الخـروج من تاج البريطاني - عبد المناف عبد العظيم الوائلي

Thu, 2 Aug 2012 الساعة : 12:29

 عندما نستذكر ثورة 14 تموز 1958 ، علينا أن نميز بين الانقلاب والثورة ،وبين الاستيلاء على السلطة والتغيير ، وبكل تأكيد هنالك فروق كبيرة جدا، وما حصل صبيحة الرابع عشر من تموز ، كان ثورة قادت لتغيير ليس في المسميات مابين الملكية والجمهورية ولكن تغيير طال كل شيء في العراق .
ورغم هذا نجد بعد أكثر من نصف قرن على قيام ثورة 14 تموز عام 1958 في العراق وما أحدثته من تغيير كبير جداً في النظام السياسي والاجتماعي والثقافي والاقتصادي، بعد كل هذه الفترة لا زلنا نقرأ الكثير من المقالات والدراسات التي تنشر هنا وهناك والتي تتهم الضباط الأحرار ومنهم الزعيم عبد الكريم قاسم بأنهم مهدوا لتأسيس ثقافة الانقلابات العسكرية وجر العراق إلى ويلات حكم العسكر، متناسين جملة من الحقائق التاريخية الثابتة والتي تتمثل بأن الدولة العراقية الحديثة التي تأسست بُعيد ثورة العشرين كانت قائمة على العسكر وان دور العسكر في الدولة العراقية لم يبدأ صبيحة 14 تموز 1958 وإنما كان ذلك موجودا قبل هذا التاريخ فأغلب المساهمين في تأسيس الدولة العراقية كانوا من العسكر،سواء الضباط الذين تسنموا رئاسة حكومات عراقية وهم خريجو الكلية العسكرية التركية ومنهم نوري السعيد الذي كان برتبة جنرال والذي تولى رئاسة الحكومة 14 مرة وهو رقم قياسي في تاريخ الوزارات العراقية ويؤكد في نفس الوقت دور العسكر في السياسة قبل 14 تموز.
من هنا نجد بان العسكر وجدوا قبل وجود الدولة العراقية بدليل أن تاريخ تأسيس الجيش العراقي في 6 كانون الثاني 1921 وتأسيس الدولة العراقية في نهاية آب من نفس العام وبالتالي فان الجيش كان مهيأ لقيادة الدولة ولم تكن الدولة قادرة على قيادة الجيش وهذا ما أدى إلى حدوث انقلاب بكر صدقي عام 1936 وتلته انقلابات عسكرية أخرى ليس آخرها أحداث مايس 1941 التي قادها العقداء الأربعة والتي عرفت تاريخياً بحركة رشيد عالي الكيلاني, ناهيك عن الكثير من الحركات والانقلابات العسكرية التي لم يكتب لها النجاح وبالتالي فان ما حدث في 14 تموز 1958 هو أمر ليس بالجديد في تاريخ العراق الحديث حيث كان الناس دائما يستيقظون على انقلاب عسكري يزيح حكومة ويأتي بأخرى مع بقاء العراق ملكياً مرتبطاً بالتاج البريطاني بشكل أو بآخر ، لكن هذه المرة استيقظ الناس ليس على وقع انقلاب عسكري يستبدل جنرال بآخر بل عبارة عن ثورة غيرت ملامح العراق ونظام الحكم فيه من الملكية إلى الجمهورية وفرضت واقع حال جديد على المنطقة برمتها وأنهت الكثير من التحالفات السياسية والعسكرية التي أرادت ربط العراق بأحلاف واتفاقيات عسكرية منها حلف بغداد وغيره خاصة وأن بريطانيا آنذاك كانت تخطط لأن يكون العراق جزءا مهما من الكومنولث البريطاني لسنوات طويلة،إذن هي ثورة وليست انقلاباً خاصة وان هنالك تعريفان ومفهومان للثورة، فالتعريف التقليدي القديم الذي وضع مع انطلاق الشرارة الأولى للثورة الفرنسية وهو قيام الشعب بقيادة نخب وطلائع من مثقفيه لتغيير نظام الحكم بالقوة. وقد طور ماركس هذا المفهوم بتعريفه للنخب والطلائع المثقفة بطبقة قيادات العمال التي اسماها بديكتاتورية البروليتاريا. أما التعريف أو الفهم المعاصر والأكثر حداثةً للثورة هو التغيير الذي يحدثه الشعب من خلال أدواته كالقوات المسلحة أو من خلال شخصيات تاريخية لتحقيق طموحاته لتغيير نظام الحكم العاجز عن تلبية هذه الطموحات ولتنفيذ برنامج من المنجزات الثورية غير الاعتيادية.
أما الانقلاب العسكري فهو تحرك ثلة من الجيش بقيادة أحد الضباط للاستيلاء على السلطة لتحقيق طموحات وأطماع ذاتية بغية الاستفادة المادية من كرسي الحكم كما حصل في شباط 1963 وتموز 1968، والشيء الآخر الذي لم ينتبه له الكثير من الذين تناولوا ثورة 14 تموز 1958، هو إن قادة هذه الثورة ليسوا من الضباط المترفين المقربين من العائلة المالكة بل هم مجموعة ضباط شاركوا في حرب فلسطين عام 1948 وشهدوا نكبة العرب في فلسطين وباتوا على علم ودراية بأن تلك الأنظمة التي نصبها المستعمر بغية امتصاص ثورة الشعب العراقي في 30 حزيران 1920لا تخدم الشعب وطموحاته بقدر ما هي تنفذ أهداف ومرامي المستعمرين الذين ذهلوا صبيحة 14 تموز حينما وجدوا العراق يخرج من رواق التاج البريطاني .
وأخيرا نقول بأن ما ميز ثورة 14 تموز التي قادها الجيش بأن حكومتها لم تضم أي وزير عسكري سوى عبد الكريم قاسم بصفته رئيس الوزراء ووزير الدفاع ، وهذا يدلل بأن الهدف لم يكن تسلم السلطة بل بناء دولة مدنية.
 

Share |