كلمات تحت دموع القمر -الاديب فاهم وارد العفريت

Fri, 27 Jul 2012 الساعة : 16:18

قراءة في مجموعة ( دموع يذرفها القمر ) للمبدع حسين الحربي
هذه المجموعة هي المجموعة الشعرية الرابعة التي يصدرها الشاعر ( حسين الحربي ) ينقلنا شاعرنا عبر مجموعته تلك
( دموع يذرفها القمر ) والتي ضمت سبع وعشرون قصيدة متنوعة الاغراض حيث تمازجت عناصرها الشعرية مع معالم وتواريخ ايدلوجيتنا الحياتية بما تحوي من أعراف إجتماعية تحمل من مدلولات ملامح حياتنا الكثير المتفاعل مع الواقع المعاش بكل صوره , فهناك وفي بعض القصائد يمر حسين الحربي على بعض الأحداث مرورا لايكاد يترك بصمة واضحة لذلك المرور وفي اخرى نراه يصرخ عاليا بكلمات قصائده تلك ليقول وباعلى صوته أنا أبوح بالكامن وبكل اوراق الدموع التي ذرفها القمر ككتلة صماء على شكل ديوان شعر وحينما قلبت تلك الوريقات التي خطتها أنامل الشاعر رأيت إنها تحولت الى بصمات حية تبوح بكل ماهو مخفي من الآهات وربما تنبض بالحكمة التي حملتها بعض القصائد التي تحتضن هواجس القاريء وإنشغالاته المتعددة التي لبست رداءها من كلمات تلك القصائد التي رسمت ملامح هؤلاء الناس بمشاعرهم المختلفة حيث يبدأ الشاعر اولى قصائد المجموعة بقصيدة
( وجع الوجع ) تسألني عن وجعي
هل تعرفين وجع الاشجار
اذ تذرف اوراقها كالدموع في الخريف
هذا الوجع الذي يحمله حسين الحربي يكمن في وجدانية ذلك الشاعر المتفاعل ذاتيا مع مايكتبه فهو لم يضع حدا فاصلا بينه وبين القاريء او بينه وبين الناس المسحوقين مثلما الاشجار حينما تجبرها رياح الخريف على نفض ماتحمله من اوراق لتصبح عارية تحت رحمة ضراوة برد الشتاء القاسي وهي استعارة رائعة لما يمر به الناس من مصاعب تجعلهم عراة كالاشجار امام عاديات الزمن ,
هل تعرفين وجع الحروف
عندما تعجز ان تكون جملة مفيدة
تكتب للافادة
اذا هذا الوجع ممتدا حتى في ذاكرة الحروف فلا فائدة من حروف ليس بإستطاعتها ان تكون جملة مفيدة , اذا لافائدة من آراء متناثرة لاتستطيع ان تجمع شملها لتكون كتلة ذا فائدة للدفاع عن الحقوق ونيلها مهما كلف ذلك من مشاق فكما يقول :- فلوبير ( كأن مايعذب حياتك يعذب كذلك اسلوبك في الكتابة ) اذا الشاعر امام اوجاع شتى .. مواكب العزاء التي يقيمها اهالي الشهداء على ارواح ابنائهم , المدارس الطينية ووجع التلاميذ المتساقط الما فوق وجوه كتبهم ودفاترهم المدرسية , بيوت الصفيح ووجع هؤلاء الناس المهددون دوما على انهم متجاوزون على الاعراف البلدية السائدة في مدنهم , آهات اليتامى وهم يتحسرون على سماع صوت حنون , نشيج الارامل وهن ينثرن دموعهن بصمت عند نهايات الليالي حتى لايتهمن بجريمة الذكرى والحنين الى الماضي , ووجع الفقر وذل العوز الدائم الممتد طوال سنين الأعمار ,
ثم تطالعنا قصيدة ( شوق يتيم ) التي جعل كلماتها تفاعلا دائما مع ذكرى حبيبته الراحلة فهو دائم الترحال مع الزمن فوق قسمات وجود هذه الحبيبة الحاضرة دوما فوق وجوه فلسفة اشعاره وماهية دقات قلبه التي لا انشغالات لديها سوى اعادة استذكار تلك الحبيبة بنغمات هؤلاء الصغار الذين يعزفون سمفونية تلك الذكرى والحنين لوالدتهم الراحلة خارج حدود زمنهم
اطفالك الصغار يكبرون
في كل يوم عنك يسألون
شفاههم صامتة
وتسال العيون
عن امهم
ويهمسون من هنا
اليك يهمسون
فلا يجيبهم عن سؤالهم
عنك سوى السكون
لروضة الازهار يذهبون
في كل صبح عنك يبحثون
فيحصدون ادمعا تغص في العيون
وفي قصيدة ( بعد اربعة اعوام ) يجعل الشاعر من كلمات هذه القصيدة استمرارا لحالة المعاناة التي تنتابه كل حين بفقد حبيبته فليس الصغار وحدهم الذين يبحثون عنها كما في قصيدة ( شوق يتيم ) ليحصدون بعد كل ذلك ادمعا تخطف عيونهم الصغيرة من بسمة الطفولة الشاعر ايضا يقاسمهم ذلك العناء

