مجالسه في المحافظات فقد تقاسموا أجمل البيوت وأرقاها ، وما عاد أحدهم يكتفي بمنصب واحد بل أن من بينهم من يتقلد مناصب عدة لتزداد أمامه فرص سرقة مال المحرومين ، يعملون ذلك بلا حياء تاركين الفقراء تعيش حالة الفقر والبؤس في مجمعات عشوائية بلا ماء أو كهرباء ، لقد اشاح القوم بوجوههم عن الشهداء وعوائلهم بحيث أن رموز الدعوة كباراً وصغاراً لم يحضروا ثلاث مؤتمرات دولية لشهداء المقابر الجماعية ، لأسباب لايمكن تفسيرها بغير الإستخفاف بكل تلك الدماء الطاهرة ، لقد استحوذت الدنيا على كل مشاعر القوم ، فانقلبوا على كل المباديء التي كانوا ينادون بها عقود طويلة.
وجدير بأن نذكر إحدى أكبر الجرائم التي ارتكبها قادة حزب الدعوة بحق الشهيد الصدر هو استغلال جسده الطاهر لمآرب دنيوية ومادية بعد وفاته ، ومن هذه الجرائم هو استحواذ حزب الدعوة في مدينة النجف الأشرف على مساحة تقدر بأكثر من 25 دونم من المناطق المهمة في المدينة ( الحزام الأخضر ) بحجة بناء قبر للشهيد الصدر ، وأنا أبحث عمن يقنعني بأن روح الشهيد الطاهرة الزاهدة المتعففة تقبل باستقطاع هذه المساحة الكبيرة التي هي اساسا مال الأمة ومن ممتلكاتها لإقامة ضريح يفوق في حجمه أكثر من 20 ضعفا من المساحة التي إقيم عليها ضريح الإمام علي عليه السلام ، وهو الذي رفض الكثير من العروض لشراء بيت له من محبيه في حياته ، يقول المقربون منه : لقد استشهد الصدر ولم يمتلك دارا ولا عقارا ، وشهدتُ عدة عروض قدمت له من أموال خاصة وليست حقوقا شرعية ، ومن ذلك عرض تقدم به تاجر من أهل البصرة وكان محبا له بأن يشتري له دارا تقع جانب المنزل الذي يستأجره ويقيم فيه فرفض قبول العرض . ولذا فإن روح الشهيد تأبى أن يستحوذ حزب الدعوة على أراضي هي ملك للمال العام ، وهي تكفي لتكون مأى لآلاف الفقراء الذين يعيشون في خرائب وتجمعات عشوائية في محيط مدينة النجف ، لقد مهدو لهذه الجريمة أن ضعضعوا بجسده الطاهر من المقبرة التي سبق وأن نقل إليها أيضا من المكان الذي دفن به لأول مرة ، لينقل مرة أخرى لهذه المساحة الشاسعة ليصبح ذلك الجسد الطاهر ذريعة للاستحواذ على تلك المساحة الشاسعة ليتاجر بها حزب الدعوة في قابل الإيام ، وليستقوي بها على خصمائه ويضمن مستقبله السياسي . وأنا إذ اتناول هذه القضية لا أستكثر على الشهيد الصدر قبرا يليق بمنزلته ، فهو يستحق منا كل الوفاء ، لكني أتساءل ، هل أن حزب الدعوة فعلاً يبنون كل هذا الصرح وبهذه المساحة الشاسعة وفاءا للسيد الصدر وهم يتركون الملايين من الأحياء يعانون شضف العيش في أغلب المحافظات ويسكنون في خرائب لا تليق حتى بسكن الحيوانات ، حزب الدعوة الذي استحوذ باسم ( هيئات الإستثمار ) على أغلب أراضي المحافظات ليجنى عمولات المستثمرين ولدي من الشواهد في محافظة النجف ما يثير القرف في النفوس ، ففي هذه المحافظة وحدها سيطر الحزب على كل الأراضي المهمة ورمى بالفقراء والمساكين في ( منطقة مظلوم ) التي لا تصلح للحياة باعتراف خبراء البيئة والجيلوجيا والصحة وغيرهم