الروح والجسد ما قبل الموت وبعده ...!-نعيم عبد مهلهل
Sat, 18 Jun 2011 الساعة : 17:06

ــ كيف .نشعر إننا سنبقى متمتعين بشهوة وعطر الحب والحياة حتى يأذن السفر إلى أبديته ...؟
كيف نبقى محملين بالجمال ...وليس بالتجاعيد.............؟
كيف نلغي الإفلاس والحزن والشعور بالظلم .ونتخيل أنفسنا ملوكاً حتى لو ضمن نطاق مساحة أرواحنا والجسد؟
الجواب عند العطار ....
ــ العطار من . وأين حانوته ......!
ــ العطار هو أنت ..وحانوته يقع في قلبك......!
ــ أنت مثالي ...وكلامك لا يتلاءم أبدا من عالم فوارقه لاتحصى ..أثرياء وقنوات تلفزيونية لا تنقل الحياة كما هي . دبابات تحتل البلدان ومنظمات متطرفة تفجر أجساد رجالها بالمجان . شعوب تنزح إلى بلدان أخرى وتبيع أجساد إناثها في أرصفة الكدية وبارات أثرياء الشفط واللفط ...!
ــ أنا لست مثاليا . أنا أتحدث بحدود الأماني التي يتخيلها عقلي وقلبي وثقافتي ....!
ــ وما هي وصفتك لنبقي هذا الشعور عامرا فينا ؟
ـــ أن نؤجل التفكير بالأشياء الجارحة؟
ـــ وكم عددها ...........؟
ـــ ما يجرحنا قليل وما يسعدنا أكثر .غير إن جرحا واحدا يلغي لذة مليون سعادة لهذا في الحب وفي الرزق وفي الصداقة وفي العبادة يتأجل التفكير بوجود العائق ، ينبغي أن نهيئ له قلبا مؤمنا وإرادة ما . كهذا الذي يأتي لحبيبه بعد اشتياق أزمة ما فتراه يمهد لقبلته مسلكا عبر حنين الكلمات ويقول : لا ادري لم املك صبرا لوقت فعدت مشتاقا إليك. هذا كل ما في الأمر ...لااعرف إحساسا أجمل من أن تعود لمن تحب وتهوى وتتخيله جنة من عطر وقبلة وقلبا ينبض بحنان العالم كله .!
ـــ وهل الحنان بعض شفاء الفراق الطويل ...؟
ـــ نعم .
ـــ وهل مداوته بقبلة أجمل من مداواته بعطر ؟
ــ الاثنان في خلطة يمنحان لذة الشفاء .
ــ صف لنا لذة الشفاء...
ـــ أنه الشعور بالرعشة الدائمة التي لاتنتهي غدا أو بعد غد ؟
ــ يعني عمرها يومين فقط ؟
ــ كلا ما بعد غد دائما يعني إلى ما بعد ..بعد ...!
ــ ولكننا نكبر ونشيخ في ألما بعد بعد ..؟
ــ من يشيخ العاجز على إبقاء مشاعره متقدة..!
ــ وحين يصيبك الوهن والمرض وعلى الكهولة والجسد ؟
ــ ولكن القلب ينبض بإحساس واحد عند الفتى وعند الشيخ ...!
ــ وماذا يعني هذا ..؟
ــ هذا يعني أن الحب قائم ...!
ــ يبقى في مكانه الذي ولد فيه ونمى ...!
ـــ ولكن صاحبه وصنعه لايملك الأبد ..أن سيموت الحب مع صاحبه ؟
ـــ خطأ الحب وجد ليبقي الروح موجودة في عداد أشياء الأرض ؟
ــ وكيف نكتشف هذا ..؟
ــ نكتشفه فيما يتركهُ الراحلين لنا . كتبهم .معابدهم .أعمالهم الجليلة وأشياء لا تعد........؟
ــ ولكن الأثر ليس سوى جماد..؟
ــ أبدا الأثر هو روح من كان هنا وما زال....!
ــ انه التخليد الواهم ..فما بعد الجسد تطل غيبيات لاتحصى ..ولكننا نراها في صورة واحدة ..العدم ..ليس هناك سوى العدم ....؟
ـــ يالك من واهم كبير ..العدم يعني تهدم في كتلة الجسد ولكن لا احد يستطيع تهديم الإحساس فينا .