لنا في البعدِ أربـــــــــعة ٌوقلبي
تقطعهُ الليالي والشــــــــــــــهورُ
سنينٌ أربعٌ مرت كومــــــــضٍ
كأنَ الــــيوم فارقك ِالزفـــــــــيرُ

أراك ِبكل ِشيء ٍفي حـــــــياتي
زهورُ الحـقل في عيــــــني قـبورُ
شعوري في هواكِ شعور قيسٍ
فيا ليلى سيقـــــــتلني الشعورُ
تلك اذا حالة الشاعر مع حبيبته الغائبة فالشاعر يستخدم تكثيف الجمل على اساس اختزال الصور الغائبة عن المرئي في سبيل ايجاد صورة لاتتوقف عند حدود الواقع بل تتعداه الى حيث الذات وما يدور داخل الفكر من تأويل ........
وفي قصيدة ( ثم مات ) يستخدم الشاعر الاسلوب القصصي في بناء جمل قصيدته وخاصة استخدامه للفعل كان فعند حسين الحربي يعد مفهوم المغامرة في كتابة الشعر احدى السمات الاساسية في كينونة قصائده التي تفتح امام القاريء افقا واسعا للتجريب والحداثة الشعرية التي تعمل على ازاحة الغامض حتى تبتسم امام القاريء جمالية الكلمات ووضوح فكرة القصيدة ..
كان يشمُ عطرها رغم بعد المسافه
كان مستعداً بأن يُضحي بأغلى ما لديه
كانت السجائر تشربهُ وكأسُ النبيذ لايفارق شفتيه
كان صمته ُيتكلم وصبره ُيحتضر
كانت الطُرقاتُ تقتاتُ من أقدامه عندما يسير اليها
كان كالمصلوب ِعلى بابها
يترقبُ طلوعها
فخرجت بعد عامين برفقة ِغيره
لم يُصدق أنها هي
قبضَ على قلبه ِليتأكدَ من وجودها
ثم ماتْ
وفي قصيدة ( الخطيئة ) نرى ان هناك صرخة احتجاج اخرى يطلقها الشاعر على ما آل اليه الكثيرون من استخدام لغة المال لتكون تعبيرا عن كل شيء وهدفا لكل شيء وغاية لكل شيء في حياتهم لذلك نرى هؤلاء يبتعدون عن المعايير المتوارثة في علاقاتهم الاجتماعية المرتكزة على قاعدة الفائدة , فصرخة ابتعدي التي اطلقها الشاعر بوجه حبيبته استعارة عن صور المجتمع الذي كان جل تفكيره الحصول على المال , هي رسالة واضحة لهؤلاء الذين فضلوا دنانيرهم حتى على قيم السماء وما جاء به الواحد القهار لذا نرى الشاعر وفي خضم ذلك البحر الهائج من القيم الغير مستساغة بالنسبة اليه يطلق على نفسه الشاعر الغريب او المغفل الكئيب ككنية استعارية للابتعاد عن ذلك الواقع
أبتعدي فقيمة السوار
أكبر من مشاعري ودفتر الأشعار
أكبر حتى من اله واحد ٍقهار
أكبر من ليلٍ مضى ....
ينهشني الشعرُ به لطلعة النهار
أبتعدي ولا تديري الوجه يوما أبدا
للشـــــــــــــــاعر الغريب
لذلك المغفل الكئيب
وفي قصيدة ( من تكون ) هذه القصيدة لاتحمل صرخة احتجاج واحدة بل هي آلام متعددة لصرخات كثيرة فالشاعر هنا ومن خلال تناوله للفكرة الشعرية التي بنى عليها قصيدته , فالسؤال اتاه من حبيبه وليس من حبيبته أي من امرأة متعاطفة مع ماتشاهده عليه من آلام لذلك ارادت اثارته بالسؤال حتى يبوح بالذي يغلي في داخله

