انا وراديو اليابان الدولي – ج 21/سليم السراي
Sat, 18 Aug 2012 الساعة : 13:51

" قبل ان نولد بألاف السنين
كانت الشمس في السماء والزهور في الحقول
ولا تزال الان بلا تغيير
ولكن أحمالنا تزيد ونحن نعيش حياتنا
والمظاهر والتعظم والأسفلت يخفي مشاعرنا
هنالك ما يتغير وهناك ما لا يتغير , لنحتفظ إذن بذاتنا الحقيقية وإن عانينا
تمر اللحظات والدقائق ولكن لنكن من يجب ان نكون كما تملي علينا قلوبنا
لتَدْوِ أصواتنا
فكل ما يهمنا موجود هنا
دع زهرة كبيرة تتفتح
بطريقة لا أحد قادر عليها إلا أنت
( " نشيد الزهرة " من الشعر الغنائي الياباني , كلمات GReeeeN ) "
سرحت في شفاه دياجي ليلي , فالليل ساحة لتمرغ وتأرجح جشع الفكر , وساعة يقلب المرء فيها استغاثة هواه , لعله يرتوي من أمجاد أطماع تآمره , ساعة بيع وشراء مع مسالمة الضمير ؛ حبلى بالبكاء من أجل ابتغاء رضى الخالق , أو يكون نواة لنزغ وخبث أحلام النفس الامارة بالسوء , وإراقة من الضمير فحيح أخطاء نحو متاع الحياة .
جاء هنا دور الاب في الحديث , فقد فكر مليا كما عرف مكانه الذي يجلس فيه , وتوجه لي مخاطبا بما تحدثه نفسه :
- في القران وردت كلمة قتل , بينما الانجيل المقدس لم يذكرها ...
لمع في أفقي العزم , وكأن الحظ دنى لي كدنو الثمرة الطيبة , وتسرب من بين يدي الفؤاد لهفة الى كلمة الحق , وربما قاطعت فيها حديثه ولم أصبر حتى يأتي نهايته :
- هل قرأت القران ؟
ثم أبتسمت دون ان أنتظر الاجابة , ولصقت شفتي في مسامعه , بعد أن ضرب الصمت معاقل خيامه بيننا :
- لقد قرأت أجزاء من الكتاب المقدس ( التوراة والانجيل ) .. أطلعت على أجزاء من العهد القديم ومن هذه الاجزاء في المجلد الاول سفر التكوين وسفر الخروج وسفر العدد ومن المجلد الثاني اطلعت على سفر ايوب وسفر الامثال , وهذا على سبيل المثال لا الحصر , كذلك قرأت اجزاء من الانجيل مثل انجيل القديس متي وانجيل القديس مرقس وانجيل القديس لوقا وانجيل القديس يوحنا , وكذلك مجموعة رسائل القديس يوحنا وغيرها الكثير .
وما بين حديثي بالعربية والترجمة لليابانية يتيه الوقت بسرعة , وقد لاحظت ان هناك انتباها شد مسامع الحاضرين , وكأني قرعت ناقوس الفاتيكان بيد مسلم مضرجة بالدماء ومتهم بالإرهاب .
كان من ضمن الحاضرين قس واعتقد إحدى الراهبات , الذين يخدمون في الكنيسة القريبة من دار العائلة .
ثم أكملت الحديث هاتفا من كل جوارحي في تمهل :
- يقول الله سبحانه وتعالى في القران (ونفس وما سواها , فألهمها فجورها وتقواها , قد أفلح من زكاها , وقد خاب من دساها ) وهذا يعني ان النفس البشرية تحمل الفجور والتقوى , لكن المفيد هنا : ان الفجور أحيانا يسيطر على التقوى , لذلك يكون الانسان فجورا ظالما وقاتلا , وأحيانا تكون التقوى لها الغلبة على الفجور الموجود داخل الانسان لذا يكون صالحا وتقيا , وهذه قاعدة تخضع لها كل الشعوب والامم وجميع اتباع الديانات السماوية والانسانية , فلا يمكننا ان نقول ان هذا الشعب تقي وهذا الشعب فاجر , وكذلك نقيس الحال على اتباع الديانات , فلا نقول ان اتباع الديانة الفلانية جميعهم صالحين , وان اتباع الديانة الفلانية فاجرين وظلمه وقتله , والآية صريحة بذلك وتحمل البشارة العظيمة للصالحين , وفيها عتب كبير لمن فضل الفجور على التقوى .
انها حقيقة المنطق , ذلك المنطق الذي يبدد سحابة الشك وتزيل ظلال الريبة والتزوير والتحريف , بعيدا عن حدود الضيق والبقاء في دائرة العزة بالإثم , المنطق الصحيح هو القادر على اذابت النصيحة والقاء المحبة للآخرين بدون خيانة او خديعة , لتنعكس صورتها وازهار حقولها نبعا للأحلام الجميلة , حيث تطيب معها النفس وترضى في كمال من الطمأنينة .