نعم نصير رميما لكن أثارنا لن تتحول إلى رميم فالقصيدة العظيمة التي تحترمها الحضارات على مد الأزمنة تراها تعطي لحياة القادمين معنى آخراً للحب والعيش والجمال .أذن من كتبها هو في دورة حياة أخرى ..!
ـــ مازلت تدور في مثالية الافتراض .وأنا أدور في قوارير العلم ؟
ـــ ابدأ يا صاحبي أنا أدور في أزليتي .وأنت تدور في لحظتك .!
ـــ ولكني لم أرَ عبر الخليقة احد قام من نعاسه الأبدي ليقول إنني عدت إليكم بخلودي ؟
ـــ زرْ المكتبات .المتاحف ...المدن ...وستراهم ...!
ـــ يا رجل .هؤلاء ليسوا سوى ورق وحجر ...؟
ــ لا يارجل ..هذه القلوب العظيمة حين تصير عناوين ولوحات ودروس وجامعات وجوائز سلام وكل شيء ..!
ـــ ما زلت تدور في وهم خيال أن الفيلسوف والعالم والشاعر لن يموت .الأباطرة والحكام القساة يصنعون الأثر أيضا ..؟
ــ نعم يصنعوه وبه يخلدون .ولكن كما في المشاعر المتبادلة هناك الحب الرائع والكره القاسي ...!
سقراط خلد لنا الحب ...موزارت خلد لنا الحب ..احمد شوقي خلد لنا الحب..غاندي خلد لنا الحب ....فيما نيرون وهتلر والقذافي سيخلدون القسوة والموت ..وهنا تفترق الأرواح بين واحدة تبقى سابحة في النور وأخرى سابحة في الظلام .......!
ـــ لن نتفق ......؟
ـــ كلا نحن متفقين ولكننا نوهم أنفسنا إننا لن نتفق ...!
ـــ لماذا ...؟
ـــ أنها جدلية أتت من مكان غامض لتبقينا على هذه الشاكلة ...!
ـــ قُل أنها إرادة الله ...؟
ـــ طبعا هي الإرادة الخفية .تلك التي خلقت الإحساس الأول بالتناقض بين ما نتمنى وبين الذي في أيدينا ...!
ـــ يا رجل أنا كل همي ينحصر في هذا ...؟
ـــ لهذا أقول لك ..اتركها مع اغماضتك وهي تحل بغيبية ما يتمناه قلبكَ...
ـــ ولكن الغيب هدم أوطاننا بشعوبها ..؟
ـــ بل قل القدر ...
ـــ والى متى نرتهن بغيب وقدر ولماذا ..؟
ــ لأننا غرس الغيب والأقدار ولم نوقت ولادتنا بمحسوب سوى بعاطفة صدفة بين أم وآب ولم يكن يعلما أبدا أنها يشاركنا بقرار الصنع سوى بقدرية أن يحدث الإخصاب أو لم يحدث فأننا سنبقى رهن عاطفتنا وحميميتها التي تفترض لخلودها قدرا جميلا حتى بعد فناء الجسد .وذهاب الروح إلى نقطة ما في سديم وجدنا هناك سنبقى ذاكرة لعناوين كتب وشهادات ميلاد ويافطات حوانيت وأسماء شوارع وتاريخ عروش.
ـــ يالهذا التفكير الصعب ..؟
ـــ يا لهذا الحب الكبير ....!
ـــ ولكنك لم تضع حلولا ودواء معلوما بوصفة لتساؤلاتك في أول حديثنا معاً ..؟
ـــ وضعتها يا صديقي ؟
ـــ أين ..؟
ـــ بين طيات ثياب الكلمات التي نطقتها أنا ونطقت بها أنت ...!
ـــ أنها خليط من أشياء وهواجس وتساؤلات لاتحصى كيف اكتشفها ...؟
ـــ نقيها يا صديقي في دورق رأسك ..ليس من السهل إن تصنع حبة الصداع إلا في استخلاصها من بين أعشاب كثر ..إن جمال الشيء في تحصيله من استنباط وبحث وكشف ثم تصرخ سعيدا في النهاية : لقد وجدتها ..!
دوسلدورف 12 حزيران 2011