تسألني حبيبة.ٌ.
تقولُ من تكونْ...
من أي قومِ أنت يا.....
لأي حزب ٍتنتمي .....
وما الذي يؤمنُ فيه شاعرُ الجنون..
مالي اراكَ حسرةً يشربُها الأنين..
هذا الاستفزاز في طرح الاسئلة له مساحة واسعة داخل وجدان الشاعر الذي عودنا في كتاباته ان نحتضن الدهشة في اسلوبه حينما يمضي بنا عبر قصائده بين مسارات الايام والسنين لذلك نراه يترك بين مسامات ذاكرتنا مدن جميلة تسكنها في اغلب الاوقات افراح العيد وصباحات تستفيق على تماوج ضفائر الصغيرات وضحكاتهن البريئة , كل ذلك الحلم نراه بحقيقة تلك المدن الطافحة فوق بحيرات النفط العملاقة التي تحملها , بينما ينام هؤلاء البسطاء وهم يلوكون ملوحة دموع الفقر التي يهديها اليهم هؤلاء المتنفذون
مالي اراكَ كلما ذكرتُ بغداد يغصُ الدمعُ في العيون..
مالي ارى الجياع َفي الأحداقِ يصرخون..
مالي ارى دبابةَ المحُتل ياشاعرنا تسحقُ بالجفون...
مالي اراك ثورة ًتثورُ كُل حين...
بغداد سيمفونية الماضي والحاضر ومواسم الحصاد لتاريخ العراق الممتد عبر آلاف السنين , هنا نرى بوضوح ان هناك تضاد قد انعكس سلبا على واقع الشاعر الذي نراه يتعذب اشد العذاب بما تمر به عاصمته وبلده من ويلات بسبب ذلك الاحتلال , وما فعله المحتلون بسرفات دباباتهم التي انتهكت براءة شوارع عاصمته الحبيبة لتزيل غشاء البكارة عن الكثير من الوجوه التي كانت بالامس تنادي بسحق المستعمر قبل ان تتذوق حلاوة الدولار وما به من فتنة ....؟
فقلت ياملهمتي ..
اليك بعض البعض كي ترين..
نحنُ قومٌ نعبدُ الحق بقلبٍ خالصٍ خال ٍمن الظنون..
ضميرُنا عباده..وصدقُنا عباده..
عفتنا عباده ...وزُهدنا عباده..
وحبُنا لأرضنا ..عبادة ٌتولدُ من عباده..
يعود بنا الشاعر مرة اخرى لإظهار مامكبوت في داخله من الألم فهو يخاطب ملهمته بإستعارة جميلة جدا يظهر لها البعض مما يحمل لان لديه الكثير من البضاعة المليئة حزنا وألما ولا يستطيع اظهارها مرة واحدة , فبعد الاحتلال ظهرت مفاهيم واطروحات جديدة عمت شرق البلاد وغربها مع ماتحمله من تسقيط للآخر ليس على اساس المعايير الصحيحة للتنافس الشريف , ولكن بربط اطروحاتهم بأشياء هي بعيدة كل البعد عن الحقيقة , لذلك نرى الشاعر يعبّر عن ذلك بعبارة الحق بقلب خال من الظنون , فهؤلاء الذين يطرحون ظنونهم السقيمة بإسم العبادة تكون آراؤهم اكثر سقما حينما ترتطم بالواقع وما يقومون به من اعمال تجعلهم بعيدين جدا عن اطروحاتهم التي يدعون انهم يسيرون بنهجها والتي لايستطيعون مهما اوتوا من تصميم ان يطبقوها على ارض الواقع لانها مجرد آراء وهم ليسوا من اصحابها او من اصولها او مبادئها

