ضحايا جشع الأطباء وغياب الرقابة الحكومية يرفعون صوتهم
Mon, 6 Aug 2012 الساعة : 7:12

وكالات:
جس نبض حالة التردي والإهمال في مؤسساتنا الصحية والكشف عن المسببات باتا أمراً ضروريا، ويمكن أن تكتشف ذلك ببساطة شديدة جدا.. تخيل أو تصور أن لديك مريضا في البيت، والوقت متأخر، ماذا ستفعل؟ ستتصل بالإسعاف الفوري أولاً،
وحتى إن اتصلت فلن يرد عليك أحد، وإن تصادف وردّ عليك أحد رجال الإسعاف الفوري، سوف يعجز عن الوصول إلى عنوان بيتك لكثرة السيطرات وغلق معظم المنافذ المؤدية لأغلب الشوارع والفروع الداخلية .
إذن عليك نقل المريض بسيارتك أو الاستعانة بصديق يساعدك في الذهاب إلى اقرب مستشفى، وهناك سوف تكتشف لحظة وصولك، أن الوضع الصحي وما آلت إليه مؤسساتنا الصحية من تردي وصل إلى درجة الإنهيار ، مستشفيات عامة لا تملك أغطية لنزلائها، مرافق منهارة ودورات مياه لا تستطيع أن تدخلها من الأوساخ والروائح النتنة، تذهب إلى طبيب في مستشفى عام ، يكشف عليك وينصحك بزيارته في عيادته الخاصة ليظل المواطن المريض بين أوساخ المستشفيات العامة وغلاء العيادات والأدوية المنتهية الصلاحية وان لم تكن منتهية فهي غالية الثمن ، هكذا وجد المواطن العراقي نفسه يفقد الثقة في كل ما يتعلق بالصحة ويهجرها إلى مستشفيات الأردن وإيران والهند على حساب لقمة عائلته، هذه حقيقة مرة المذاق: أن يريد المريض الدواء فلا يمكن شراؤه لعلاج نفسه أو أفراد عائلته .
أدوية وماركات
في تحقيقنا هذا سوف نركز على انتشار الأدوية المنتهية الصلاحية والغالية الثمن فقبل عدة أيام تعرضت إحدى الزميلات الى حالة مرضية تطلبت منها الذهاب إلى طبيبة خارجية مختصة، بسبب إصابتها بنزف شديد جعلها تفقد الجنين في أشهره الأولى، بعد أن أكدت لها الطبيبة - التي تتطلب رؤيتها لإجراء الفحص - الحجز في الساعة الرابعة صباحا (نعم الرابعة صباحا) فالسكرتيرة لا تقبل الحجوزات إلا في هذه الساعة وحسب تعليمات الطبيبة، إذن مسألة العودة إلى الطبيبة بعد شراء الدواء سوف تكون صعبة، رحلت الزميلة تشتري الدواء الذي يجب أن يكون سعره 350 ألف دينار حسب تعليمات الدكتورة، وان يشترى فقط من صيدلية تقع في منطقة الحارثية وإلا لن تتحمل أي مسؤولية في فشل العلاج!
المريضة لم تكن تعرف أن الدواء له مناشئ عديدة وشركات مقلدة تنتجه ، اشترته بسعر 150 ألف دينار فقط ، لكن الزميلة كانت تتألم واستعجالها في تناول الدواء وعدم الانصياع إلى أوامر الطبيبة، بل الانسياق لكلام احد الأقارب بشراء النوعية المقلدة، وعملا بالمثل "هو الدواء نفس الدواء"... كل هذه الأمور جعلتها تفقد الجنين وتخضع لعملية إجهاض وتنفق 850 ألف دينار على العملية وشراء الدواء .
صيدليات الأرصفة
أدوية تنتشر على الأرصفة وفي بعض المحال التجارية دون رقيب أو حتى محاسبة ضمير.. مواطن يفتقر الى الوعي الصحي. لا اهتمام من وزارة داخلية أو محاسبة من وزارة الصحة، فمن يهرب الأدوية؟! العلم عند الله! الأمر يمتد ليشمل الصيدليات الأهلية التي أصبحت سكينا يذبح المواطن الغني والفقير، فالأسعار نار ومن يمرض عليه أن يبيع قطعة ذهب أو شيء ثمين لشراء الدواء، ومن كان يملك المال فهو محظوظ لأنه يستطيع السفر والحصول على العلاج وهو مطمئن على حياته والعودة سالما .