وما دام الحديث اجد له آذانا صاغية , فقد أكملت من دون أكتراث :
- لقد ورد في الانجيل المقدس هذه الآية ( أما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشرير، بل من لطمك على خدك الأيمن ، فأعرض له الآخر. ومن أراد أن يحاكمك ليأخذ قميصك فاترك له رداءك أيضاً ومن سخرك أن تسير معه ميلاً واحداً فسر معه ميلين ) وايضا ورد في القران الكريم اية مشابهة لها (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ومن أحياها فكأنما أحيا الناس جميعا ) , الا ان كلا من المسيحيين والمسلمين لم يلتزموا بتعاليم دينهم , بل جعلوها غرضا لتحقيق اهدافهم الدنيوية في السيطرة على الارض , وكأنهم لم ينتموا الى نبي أو ينتمي اليهم .. فالمسيحية والاسلام تفرقت الى فرق متعددة , الى درجة انها استباحت دماء كل واحدة منها , فما فعلته المسيحية اثناء انتشارها فعله رجال الاسلام باسم الدين الجديد الاسلام , ولنا في ذلك امثلة تاريخية لا يمكن جحودها او تبريرها , فلا يمكن القول ان تاريخ المسيحية والاسلام خالي من ارتكاب الجرائم التي ارتكبت على يد معتنقيها , وهنا لا نتهم الديانتين بل نتهم معتنقيها فهم من سبب هذه المأساة والتي ما زلنا نحن ندفع ثمنها , فالفرق المسيحية تقاتلت فيما بينها خلال انتشارها في أوربا , وقد ذهب ضحية هذا النزاع حوال أكثر من عشرة ملايين انسان , وما زال العداء بين الفرق المسيحية قائما ليومنا هذا , بل بين مسيحي الشرق ومسيحي الغرب , وبالمقارنة ايضا مع انتشار الاسلام وخصوصا خلال عهد ما يدعى بـ ( الفتوحات ) , والتي أعتبرها شخصيا هي غزوات قائمة على النهب والسلب والقتل واسترقاق رقاب الناس للخليفة , وخصوصا في عصر الخلافة الراشدية وعصر الدولة الاموية وعصر الدولة العباسية ومن ثم تبعتها على الاثر عصر الخلافة العثمانية التي عاثت بالأرض فسادا كبيرا , اضافة الى ذلك فإن هناك رزايا تعلقت بتاريخ الاسلام ومنها ما حدثت مباشرة بعد وفاة نبي الاسلام ( صل الله عليه واله وسلم ) حيث قتل مجموعة من المسلمين وانتهكت حرماتهم وسبيت نسائهم , في حادثة لا يريد مسلمي اليوم الانصات اليها او الحديث عنها , بحجة الحفاظ على شرف الخليفة , واي شرف يبقى (من قتل نفسا بغير نفس أو فساد في الأرض فكأنما قتل الناس جميعا ) , واذا تجاوزنا هذه الحادثة الأليمة الى حوادث افظع وهي رزية قتل آل بيت نبي الاسلام محمد " صل الله عليه واله وسلم " واحدا بعد الاخر , واختصاراً فإن هناك قصصا ثبتها التاريخ القديم يندى لها الجبين , قصص من التعذيب وانتهاك حرمة الانسان , الى درجة ان وصل الامر الى بيع النساء والاطفال في اسواق النخاسة التي انتشرت في بلاد المسيحية والاسلام على حد سواء .
واذا وجدنا تبريرا لأحداث القمع والقتل التي قام بها الأوائل باسم الحروب ( فتوحات أو غزوات ) الدينية , فهل لنا نجد تبريرا لوقائع اليوم التي نعيشها او عشناها بالأمس القريب , وقد توجهت بالسؤال قائلا :
- من الذي ضرب هوروشيما وناكازاكي بالقنابل الذرية ؟ هل هو إنسان مسلم أم هو مسيحي ؟ هل ان اوامر الهجوم بالقنابل الذرية كانت من لدن حكومة اسلامية ام مسيحية ؟ فهل يحق القول ان المسيحية تقول بقتل الشعوب بهذه الصورة المرعبة , والتي ما زالت اثارها قابعة تحت العين ؟ , نقول : حاشا للمسيحية ان تقول بقتل الناس بأي صورة كانت .
- من الذي ضرب الحصار على شعبي العراقي لمدة عشر من السنوات ؟ هل يحق لنا ان نقول ونتهم باطلا ان المسيحية تهدف الى تجويع الشعوب بشكل جماعي ؟ ما دام القرار أقرته دولا تدين بالديانة المسيحية , نقول حاشا للمسيحية ان تقول بتجويع الشعوب بشكل جماعي .
- ولنا الحق ان نقول الان اين هي المسيحية من تعاليمها التي تقضي (أما أنا فأقول لكم لا تقاوموا الشرير، بل من لطمك على خدك الأيمن ، فأعرض له الآخر. ومن أراد أن يحاكمك ليأخذ قميصك فاترك له رداءك أيضاً ومن سخرك أن تسير معه ميلاً واحداً فسر معه ميلين ) فهي تدعو الى عدم مقاومة الاشرار , فما القول بقتل الناس الابرياء من الاطفال والنساء وبيعهم رقيقا .
دققت النظر في الحاضرين , فما رأيت احدا منهم يعترض على الحديث , وقد تجاوز من الوقت حوالي ساعتين , لذا التفت الى الاستاذة ماريكو اينو الجالسة بجانبي :
- لقد تجاوزنا الوقت المتفق عليه .
- ان العائلة لا ترغب في مغادرتنا .