نحنُ لم نسرق ولا حبة َقمح ٍمن بلاد المسلمين..
لا ولا يوماً رَشونا مثل بعض التافهين..
لم نُتاجر بتُراب الأرض مثل الأخرين..
نحنُ لم نذبح ولم نقتُل وما يوماً تسترنا بدين..
نحنُ لم نرقص على جُثث الضحايا مثل بعض الراقصين..
ثم يعود الشاعر مرة اخرى الى اضوائه التي يريد تسليطها على اولئك الذين يدعون العفة وهم يسرقون اموال الفقراء وحقوقهم , ثم ينتقل بطريقة شفيفة الى نقد حالة اخرى وهي المحافظة على المباديء وعدم الانجرار مع آراء واطروحات هؤلاء التافهين الذين يساومون على كل شيء بالرشوة , الشاعر يحيلنا مثل كل مرة الى مخاطبة ذاتنا عبر تلك الكلمات التي جعلها بملامح الواقع لتبوح للقاريء دون تأويل شمولية خطابها الابداعي الموجه لانتقاد ورفض تلك الحالات الانانية البعيدة عن الدين وعن المواطنة , فالذي يسرق شعبه لايجب ان نمجده , والذي يبيع تراب ارض الوطن علينا ان نحاربه , والذي يقتل ابناء شعبه ويرقص فوق جثث الضحايا مكانه جهنم وليس الكراسي الوثيرة
وفي قصيدة ( جرس الخيانة ) يمر الشاعر بقصيدته تلك ومن خلال جمله الشعرية ذات المستوى الدلالي على توصيف حالة منبوذة لديه وهي حالة الغدر التي يستخدمها او يتخذها البعض كجسر للعبور لمواجهة الفشل , او حينما ترتطم به الحقائق ولا يستطيع مواجهتها لذلك كثف الشاعر استخدام الجمل الاستعارية للتعبير عن ذلك
ماذا جَنيــــــــــتِ من القصائدِ أنها
حبرٌ وأوراقٌ وفــــــــــــــقرٌمدقعُ
ذُقت الخيــــــــــــانة َكُلها وحَملتُها
لكنَ ما في القلــــــبِ منكِ مُروعُ
وفي قصيدة ( عاشق التراب ) يعود شاعرنا مرة اخرى الى استذكار حبيبته الغائبة الحاضرة طبعا امام ذاكرته وكتاباته وقصائده لذلك نراه مانفك يذكرها عند كل مناسبة لانها كما يبدو تدور مع دوران دمه ويتحسسها مع دقات قلبه
ياراحلاً عني لأرضِـــــــــــــهُم ُ
قبل تراب الأرض عندهُمُ
وأذا رجعت فمطـــــــلبي حجرٌ
وطأتهُ أقدامٌ بدربهـــتـــــُمُ
ياراحلاً أن سائلوكَ فــــــــــقل
أن العــــليلَ دواهُ عطرُهُمُ

ياراحلاً بلغهُ يحـــــــــــفرُ لي
قبراً صغيراً قرب قبرهُمُ

ومعاشرُ الديدان بلــــــــــغها
أني وشعري اليوم ضيفُهُمُ
وليتركوا وجنات صاحبتي
وليطفئوا بي جوع جوعهــــــُمُ
اذا الشاعر امام هذه الموجة من الانفعال الهستيري الذي يولده في داخله الفراق , لايستطيع ان يقف امام نقاط الالتقاء التقليدية لان حبه شيء خارج المألوف لذلك نراه لاينتمي للواقع من حيث حاضره المعاش المليء وجدا يكاد ان يكون قنابل موقوتة
اما في قصيدة ( بكاء الليل ) المقطع رقم 4
ان الشاعر في هذا المقطع يريد ان يقول للقاريء ان المباديء والقيم التي تحملها كلمات القصائد لايمكن لها ان تزول حينما يموت الشاعر , لان الشعر لايمكن ان يدفن تحت التراب لانه مادة حية دائمة الحياة تتفاعل كل حين مع الاحداث رغم مرور السنين لذلك اراد الشعر ان تكون كلماته تلك محفورة في ذاكرة القاريء قبل ان تحتضنها ذاكرة الشعر