في عيادة احد الأطباء في منطقة الحارثية حقيقة وليس قصة من نسج الخيال.. طبيب متخصص بعلاج المفاصل يوصف الدواء من صيدلية واحدة فقط تقع في منطقة الكرادة سعر الدواء 300 ألف دينار، عبارة عن 10 كبسولات وعلبتين من المسكنات، هذه الوصفة السحرية تكررت لعدد غير قليل من المرضى ويجب الرجوع إليه ليرى أن الدواء قد تم صرفه من الصيدلية الصديقة، الحقيقة التي استطعنا الحصول عليها أن دواء هذه الصيدلية يعتبر من مناشئ ايطالية وأمريكية وعلاجها واحد ، في حين أننا أخذنا الوصفة إلى صيدلية في منطقة الحارثية فوجدنا سعر الدواء لا يتعدى 100 ألف دينار! عجيب غريب ما يحدث.. المرض نقمة والتجارة نعمة!
انتهاء الصلاحية
امرأة تندب حظها على ابنها الوحيد الذي أدخلته احد المستشفيات الحكومية لأنه يشتكي من التهاب الأمعاء الحاد، أو هكذا شخّص لها الطبيب الخفر، لكن عليها الانتظار حتى الصباح، لان الدواء المسكن غير موجود وبكل الأحوال عليها شراؤه من الصيدليات الخارجية، وقفت الام تندب حظها العاثر أمام الطبيب الخفر قائلة " لو كان عندي فلوس جان جبته للحكومة، المرأة تحمل ابنها بين ذراعيها ومع تباشير الفجر ذهبت به إلى عيادة خاصة، دفعت "الكشفية" البالغة 20 ألف دينار استدانتها من الجيران ليكشف الطبيب على ابنها ، خرجت لشراء الأدوية وجدتها غالية الثمن، اشترت المقلد منها ، فبدلا من صنع في ألمانيا، اشترت صنع في مصر ، والفرق بينهم 15 ألف دينار فقط تجاوز الأسبوع ولم تتحسن حالة الطفل ، ومع بداية الأسبوع الثاني تأزمت حالته حتى انه لم يتوقف عن البكاء، التقط زوجها علب الأدوية وقرأ معلوماتها، كانت كلها منتهية الصلاحية .
أدوية فاسدة
ظلت قضية الأدوية الفاسدة محل جدل وتنازع وتقاضٍ.. ووحده المسؤول الأول المستورد لها، وهو بحكم القانون العين الساهرة عن سلامة الأدوية... وصحة المواطن، واعتاد العراقيون بعد كل أزمة سياسية والخروج منها أن يقرأوا بيانات خجولة تتحدث عن مكافحة الإرهاب والفساد والقضاء على العنف والمفسدين وقاتلي الشعب بالتفجيرات والأدوية والغذاء الفاسد..!! حتى إذا ما انجلت الأزمة وأزيحت الغُمة "عادت ريمة إلى عادتها القديمة". وكأن العراقيين يعيشون في بحبوحة من الجنة وان ما جاء به الإعلام محط هراء وكذب وافتراء وهكذا يصدق المسكين وهو يجلس على كرسيه الهزاز أن المستشفيات في أحسن حال، والراقدون يتخذون من المشافي فنادق للاسترخاء ليس إلا! وان الأدوية التي رصدت لها مليارات الدولارات والدنانير هي العافية المخبأة على رفوف الصيدليات.
من المسؤول؟
عضو لجنة الصحة والبيئة البرلمانية جواد البزوني قال في تصريح لـ(المدى): الصيدليات والمذاخر الخاصة تتعاقد مع شركات عالمية لتجهيزها بالأدوية، وهذا الأمر سوف يكون بعيدا عن الرقابة بكل صراحة ، إضافة الى انتشار بيع الأدوية من أناس لا علاقة لهم بالطب من أي ناحية، حيث نرى أن الأودية تباع في البسطيات ومن قبل أناس لا يعرفون حتى ما يبيعون، واغلب هذه الأدوية منتهية الصلاحية وغير سليمة، والأمر الأكثر سوءاً هو لجوء المواطن إلى شرائها، وهذا يعتبر تشجيعا على استمرار بيع الأدوية غير الخاضعة للفحص والمنتهية الصلاحية.
وأشار البزوني في حديثه قائلا : لجنة الصحة خصصت في موازنة 2012 قرابة المليار و 300 مليون دينار لشراء الأدوية، ولكن هناك تلكؤاً حصل في التعاقد مع الشركات العالمية مما جعل الصيدليات تلجأ إلى القطاع الخاص للتعاقد معه .
