التميز الطبقي مقدمة الانهيار/سمير القريشي
Wed, 29 Aug 2012 الساعة : 17:06

لكثير من التشريعات التي سنها مجلس النواب العراقي ومنها تلك التي تميز بين طبقة اجتماعية وأخرى لم تراعي في تفاصليها ولا حتى في أصل تشريعها الأصول القانونية والأخلاقية ولا حتى الشرعية أن لم نقل أنها تشريعات ظالمة وجائرة ..
التمييز يكون عادلا ومنطقيا حين تتوفر فيه الشروط المحددة عقلا وشرعا وقانونا وبحسب المؤهلات والخصال التي يتمتع بها الأفراد والفئات من قبيل الكفاءات العلمية والفكرية والجسدية ..ودعونا نقول الجهادية والنضالية ..فيميز في ضوء هذه الخصائص الخارجية والذاتية فردا عن أخر كواقع موضوعي يفرضه قانون الحياة وتمضيه شرائع السماء ويقره العقل السليم ..
فمن غير الممكن المساواة بين المجتهد والكسول وبين الجلاد والضحية أو بين العاقل والمجنون والذكي والبليد أو بين الظالم والمظلوم أو بين العالم والجاهل ..لكن أن يكون الترجيح بلا مرجح ووفق أهواء معينة ووفق رغبات نابعة من أغراض شخصية أو من اجل أهداف سياسية أو اجتماعية غير متعلقة بحقوق الناس والعدالة الاجتماعية .فان هذا الترجيح هو الظلم بعينه .هو الجور هو المقدمة التي تحطمت على أسوارها أنظمة الحكم من أول الدنيا إلى يومنا هذا
المجتمع ينظر إلى صلاح النظام الحاكم ويعده عادلا حين يساوي في الحقوق بين رعاياه. فحتى لو ادعى النظام الحاكم الديمقراطية والتحرر والحرية وأتاح أمام الشعب كل وسائل الحرية. لكنه اخفق في توزيع الثروات الطبيعية بعدالة ومساواة فانه يعد ظالما وجائرا ولا يمكن السكوت عليه وما يجري في أوربا والولايات المتحدة اليوم شاهد على ما نقول ..
.في عراقنا الجديد اغلب التشريعات البرلمانية لا تسن على أسس موضوعية ومنطقية.. هذه حقيقة لا ندعي بها ولا نبالغ فيها, لان الدلائل والبراهين الشاخصة اكبر من أن تبرر أو تحجب أو تؤول أو تسوف ..ولا نريد هنا أن نسلط الضوء على امتيازات أعضاء مجلس النواب أو الحكومة الاتحادية وقادته الأجهزة الأمنية ومجالس المحافظات والاقضية والنواحي والحكومات المحلية والهيئات الغير مرتبطة بوزارة ومن تبعهم بإحسان من رؤساء الجامعات المدراء العامون ووكلاء الوزارات والسفراء وووو..على اعتبار أن النظام الجديد الديمقراطي في العراق أسس من خلال تشريعاته الجائرة طبقتين اجتماعية رئيسيتين ,احدهما الطبقة الحاكمة وهي طبقة تفوق في عددها أعداد اكبر طبقة سياسية حاكمة في العالم أن لم نقل أكثر من ذلك. والطبقة الأخرى الشعب المسكين والمغلوب على آمره وهي الطبقة المحرومة من كل الامتيازات بما فيها الخدمات العامة التي تمثل في جوهرها ,أي الخدمات العامة وسائل العيش الكريم التي تعصم الإنسان من الذل والمهانة ..
وكان الأجدر بالنظام السياسي الجديد في العراق أن يأخذ بنظر الاعتبار وهو مازال في طور تكوينه ,وفي ظل انبثاق أول خيوط الديمقراطية في العراق الحديث أن يوفر الحاجات العامة للمجتمع العراقي ويسلط جهوده عليها قبل أن يشرع بصناعة الطبقية .. لكن النظام اختار طريق التمييز الظالم وبالتالي حكم على نفسه بالظلم وعدم الثقة وبالتمييز الغيرعادل بين أبناء شعبه..
كنا نعيب ونتهم نظام البعث بكل ألفاظ ومشاعر وأحاسيس الاستنكار والغضب حين يميز طبقة على أخرى .ونقول انه جعل من القانون قطعة من البلاستك المطاطي, فماذا نقول اليوم عن تشريعات مجلس النواب ؟؟؟
المشكلة أن التميز لم يظهر في طبقة السيد الحاكم في العراق لأنه يقوم على أساس صحيح وقانوني اتفقت عليه الطبقة الحاكمة ..أنما يقوم داخل الطبقة المحكومة ..وبغض النظر عن التميز المفرط بين طبقة الحاكم وطبقة المحكوم والذي يمثل صرخة بوجه كل الضمائر الحية وخرقا لكل أعراف السماء والأرض فان مجلس النواب الحالي والحكومة الاتحادية تعمل وبجد وبدون مراعاة ولا حتى أخلاق على وضع مميزات في الطبقة المحكومة بشكل يعد منافي للحقيقة والواقع بما يهدد النسيج الاجتماعي بالتآكل والانهيار..