سيزولُ كـــــــــــــــــلُ شـــــــــــــيء
سنـــــــــــــموتُ ذاتَ يوم
ندفنُ في التراب
وسوف يبقى شعرنا
يشــــــهقُ كالـــــــــقباب
ستقرأ الأجيـــــــــــال ذاتَ يوم
كل الذي .............
قد كـــــــــــــــــــــــــــــتبت
وفي قصيدة ( التمثال ) ربما يكون لهاجس الفارق الطبقي رؤيا خاصة , وربما لتفشي حالة الفقر المدقع بين طبقات المجتمع المسحوقة , لذلك ظهرت هذه القصيدة لتقول كفى للمجاملات مادامت النقود هي كل شيء فلم هذا الرياء او النفاق الاجتماعي المستشري بممارساته الهجينة , لماذا نوهم انفسنا بان هناك حب والمال هو القاسم المشترك لكل فعاليات حياتنا

مادامت النقود ياسيدتي ! معشوقتي! حبيبتي ! ملهمتي !
تحدد الرجال..
وقلب من أحبكِ..
وصبرهُ وشعرهُ يقاسُ بالأموال..
فلنفترق للموت ..
فلنفترق في الحال ..
وفي قصيدة ( وصيتي ) نرى ان فكرة القصيدة مستوحاة من واقع الفراق الذي يعيشه الشاعر بعد رحيل حبيبته لذلك جاءت هذه القصيدة لتؤكد انتماء الشاعر لحبه وتمسكه به اذ يصور لنا من خلال ابياتها بان ذلك الحب ليس حالة انفعال زائلة وانما هي طقوس يمارسها الشاعر وفاءا لمن رحلت لهذا نرى ان هناك بعض التضاد بين هذه القصيدة وقصيدة التمثال لان هذه القصيدة تعكس وجع الغربة بداخل الشاعر رغم وجوده بين اهله , ولكن غربته من نوع خاص فلا غرابة ان يوصي الشاعر اهله ان يتخذوا اجراءات خاصة حين موته لانه يرسم بكلماته ماتبوح به عواطفه امام جبروت الفراق المؤلم
حاذروا تغسلوني
فلقد مت شهيداً
بوفائي وجنوني
وبحب ٍصادق ٍطهرني من كُل أثم ٍوظنونِ
وبدمع ٍوأنا في القبر ِيجري من عُيوني
وشهيد ُالحُب لا غسلٌ له فأستوعبوني

وأذا زرتم ترابي
أقرأوا شعراً على قبري
وهمساً كلموني
ثم قولوا
رحمة الله على القلب ِالحنونِ
وأذا فارقتموني
لا تديروا وجهكم عني لكي لا تخذلوني
وأكتبوني كلمة ًفي أسطر الحُب أكتبوني
وبعطري وثيابي وشبابي
وبقرب حبيبتي ان مت يا أهلي أدفنوني
وفي قصيدة ( موت الحب ) يعيد الشاعر الى ذاكرتنا ملامح وابجديات حبه الاول الذي حملته حبيبته الغائبة ورحلت به نحو العالم الآخر لذلك يصور الشاعر بان نقاء الحب الصادق لايحمله الا قلب حبيبته النابض تحت اطباق الثرى , وكل تلك العلاقات التي اتخذها الشاعر مع عدد من الفتيات لاتتعدى ان تكون انفعالات لما بعد الرحيل لاكتشاف منابع الوجع لعشقه السرمدي الذي لايرى مثله الا عند خيوط الشمس الآفلة نحو البعيد
قد كنت كالاطــــــفال في حبي
قلبٌ بريئ ٌصـــــــادقٌ سمحُ
فشـــــككت ِفي حُبي وفي ثقتي
والشكُ في علـــــــــياءه ِقبُحُ
أياكِ يا ليلاي في شـــــــــــــك ٍ
فعلى لســـــاني الزادُ والملحُ
والامــــــــــــنياتُ وكل ما قلنا
والشعرُ والكلــــماتُ والبوحُ