المفتش العام
وكانت وزارة الصحة العراقية قد أعلنت مؤخرا القيام بحملة وطنية ضد الصيدليات غير المرخصة، وقال عادل محسن المفتش العام لوزارة الصحة: إن الوزارة قامت بإغلاق 16 صيدلية غير مرخصة في بغداد كانت تبيع أدوية منتهية الصلاحية. ووفقا للمفتش العام فقد قامت الوزارة أيضا بتشكيل لجنة لفحص الأدوية في مختبراتها، وقال: إن كل الأدوية المضبوطة والتي وجد أنها غير مؤهلة قد تم حرقها وتدميرها.
كما أن الوزارة شكلت لجنة تتكون من خمسة عشر خبيراً متخصصاً تشرف على دخول 2500 مادة دوائية إلى العراق.
وأضاف محسن أنه “لا يمكن إدخال الدواء إلى العراق إلا بعد أن يتم فحصه في مختبرات الرقابة الدوائية لوزارة الصحة لمعرفة مدى سلامته، كما أعلن المفتش العام لوزارة الصحة عادل محسن أن تخصيصات الوزارة لشراء الأدوية لا تكفي لتوفير جميع الأدوية المطلوبة في المستشفيات.
وقال محسن إنه”تم تخصيص 200 دولار سنويا لشراء الأدوية لكل مواطن.”
وأوضح أن”الميزانية الخاصة بوزارة الصحة تقسم من قبل وزارة المالية حسب قطاعاتها ومن ضمنها تخصيصات الشركة العامة لاستيراد الأدوية، وهي مبالغ ضعيفة لا تكفي لسد احتياجات المواطن من الأدوية المختلفة . “
وأضاف ان”ما يخصص لاستيراد الأدوية ضعيف جدا مقارنة ببقية الدول حيث تخصص الميزانية السنوية ما مقداره 200 دولار أدوية لكل إنسان وهو مبلغ لا يسد احتياجات الفرد العراقي من الأدوية . “
وتابع أن”تخصيصات الأدوية في الأردن على سبيل المثال تبلغ 400 دولار، وفي الإمارات 1500 دولار، وفي بريطانيا 2500 دولار، وفي أمريكا تبلغ 7500 دولار.”
وأشار إلى أن”الوزارة تسعى للطلب من الحكومة بزيادة الأموال المخصصة لاستيراد الأدوية .
وزارة الصحة
مصدر في وزارة الصحة رفض الكشف عن أسمه أكد وجود صيدليات وهمية يعمل بها أناس غير مجازين، ولكن ليس من واجب الشركة متابعة الصيدليات الأهلية، فواجبنا استيراد وتخزين وتوزيع الأدوية على القطاعات الحكومية حصرا، لكن هناك فرقا تابعة للمفتشية العامة تتابع ذلك ، وألقت القبض على الكثير من هذه الشرائح، أي أن صيدلانيا يقوم بتأجير شهادته، وهذا يؤذي المريض وهنا ستغلق الصيدلية وستتم مصادرة الإجازة ومنع ممارسة المهنة.
وأشارت وزارة الصحة الى أنها صادرت حوالي (5 , 22) طن من "الأدوية الفاسدة والمنتهية صلاحياتها من الصيدليات والمذاخر" غير المرخصة والوهمية، وأشارت إلى انه تم غلق (80) مؤسسة أهلية و(40) صيدلية و(15) مذخراً أهلياً و(5) مكاتب علمية و(16) محلاً للمستلزمات الطبية و(4) محال طب الأعشاب ووجهت إنذارات إلى (43) مؤسسة صحية لعدم التزامها بالشروط ومخالفتها لتعليمات الوزارة.
بدورها وزارة الداخلية ألقت القبض على شبكة من مهربي الأدوية الأجنبية من مصر، التي عمد بعض أفرادها إلى وضع لصاقات تحمل أسماء تجارية أجنبية على الأدوية محلية الصنع، إضافة إلى تزوير تركيب بعض الأدوية لغير الهدف الذي صنعت من أجله وتم العثور على مطبعة خاصة بذلك يستعملها المهربون في حلب، وقال بيان صادر عن المكتب الإعلامي لوزارة الداخلية: إن مديرية مكافحة الجريمة الاقتصادية في الوزارة تمكنت من ضبط 17 طنا من الأدوية الفاسدة والمنتهية صلاحيتها في منطقة شارع فلسطين . مشيرا إلى أن المديرية اعتقلت أيضاً المجرمين الذين بحوزتهم هذه الأدوية الفاسدة .
المصدر:المدى