الكثير من التشريعات منحت طبقة معينة مميزات كبيرة لم يتكلم عنها احد ربما لأسباب أخلاقية واجتماعية أكثر مما هي أسباب قانونية وشرعية .لكن أن يتعدى قانون ما ليشمل أفراد سجنوا في السعودية وبعدها هجروا إلى بلاد الغرب, فهذا هو الظلم بعينه ... فاغلب أن لم نقل كل هؤلاء السجناء لم يكونوا مرتبطين بالسياسية أو هم من المعارضين للنظام البائد بقدر ما كانوا يطمحون باللجوء إلى بلاد الغرب, وبالفعل جل هؤلاء حصلوا على اللجوء وتمتعوا بحياة مريحة . بالوقت الذي عاني أبناء داخل العراق من هوان الظلم والجوع والتمييز وكانوا يتمنون أن يكونوا مع الذين سمح لهم الحظ بالهروب إلى خارج العراق ..
بطبيعة الحال مجلس النواب العراقي يؤشر من خلال تشريعاته هذه على انه مجلس لا يشكل جل نوابه أبناء العراق الحقيقيون الذين عاشوا المحنة الطويلة تحت ظل حكم البعث الكافر ولو أنهم عاشوا المحنة لما أقدموا يوما من الأيام على هكذا تشريعات اللهم آلا أن يخونوا مبادئهم وشعبهم ومظلوميتهم ..
أعود مرة أخرى لأبرز حالة من حالات التميز المقيتة على العلم بان هذا المقال لا يمثل بأي حال من الأحوال دارسة تفصيلة للتميز الذي حدث في العراق بعد 3003 بقدر ما هو بيان لنماذج صغيرة فقط ..وأقول رواتب الرعاية الاجتماعية أو رواتب المتقاعدين أو طبقة الذين لا ينتمون إلى الرعاية ولا المتقاعدين ولا هم موظفون لدى الدولة وهم شريحة كبيرة قد تشكل نصف الشعب العراقي ..هذه الشريحة ماذا حصلت من امتيازات بعد التغير ؟؟ فمنهم من حصل على دراهم معدودة لا تغنى من فقر ولا تسمن من جوع, ومنهم من لم يحصل على شيء. كل الذي حصل عليه فورات من نوبات الغضب والحصره والحقد والشعور بالتمرد الذي أقصاه بعيدا عن غيرة من أبناء بلدته ومحافظته .وهو يرى أن النظام الحالي لم يبخل حتى على أزلام النظام البائد فقدم لهم حقوقهم وبأثر رجعي .وربما تمنى يوما ما انه كان جزء من نظام البعث أو أجهزة القمع الصدامية !!! كيف يمكن أن تقول للمظلوم أن النظام الحالي عادل وديمقراطي وهو يرى أن هذا النظام يكافئ الجلاد في كل يوم, كيف بالله عليكم ؟؟؟؟
لقد صنع النظام الحالي فوارق طبقية داخل المجتمع العراقي بصورة رهيبة لم تتوقف في حدود المكاسب المادية فقط بل أنها شملت حتى المكانة الاجتماعية والشخصية على أساس الحزبية والمحسوبية والقوانين الجائرة التي تهم طبقة معينة على حساب أخرى ..والجميع يدرك أن أبشع صور الظلم هو غياب العدالة الاجتماعية لأنها لا تضع فجوة بين الجاهز الحاكم والشعب فقط. وإنما تضع فجوات وتباين بين أبناء المجتمع..
ولذلك أدعو وبقلب صادق إلى تصحيح مسار الحياة الاجتماعية العراقية وان كان هذا الإصلاح يتطلب قلبا شجاعا ونية صادقة وإقداما كبيرا, لكنه هو السبيل الوحيد للخروج من واقع الظلم الاجتماعي والذي في حال استمراره يؤدي إلى ما ينقلب أليه الظالمون في الدنيا والآخرة . ونحن اليوم في أمس الحاجة التي تستدعي النظام الحاكم بتوفير كل الوسائل التي تجعل من الشعب يلتف حوله للخروج من الأزمات الداخلية والخارجية التي يتعرض لها العراق والتي تهدد كيانه ووجوده وحدته الوطنية ..
سمير القريشي