أني خسرتُ الحب ياعــُــمري
وخسارتي في ذي الهـوى ربحُ
ضحي لأجلـــــي مرة ًودَعي
وسيذكرُ التاريخُ من ضـــحوا
وفي قصيدة ( الملك المخلوع ) لم يضف لنا الشاعر كثيرا سوى انه يعيش دائما بين تجليات الحب والوان العشق الرقيقة التي تجعله يعيش وكأنه ملك يملك كل شيء في مملكة الحب طالما هو عاشق وبجنبه حبيبته تداعب ذلك الشعور
جمرٌ بصدري بعد هجرك ِفأعلـــمي
ما كان قلباُ ما حوتهُ ضـــلوعُ
حاولتُ أن أسلوك ِبالشــــــعر الذي
فيكم كتبتُ فقيلَ لي ممنوعُ
فقصدتُ جُرف النهر أكتبُ عندهُ
فأذا بعطرك ِكالنسيم ِيضوعُ
ملكٌ أنا أذ أنت يا ليلى معي
وبهجرك ِمن مُلكه مخلوعُ
وفي قصيدة ( ذكاء الغباء ) هذه القصيدة قد تكون مكملة لفكرة قصيدة الملك المخلوع التي سبقتها , فالشاعر يمارس دور الحب لا من اجل الحب بل لكي يمثل دور الحبيب لغاية في نفسه لانه لايعتبر تلك العلاقات حب بل هي مجرد تجارب يجريها حتى تتاكد نفسه هل في هذا الزمن يغيب الحب الصادق ولا يبقى الا النصب والافتراء الذي يمارسه الجميع الواحد على الآخر , لذلك بكى فيها حتى الغناء لقساوتها وقبحها , فنراه يحمد السماء على منحها اياه ذلك الغباء حتى يكتشف به سر ذلك الحب حتى ينبع من داخله ذكاء الاذكياء في اكتشافه لكل الاعيب الاغبياء الذين يمثلون دور الحب
أنا ما كُنتُ غبياً أبداً أبداً
لكنني مثـــــــلتُ دور الأغبياءْ
لا لشيء ٍبل لكي أقــــــــــــنعَ نفسي
إن ما في الكـــــــــــــــــون حُبٌ أو وفاءْ
كُلهُ كذبٌ ونصـــــــــــــــــــــــــــــــبٌ وأفتراءْ
واللواتي قد عشقنا
كُنَّ من غـــــير حياءْ
قد تغابيــــتُ لكي أكشفَ شيئاً
وكشفتُ الأمـــــــــــــــــر حمداً للسماءْ

