الولد للأمام الغزالي.......!-نعيم عبد مهلهل
Thu, 16 Jun 2011 الساعة : 9:26

ما يصل إلى القلب يأتي عن طريق الروح فقط ،
هكذا كانوا يرون الأمر ولا يتعدوه إلى غير تلك الرؤيا ، لأن في ذلك مهانة للوجود الموجود الذي حملناه علناً وخفية ، وكان معنا حتى في دكة الصلب ، حين أعلن الشيخ الحلاج حاجة الكون في شيء من جسده فنال ما نال مما يظنه منى وتقرب من الذي وسع طيفه تحت أجفان القصيدة وصار هالة من النور لاتنتهي ..
الصوفية علم وطريقة ، هكذا أراها ويراها الناس ومن أهتم فيها.
علم لأنها تبحث عن كشف ما ، ولكنه كشف صعب ، بل يقترب من المستحيل . وبالرغم من هذا يقول أحدهم : نحن جادون لنصل إلى المبتغى ، شاء الضد أم أبى . ويقال أن هذه العبارة المسيسة ، هي العبارة الوحيدة التي كشفت روح المقاومة عند المتصوفة ضد الدولة التي رأت في اتساع الرؤى عندهم سفسطة وزندقة وهرطقة وطريقة ، لأنها سلوك مميز وطقوس تخضع مواقيتها إلى فعل الزمن بذاكرة الروح ، فهي لا تدري متى تقوم قيامتها ، ولذلك تظل منتظرة حتى قيام الساعة .
يشتغل المتصوفة في دائرة الكمال الحسي ولا يتجاوزوه إلا لحظة الشعور باللقاء ، وهو يدفعون عربة الزمن في طريق لانهاية له . وعندما يدنوا أجل الجسد ينادون على فكرة التناسخ لتأتي وتأخذ البدن إلى أي مكان حتى لو حفرة في خربة . لكن الروح تظل هائمة في سماوات الوجد ومتى داهمها النعاس فألف روضة تنتظرها وألف وردة تكون لها وسادة .
وكتاب الأمام أبي حامد محمد بن محمد الغزالي ( أيها الولد ) .
صحيفة لواحدة من أشراقات الذات ، وهي ذروة في مشاهدة الأخر للآخر عبر نحو العبارة وسمو الفكرة وشهوة النصيحة ، بل أن الكتاب هو فن في حوار من أجل الوصول إلى قدرية تصنع قناعة المستقر لدى التساؤلات المليئة بالظن بأن الذي يحدث مكونته واحدة ، لكن سيرهُ يقع تحت طائلة الاجتهاد ، وكان الأمام في ردوده يضع الرد وفق وضوح الفهم مرتبطا بما يحسه في عمل الروح وملابسات الهم واجتهاد التصور ، بل كان يضع جهده واجتهاده لخلق قناعة السائل ورضوخها لحكمة الجواب ، وبالرغم من أن ملامح السائل مبهمة وشخصيته لاتعرف ، إلا أن سياقات الرد ، أرتنا إياه تلميذا محبا للعلم ، باحثاً عن الحقيقة ، عازما للوصول إلى الشيء من خلال رؤى المتعلمين .
الإجابة في عالم التصوف تحددها الفكرة المصنوعة ببرق الذهن ولكنها لامعة بضوء المعنى ، وتقبلها يخلق الراحة في الروح والجسد ، وهي تفترض الشيء بالمشيئة ، أي أن مايحدث له حديث مقدر بصانع لهذا الحدث ، لذا هم يستشرقون كي يكون وضوحهم غموضا ، ويتبصرون كي يكون غموضهم وضوحا . ومن هنا يدرك الغزالي في الإجابة ما يرفض أن يكون إنابة عن اجتهاد ، ولا نصيحة لواحد من العباد ، بل في رسالة أيها الولد ، ترتقي الإجابة من أجل بلوغ المراد عن طريق المعرفة والاجتهاد ، وهو في هذا يعتبر النص ، خلاصة الوعي لديه بعد كل هذه العلوم والمعارف ، ومنذ مفتتح الجواب يحرص الأمام على أن يظهر كونية الوعي فيما يريد قوله ، ويسبح في سبحانيات العبارة كي يشفي غليل من وجه أليه الإشارة ولهذا تجد في جوابه الشفاء ، وترى في معرفته شيء من استحياء ، وبالرغم من هذا ترى الجد حقيقة يريد بها على الصفاء أن يحقق لسائله الرجاء في سعي منه إلى جعل التصوف روحا تطير في خليقة الحب لهذا تراه في كل مشكاة تضاؤله مفردة وترى الولد مستغرقا في لذة كلام الأستاذ . وترى الخلائق تتعدى شجن المصير لتذهب بنا إلى همس الفوق ذلك الذي يقول عنه الأمام الغزالي : العلة المعللة برغبة الكشف لأنه موجود فعشقي ليس له حدود ، ولأنه قائم فأنا في سرحاني لأجله دائم .
في مخطوطة أيها الولد يكشف الغزالي معنى الأدب والتأدب في إيوان العبادة حين يأخذ المخطوط شكل التوجيه إلى من كان يجلس في مجلس الأمام ويرى من علمه وخلقه سنن الجمال والكمال وعدم الانتباه إلى فوضى المحال لهذا فروح الشيخ في روح مريديه والنص يدعم كشوفه برغبة التمني لتلك الرائية المستديمة في محافل الهوى فحينما يكون نكون نحن نشرب من قطرة المطر عطش السماء ونسمع من الشيخ الأمام مدرك الحس وخلجات النفس ..
فيا أيها الولد تلك صورة وعي الفيلسوف العابد . لقد أكتمل فيه الظن وتوحد بدستوره السنن فقام يرشدك إلى الطريق..
ضع يدك في يده فأنت عصا شيخوخته ، وناظريك شمعتا طريقه ..
ألمانيا حزيران 2011