لا تظــــــــــــــــــــــــــنون بأن الأمرَ سهلٌ
فغبائي كان أســــــــــــــمى من ذكاءْ
أه كم ندمتُ يا ست النساء
أه لو تدرين بالحُزن الذي ينتــــــــــــاب قلبي والعناءْ
أه لو تــــــــــدرين ما حـــــــــــــــــــــــجم الدموع
في عــــــــــــيون الأبــــــــــــــــــرياءْ
أه من قوم لقد لقبــــــــتهم بالأنبياءْ
أه والأه التي أنزفها ماذا تفيد
عندما يبكي الغناءْ
وفي قصيدة ( امنيات بائسة ) في مقطعها الاول يعود الينا الشاعر وباسلوب الخاطرة القصصية بتذكيرنا ان امنيته الوحيدة هي ان تكون حبيبته معه , فالسماء لها سبات بعد طول عناء النهار والطيور لها احباب تعانقهم حينما تعود لاعشاشها , والسكون له مواسم تأمل صامتة , والعبادة لها طقوسها الخاصة ترتل ألحانها بصوت المؤذن الذي يدعو الى لقاء الواحد الاحد , والشاعر له طقوسه الخاصة حينما يقف بين ابتسامات الشمس وقساوة الظلام حينها لايتمنى الا امنية واحدة وهي ان تكون تلك الحبيبة الغائبة معه ...
عندما يهــــطلُ الغروب
وترجعُ الطـــــــــــــيورُ لأعشاشها
ويأخذ الســــُـــــــــــــكونُ محلهُ من المكان
حيث يبدأ المؤذنُ بترتـــــــــــــــــــــــيل الحان العباده
أقــــــفُ بين الــــــــــــــظلمة والنور
لا أتذكـــــرُ شـــــــــــــــيئاً
ولا أتمـــــــــنى الا..
أن تكونــــــــــــــــــــــــــــــــــــي مـعي
وفي قصيدة ( العيد في بغداد ) يطرح الشاعر انفعالاته وآلامه الكثيرة من شجون الوطن وعاصمته الحبيبة بغداد فهو ينطلق من مفردة العيد وما تعني له , فالعيد هنا عند الشاعر ذلك الالم الخفي الذي يعاني منه مع ابناء وطنه من وجود الاصفاد والقيود التي تذل الشعب وتقذفه نحو الهاوية , كذلك هناك جرح دائم النزف سببه الاحتلال وما جلبه معه من ارهابيين لاشغل لهم سوى القتل والتشريد وحرق دور العبادة , في هذه القصيدة يضعنا الشاعر امام تنوع كبير للمشاهد وكذلك لعدد كثير من الصور , مع انها تسير في طريق واحد وهو الوطن ورمزه بغداد , فالالم الذي يعتصر الناس في عاصمة بلاد مابين النهرين , والارض التي كانت تنوء بثقل الاحتلال قد قذفت عن كاهلها كل ذلك بانسحاب المحتلين الى غير رجعة , هذه الصور التي رسمها الشاعر تنقلنا بمشاهدها الكثيرة والعديدة وبالرؤية التي استبصر بها حسين الحربي والتي جعلتنا وكاننا كنا هناك بمواجهة الحدث وجها لوجه
العيدُ أن نحيا بعز ٍلا نرى
ذلاً يقودُ الشعب نحو الهاوية
والعيدُ في أن تستردَ كرامة ٌ
فالسهلُ يشكو ذلهُ والرابية
فالعيدُ في بغداد حرق كنائس ٍ
أو قتلُ اطفال ٍكزهر ِالدالية
والعيدُ في بغداد تمجيدٌ لمن
باعوا ضمائرهم كأية ِزانية
العيدُ أن نسمو ونرفع صوتنا
لا لأحتلال ٍفي الديار ِالغالية
فالمجدُ يا بغداد لستُ أطالهُ
والمجدُ باقِ ٍ للعصور ِالبالية
وفي قصيدة ( ارتعاشة نبض ) يضع الشاعر كل ماجمعه من صرخات واحتجاجات وانفعالات وكل الاحزان الشاردة في لحظات المنكوبين , كذلك دموع وحسرات ذاكرة هؤلاء الناس الذين سحقت احلامهم سرفات الدبابات , وقطعت اوصال فرحهم رصاصات الغدر التي كان الارهاب يغذي منابعها لتصبح مدن بلادنا وخاصة بغداد مرتدية اثواب الثكالى السوداء , فعدم ايصال الحق لاصحابه يجعل عذابات الناس اشد فلا شيء يكون محصنا او بعيدا عن الانظار وان كانت صورته تمثل الهاجس الديني المقدس لدى العامة , ولكن صرخات الفقراء المتخذة من كلام سيدهم وامامهم ومرجعهم الحقيقي علي بن ابي طالب عليه السلام الذي قال قبل قرون من هذا اليوم ( لو كان الفقر رجلا لقتلته ) هذا الرجل العظيم لم يصرخ بولايته الفقراء لانه احتضنهم وصار واحدا منهم كما يصرخون اليوم بوجوه هؤلاء المتنفذين الذين يحاولون بكلام
بعض ألسنة المنتفعين المجندين لبناء مجدا مزيفا لهؤلاء يحبس في داخله دموع اليتامى وانين الثكالى وحسراتهن وصرخات الارامل وحقوق الناس التي اتخذت سبيلها اليهم بالباطل

ها نحنٌ خيرٌ امة ٍقد أخرجت للناس
والخِطب الفارغة ُالبلهاءُ بالأمتار
وساسة ُالفكر بلا خيار
وكل ما في وسعنا أن نكتبَ الأشعار
دبابة ُالمُحتل في غذائنا
وطائراتُ الجو في سماءنا
والكلُ صامتون
حتى رجالُ الدين ما تكلموا
عن صرخة الجياع ما تكلموا
عن دمعة الأيتام ما تكلموا
الكل صامتون
كل الذي في وسِعهم
ما اثر المتعة في الإرثِ
وهل ...
يُقبلُ خمس العبد بالدولار
اما قصيدة ( اكليل الشوك ) هذه القصيدة حملت للقاريء شفرات عديدة وربما يفقد من خلالها السيطرة على قاعدة الارتكاز التي بنيت عليها فكرة القصيدة وذلك لإختلاط المفردات المتشابهة في قصائد سبقتها في الديوان مثل مفردات ( النهد , الشفة , حلمة النهد , الهجر , الحب , العشق , العري ) لذلك جاءت هذه القصيدة ربما استمرارا للقصائد التي سبقتها من حيث الموضوع والفكرة

عجبتُ على فؤادك َكيف يقوى
على هـــــجري فرفقا ًفيَّ رفقا
أتنساني وتـــــــــسلو ذكرياتي
ومن شفتي زققــتَ الحُب زقا
فوجهك من ضيا وجهـي تجلى
وعُنقك من عناقي صار عنقا
وشعرك كلهُ من همـس صوتي
ونثرك مـذ تعـــــــــرينا ترقى
قـــصائدك الروائع فضل نهدي
ولولا حَلـــــمتي لا شعر يلقى
وفي قصيدة ( قتيل الهوى ) نرى ان هناك انتقاد لبعض العادات والتقاليد التي مازالت تتحكم في علاقاتنا الاجتماعية رغم انها وفي ارض الواقع غير مستساغة للكثيرين وذلك لان تطبيقها بمضمونها يعد من الاشياء المستحيلة لان الكلام عكس الفعل لذلك نرى بين الفينة والاخرى اختراق كبير لهذه القاعدة الاجتماعية الغير مستندة في الكثير من اطروحاتها للحقائق واقصد هنا حقيقة بعض العاشقين الذين يكون همهم هو الارتباط الشرعي بتلك الحبيبة بعيدا عن كل الظنون هذا اذا كان الحب شريفا وهدفه مقدس وغير جارح لعاداتنا وتقاليدنا الاجتماعية الرائعة التي مازلنا نتداولها جيل بعد جيل لانها تحمل الجميل من العلاقات

وعبدٍ ببابي سيفـــــضحُ أمري
أذا ما أتيتكَ بالـسرِ حـــــــــيله
فكيفَ سأهربُ مــــــن كل هذا
وماالحلُ قل لي أما من وســيله
فقلتُ سأقـــــــــدمُ أطلبك ِمنهم
خلـــــــــيلٌ يريدُ زواج خــليله
سأحملُ قلـــــــبي على راحتيَّ
وأصرخُ عــــشقي قليلٌ مثـيله
فقالت حبيبي مُحـــــــالٌ فأهلي
لهم سيف حقد كــــجمر ٍغليله
أبي شيخُ قوم ٍوأنت فقـــــــــيرٌ
وأمي غروراً تسمى الرسوله
فقلتُ تعالي لنهربَ منـــــــــهم
نعيشُ بعيداً كزهر الــــخمـيله
فقلتُ سأحضـــــــــرُ ليلاً أراك ِ
أقبلُ نهداً وعيــناً جميـــــــــله
وأنعــــــشُ روحي بدفء ِيديكِ
وأروي جفاف الشفاه النحــيله
فقـــــالت وأن شاهدوكَ بخدري
وتدري ليالي الـغرام طــويله
فقلــــــــتُ وأن شاهدوني فقالت
نموتُ يـضلُ هوانا سبـــــيله
فقلتُ الـــــــــــــــحياة بأنا لحب ٍ
أكونُ القتـــيل وأنت ِالقتـــيله
اخيرا لابد لنا من القول ان لشعر حسين الحربي اضواء تسبح في فضاءات القصيدة الجميلة بعوالمها المليئة بالكلمات المعبرة , تلك الحالة من التفرد الشعري المميز جعلته يقف بثبات بين اعمدة الشعر في مدينة الشعراء سوق الشيوخ , ورغم وجود كل تلك الالوان الشعرية الكثيرة الا ان الرسم بالكلمات بين مديات الشمس الباسمة يحتضن تجليات ذلك العشق السرمدي بين سوق الشيوخ والشعر حيث نلمسه رقيقا عذبا من خلال مجموعته ( دموع يذرفها القمر ) التي حملت الينا بقصائدها التي تعبر عن الواقع دون كثير من العناء , فقد تناغمت كلماتها مع ابجدية الحياة هنا بكافة صورها لذلك ظهرت وهي تحتضن جسد هذا البناء الذي استلهم روح النص من هذه الصور ليبعثها للمتلقي بلون شعري جميل يحمل من وجدانية الشاعر تفاعلا مع حالة التجديد المستمرة في قصائده التي تاخذ من الصورة الجميلة افقا ومن الواقع والفكرة المستوحاة خيالا جماليا يرسمه لنا الشاعر لانه يرتكز على مباديء وقيم يريد لها ومن خلال تلك القصائد ان تحفر كلماتها في ذاكرة القراء حتى تكون الكلمات وفلسفة الشعر تدور في افق الفائدة العامة التي يأمل الشاعر من خلال قصائده ان تعم الجميع .....

سوق الشيوخ
2012

 

Share |